الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو أكره ، ولو [ ص: 49 ] بكتقويم جزء العبد ، أو في فعل

التالي السابق


وعطف على سبق أيضا فقال ( أو أكره ) بضم الهمز وكسر الراء أي الزوج على طلاق زوجته فطلقها فلا يلزمه لخبر مسلم { لا طلاق في إغلاق } أي إكراه ، ولخبر { حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } ، إن كان الإكراه ليس شرعيا ، بل ( ولو ) [ ص: 49 ] أكره إكراها شرعيا ( بكتقويم جزء العبد ) المشترك بينه وبين آخر ، وقد حلف لا يشتريه من شريكه أو لا يبيعه له فأعتق الحالف نصيبه منه وهو مليء فقوم عليه نصيب شريكه لتكميل عتقه عليه فلا يحنث ، أو أعتق شريك الحالف الموسر نصيبه منه فقوم نصيب الحالف لذلك فلا يحنث ، هذا قول المغيرة .

وأشار بو " لو " إلى مذهب المدونة وهو المعتمد من الحنث لأن إكراه الشرع طوع ، فالصواب العكس . ولولا ما عطف عليه من قوله أو في فعل لكان وجه الكلام لا بكتقويم جزء العبد قاله ابن غازي . وقال تت ثم بالغ على عدم اللزوم بقوله ولو كان الإكراه بكتقويم جزء العبد الذي حلف لا اشتراه فأكره على عتق نصيبه منه وقوم عليه القاضي بقيته فلا حنث عليه ، ولا يلزمه الأصل . ولا الفرع لأنه مكره فيهما وهو صحيح ، لكنه بعيد ولا يلائم المبالغة المثيرة للخلاف ، إذ لا خلاف في عدم اللزوم في هذه الصورة . ابن عاشر ظهر لي أن صواب وضع هذه العبارة إثر قوله أو في فعل لأنها من صور الفعل لا القول فصواب العبارة وأكره عليه أو على فعل علق هو عليه لا بكتقويم جزء العبد فتتحرر العبارة وتفيد المشهور .

وعطف على المبالغ عليه قوله ( أو ) أي ولو أكره ( في فعل ) أي عليه كحلفه بطلاق زوجته لا يدخل دار فلان فأكره على دخولها فلا يحنث عند سحنون ، وهو مذهب المدونة ، وهذا مقيد بفعل لا يتعلق به حق مخلوق كشرب خمر وسجود لغير الله تعالى ، وزنا بطائعة لا زوج لها ولا سيد ، ويمين البر وبكون المكره بالكسر غير الحالف ، وبعدم علمه حال اليمين بالإكراه ، وبما إذا لم يقل لا أفعله طائعا ولا مكرها وبعدم فعله بعد زوال الإكراه في اليمين المطلقة ، فإن انتفى قيد من هذه الستة حنث . وقال ابن حبيب يحنث لعدم نفع الإكراه على الفعل ، وفرق في الذخيرة على هذا بين الإكراه على القول والإكراه على الفعل بأن المكره على كلمة الكفر مثلا معظم لربه بقلبه ، بدليل قول الله تعالى { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ، بخلاف المكره على الفعل كشرب الحمر والقتل والزنا فمفسدته محققة . [ ص: 50 ] وعبارة ابن غازي قوله أو في فعل الظاهر أنه معطوف على ما في حيز لو ، وهذا مشعر بأن الإكراه على الفعل مختلف فيه ، وأن المشهور أنه إكراه ، وهذا صحيح غير أنه يفتقر إلى تحرير ، وذلك أن الأفعال التي ذكروا في الباب ضربان ، أحدهما الفعل الذي يقع به الحنث وفيه طرق ، الأولى طريقة اللخمي قال إذا حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا فأكره على فعله مثل أن يحلف أن لا يدخل دار فلان ، فحمل حتى أدخلها أو أكره حتى دخل بنفسه أو حلف ليدخلنها في وقت كذا ، فحيل بينه وبين ذلك حتى ذهب الوقت ، فهو في جميع ذلك غير حانث ، فأما إن حمل حتى أدخل فلا يحنث لأن ذلك الفعل لا ينسب إليه ، فلا يقال فلان دخل الدار واختلف إذا أكره حتى دخل بنفسه أو حيل بينه وبين الدخول إذا حلف ليدخلن فمن حمل الأيمان على المقاصد لم يحنثه ، ومن حملها على مجرد اللفظ حنثه لأن هذا دخل ووجد منه الفعل وينسب إليه والآخر حلف ليفعلن فلم يوجد ذلك الفعل .

الطريقة الثانية : لابن حارث قال فيمن حلف لا أدخل دار فلان لو حمل فأدخلها مكرها دون تراخ منه ولا مكث فيها بعد إمكان خروجه منها لم يحنث اتفاقا وكذا لو أدخلته دابة هو راكبها ولم يقدر على ردها ، زاد عيسى ولا النزول عنها .

الطريقة الثالثة : لابن رشد في نوازل أصبغ قال لا يحنث بالإكراه في لا أفعل اتفاقا إنما الخلاف في لا أفعلن والمشهور حنثه . وقال ابن كنانة لا يحنث .

الطريقة الرابعة : لابن رشد أيضا قال في حنثه ثالثها في يمين الحنث لا البر لرواية عيسى ومقتضى القياس والمشهور ، وهذا المشهور اقتصر المصنف عليه في باب الأيمان ، إذ قال ووجبت به إن لم يكره ببر وهذا في الحالف على فعل نفسه لا غيره .

الضرب الثاني : الأفعال المحظورة شرعا . ابن رشد في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ، وأما الإكراه على الأفعال فاختلف فيه ، فقال سحنون هو إكراه وهو في نكاح المدونة [ ص: 51 ]

الثالث : وقال ابن حبيب ليس إكراها كشرب خمر ، وأكل لحم خنزير ، وسجود لغير الله تعالى ، وزنا بطائعة أو مكرهة لا زوج لها ونحوها مما لا يتعلق به حق مخلوق وأما ما تعلق به حق مخلوق كقتل وغصب فلا اختلاف أن الإكراه عليه غير نافع ، زاد في الذخيرة والفرق بين الأقوال والأفعال أن المفاسد لا تحقق في الأقوال لأن المكره على كلمة الكفر معظم لربه بقلبه ، والألفاظ ساقطة الاعتبار في حقه بخلاف شرب الخمر والقتل ونحوهما ، فإن المفاسد متحققة فيها . وعبر عنه ابن عبد السلام بأن القول لا تأثير له في المعاني ولا الذوات ، بخلاف الفعل فإنه مؤثر والذي في نكاحها الثالث قوله في الأسيران ثبت إكراهه ببينة لم تطلق زوجته عليه . قال في جامع الطرر هذا يقتضي أن من أكره على شرب الخمر وأكل الخنزير يأكل ويشرب كما أقامه ابن رشد لأنه إذا أكره على النصرانية فقد أكره على الخمر والخنزير ونحوهما ، وقبله أبو الحسن الصغير فإذا تقرر هذا وأمكن حمل كلام المصنف على الضربين فهو أولى ولو بنوع تجوز أو تغليب ، وربما يستروح من كلامنا على الألفاظ بعد هذا ما يزيدك بيانا إن شاء الله تعالى في هذا وبالله تعالى أستعين .




الخدمات العلمية