الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 158 ] فصل ) إن فوضه لها توكيلا ; فله العزل إلا لتعلق حق ، لا تخييرا ، أو تمليكا .

التالي السابق


( فصل ) ( في أحكام الاستنابة على الطلاق )

وهي أربعة أقسام توكيل وإرسال وتمليك وتخيير ( إن فوضه ) بفتحات مثقلا أي الزوج الطلاق ( لها ) أي الزوجة ( توكيلا ) أي جعل إنشاء لها باقيا له منعها منه إن شاء فخرج بالإنشاء الإرسال وببقاء المنع التمليك والتخيير ( فله ) أي الزوج ( العزل ) أي منعها من إيقاعه قبله اتفاقا على قاعدة التوكيل من عزل الموكل وكيله قبل تصرفه في كل حال ( إلا لتعلق حق ) لها بإيقاعه كقوله لها : إن تزوجت عليك فقد وكلتك على طلاقك أو طلاق التي أتزوجها عليك ثم تزوج عليها فليس له عزلها لتعلق حقها برفع ضرر الضرة عنها .

( لا ) إن فوضه لها ( تخييرا ) بأن جعل لها إنشاءه ثلاثا نصا أو حكما بلا منع منه ، فليس له منعها منه قبل إنشائه ، فخرج بالإنشاء الإرسال وبالنص على الثلاث إلخ التمليك ، وبعدم المنع التوكيل ( أو ) فوضه لها ( تمليكا ) بأن جعل إنشاءه لها بلا منع راجحا في الثلاث يخص بما دونها بنيته فليس له عزلها أيضا ، فخرج بالإنشاء الإرسال ، وبعدم المنع التوكيل ، وبرجحان الثلاث التخيير الحط .

الفرق بين التوكيل وغيره أن الوكيل يفعل على سبيل النيابة عن موكله ، والمملك والمخير يفعلان عن نفسهما لملكهما ما كان الزوج يملكه . والفرق بين التخيير والتمليك [ ص: 159 ] قيل عرفي لا دخل للغة فيه ، فقولهم في المشهور يناكر الزوج المملكة لا المخيرة مبني على عرف فينعكس الحكم بانعكاسه . وقيل : للغة فيه مدخل لأن التمليك إعطاء ما لم يكن حاصلا فالأصل بقاء ملك الزوج العصمة فلا يلزمه إلا ما اعترف بإعطائه والتخيير لغة : جعل الخيار بين شيئين للمخير بالفتح فمعنى تخيير الزوجة أنه خيرها بين بقائها على عصمته وذهابها عنها ، وهذا إنما يكون في المدخول بها بالطلاق الثلاث الذي لا يبقي للزوج عليها حكما أفاده ابن عبد السلام والموضح .

وقال القرافي بعد ذكر اتفاق أبي حنيفة والشافعي وأحمد رضي الله تعالى عنهم على أن التخيير كناية لا يلزم به شيء إلا بنيته لاحتماله التخيير في الطلاق وغيره إن أراد الطلاق احتمل الواحدة وغيرها والأصل بقاء العصمة ما نصه ، والصحيح الذي ظهر أن قول الأئمة الثلاثة هو مقتضى اللفظ لغة لا مرية في ذلك ، وأن مالكا رضي الله تعالى عنه أفتى بالثلاث على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم ، فصار صريحا فيه ، وهذا هو الذي يتجه وهو سر الفرق بين التخيير والتمليك ، غير أنه يلزم عليه بطلان هذا الحكم اليوم ووجوب الرجوع إلى اللغة ، ويكون كناية محضة كما قاله الأئمة الثلاثة لتغير العرف .

والقاعدة أن اللفظ متى كان الحكم فيه مبنيا على نقل عادي بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة ، وتغير إلى حكم آخر إن شهدت له عادة أخرى ، هذا هو الفقه ا هـ .

وكتب عليه ابن الشاط ما قاله إن مالكا رضي الله تعالى عنه بنى على عرف في زمانه هو الظاهر وما قاله من لزوم تغير الحكم بتغير العرف صحيح .




الخدمات العلمية