الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم لمعسر عنه وقت الأداء ، [ ص: 255 ] لا قادر . وإن بملك محتاج إليه : لكمرض ، أو منصب ، أو بملك رقبة فقط ظاهر منها [ ص: 256 ] صوم شهرين بالهلال منوي التتابع والكفارة ، وتمم الأول إن انكسر من الثالث ، [ ص: 257 ] وللسيد المنع ، إن أضر بخدمته ولم يؤد خراجه ، وتعين لذي الرق ، ولمن طولب بالفيئة ، وقد التزم عتق من يملكه لعشر سنين

التالي السابق


( ثم ل ) مظاهر ( معسر عنه ) أي الإعتاق وضمن معسرا معنى عاجز فعداه بعن وهو متعدد بالباء وهو من لم يقدر عليه ( وقت الأداء ) أي فعل الكفارة ، هذا هو المشهور ومذهب المدونة وقيل وقت وجوبها وهو وقت العود على ظاهر ما لابن القاسم في الموازية أن من ظاهر موسرا ولم يكفر حتى أعدم فصام ثم أيسر فإنه يعتق . [ ص: 255 ]

واختلف هل هو على ظاهره فهو خلاف ما في المدونة ، وهذا فهم اللخمي أو مؤول بالندب ، وهذا فهم الباجي تأويلان . ابن عرفة وفيها شرطه العجز عن العتق فيها مع غيرها من ظاهر وليس له إلا خادم واحدة أو دار لا فضل فيها ، أو عرض ثمن رقبة لا يجزيه الصوم لقدرته على العتق ، وفي اعتبار عجزه وقت الأداء مطلقا أو وقت الوجوب إن أيسر بعد صومه في عسره بعد يسره معروف المذهب .

ونقل محمد عن ابن القاسم إن ظاهر موسر ولم يعتق حتى أعدم فصام ثم أيسر يعتق الباجي على وجه الاستحباب . وحمله ابن شاس على ظاهره قال الاعتبار بوقت الأداء . وقيل : بوقت الوجوب إن كان فيه موسرا . بعض القرويين إنما ذلك لمن وطئ فلزمته الكفارة بالعتق ليسره فلم يكفر حتى أعسر فصام ثم أيسر .

( لا ) يصح الصوم لمظاهر ( قادر ) على الإعتاق وقت الأداء بملك ما لا يحتاج إليه بل ( وإن ) كانت قدرته عليه ( بملك ) شيء ( محتاج ) المظاهر ( إليه ) من رق وغيره احتاج إليه ( لكمرض ) وهرم ( ومنصب ) وسكنى ومراجعة ونفقة على نفسه ، ومن تلزمه نفقته فلا يترك له فوته ولا فوت من تلزمه . نفقته لظن يسره لإتيانه بمنكر من القول وزور .

( أو ) كانت قدرته على الإعتاق ( بملك رقبة فقط ) أي لم يملك إلا هي ( ظاهر منها ) فلا يجوز الاستمتاع بها حتى يعتقها عن ظهاره منها ، فإن تزوجها بعد إعتاقها جاز له الاستمتاع بها . ابن عرفة : وفيها من ظاهر من أمة ليس له غيرها لم يجزه إلا العتق وأجزأه عن ظهاره ، وله أن يتزوجها عبد الحق قيل لأبي عمران كيف يجزئ عتقها وهو يحرم وطأها ، قال نية عودته الوطء توجب كفارته . قيل بعض الناس ضعفها ، قال إنما يضعفها من لا يعلم ما للسلف . قال القاسم وسالم وغيرهم الظهار يكون في الإماء ويعتقن عن ظهارهن ، وقال غير [ ص: 256 ] واحد من القرويين إنما تصح المسألة إن كان وطئ أو على القول أن إرادة العودة تلزمه الكفارة وإن ماتت أو طلقها قبل وطئها . وقرر بعض الناس تضعيفها بأن عتقها له مشروط بالعزم على وطئها ، ووطأها ملزوم لملكها ، وملكها مناقض لعتقه ، فيلزم مناقضة الشرط مشروطه ، ويجاب بأن الملك المناقض لعتقها هو المقارن له ، والملك اللازم للعزم على وطئها سابق على عتقها ضرورة تقدم الشرط المشروط وأحد شروط التناقض اتحاد الزمان .

اللخمي يجزيه عتقها على أن العودة العزم على الإمساك وأنه إن طلق بعده أو ماتت فلا تسقط عنه الكفارة . وعلى قول ابن نافع إن أتم الكفارة بعد انقضاء عدتها أجزأته ، ولا تجزيه على القول بأن شرطها كونها في موضع يستبيح به الإصابة لأن عتقها خلاف العزم على الإصابة ولا يجزيه الصوم لأنه مالك رقبة ، وقول ابن الحاجب " لو ظاهر من أمة لا يملك غيرها أجزأته على الأصح يقتضي أن مقابل الأصح نص ولم أعرفه . ابن شاس تكلف المعسر الإعتاق أجزأ عنه قلت باستيهاب ثمنه أو استدانته مع إعلام رب الدين عنه لأنه بهما يصير واجدا .

والمعطوف بثم ( صوم شهرين ) معتبرين ( ب ) رؤية ( الهلال ) ليلة أحد وثلاثين ، أو ليلة ثلاثين إن ابتدأه أول ليلة من الشهر الأول حال كونه ( منوي التتابع ) وجوبا لقوله تعالى { متتابعين } أي فعلا ونية ، فلا يكفي تتابعهما بدون نيته ( و ) منوي ( الكفارة ) عن الظهار ( وتمم ) بضم الفوقية وكسر الميم الأولى الشهر ( الأول إن انكسر ) أي ابتدأ الصوم بعد مضي يوم منه أو أكثر ، ومفعول تمم الثاني محذوف أي ثلاثين يوما ، وصلة تمم ( من ) الشهر ( الثالث ) متصلا بآخر الثاني . ابن عرفة وهو أشهر إن تتابعا إن بدأهما للأهلة أجزأ ولو قصرا عن ستين يوما ، فإن أفطر في شهر لعذر ففي إكماله ثلاثين أو بقدر ما أفطر نقلا عياض عن الواضحة مع عبد الملك وسحنون مع ابن عبد الحكم ، ولو [ ص: 257 ]

ابتدأ لغير الأهلة ففي إكمال المبتدأ ثلاثين أو بقدر ما فات منه نقل الشيخ عن المذهب وتخريج عياض على قول ابن عبد الحكم .

( وللسيد ) للعبد المظاهر ( المنع ) له من الصوم ( إن أضر ) الصوم ( بخدمته ) إن كان للخدمة ( ولم يؤد ) العبد ( خراجه ) الذي جعله عليه سيده كل يوم أو جمعة أو شهر لضعفه عن تحصيله بالصوم إن كان عبد خراج ، فالواو بمعنى أو التي لمنع الخلوة فقط . فإن كان للخدمة والخراج معا والصوم يضعفه عن أحدهما فله منعه منه ، هذا هو المشهور . وقال ابن الماجشون : ومن وافقه ليس له منعه منه لأنه من توابع النكاح الذي أذن له فيه . ومفهوم الشرط أنه إن لم يضر بخدمته ولا خراجه فليس له منعه وهو كذلك .

( وتعين ) بفتحات مثقلا أي الصوم في كفارة الظهار ( ل ) لمظاهر ( ذي ) أي صاحب ( الرق ) أي الرقيق أي عليه وشمل المكاتب والمدبر والمعتق لأجل إذ لا ولاء له وهو لازم للإعتاق ، ونفي اللازم دليل على نفي ملزومه ومحل تعين الصوم عليه إذا قدر عليه ، فإن عجز عنه أطعم إن أذن له سيده في الإطعام وإلا انتظر قدرته على الصيام .

( و ) تعين الصوم ( لمن ) أي مظاهر حر ( طولب بالفيئة ) أي كفارة الظهار ( وقد التزم ) قبل ظهاره أو بعده ( عتق من ) أي الرقيق الذي ( يملكه ) المظاهر ( ل ) تمام ( عشر سنين ) مثلا مما يبلغه عمره ، ظاهر أو مفهوم طولب بالفيئة أنها إن صبرت لتمامها لا يصوم وهو كذلك قاله سحنون . ابن شاس ولو لم تطالبه لما أجزأه الصوم ويصير لانقضاء الأجل فيعتق .




الخدمات العلمية