الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 438 - 439 ] إلا بسكر فتردد

التالي السابق


واستثنى من مفهوم قوله تمييز فقال ( إلا ) أن يكون عدم تمييزه ( بسكر ) حرام أدخله على نفسه بنحو خمر ( ف ) في عدم صحة بيعه ( تردد ) أي طريقتان ، فطريقة ابن رشد والباجي عدم صحة بيعه اتفاقا . وطريقة ابن شعبان وابن شاس وابن الحاجب عدمها على المشهور ، فالأولى حذف قوله إلا بسكر فتردد ; لأن بيعه غير صحيح إما اتفاقا أو على المشهور ، وعبارة المصنف توهم أن التردد في الصحة وعدمها وليس كذلك ، ومحله في الطافح الذي لا تمييز عنده ; لأنه مستثنى من مفهوم ما قبله وكأنه قال فلا يصح من غير مميز إلا أن يكون عدم تمييزه بسكر إلخ .

ابن رشد سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا خلاف أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله إلا فيما ذهب وقته من الصلاة فقيل إنه لا يسقط عنه ، بخلاف المجنون وسكران معه بقية من عقله . قال ابن نافع يجوز عليه كل ما فعل من بيع وغيره وقيل تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا يلزمه الإقرار والعقود وهو مذهب مالك وعامة أصحابه رضي الله تعالى عنهم وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب ا هـ .

فقوله فقيل إنه لا يسقط إلخ ظاهره وجود الخلاف وقد بحث معه المصنف بأن الصلاة يقضيها بلا خلاف ، فتبين أن التفصيل إنما هو في النوع الثاني ، وما ذكره ابن رشد نحوه للباجي والمازري على ما في الحط خلاف ما في التوضيح عنه من إطلاقه الخلاف في النوعين . وأطلق اللخمي الخلاف في لزوم بيعه وتبعه ابن بشير وتبع ابن شاس وابن الحاجب طريقة ابن شعبان على ما فهماه من كلامه ، ونص ابن شاس العاقد شرطه التمييز فلا ينعقد من فاقده لصغر أو جنون أو إغماء ، وكذلك السكران إذا كان سكره متحققا .

الشيخ ويحلف مع ذلك بالله ما عقل حين فعل ، ثم لا يجوز عليه ، وقال ابن نافع ينعقد [ ص: 440 ] من السكران والجمهور على خلافه . أبو عبد الله وهو بسكره يقصر ميزه في معرفة المصالح عن السفيه والسفيه لا يلزمه بيعه ا هـ . طفي ظاهر قوله إلا بسكر فتردد أنه في الانعقاد وعدمه وهو ما عليه ابن الحاجب وابن شاس ، والذي تواطأت عليه الطرق أنه في اللزوم وعدمه مع الاتفاق على صحته ، هذا الذي عليه ابن رشد والمازري والباجي وعياض واللخمي ونقل نص ابن رشد المتقدم ، ثم قال وقال المازري بياعاته فيها عندنا قولان جمهور أصحابنا على أنها لا تلزمه ، وذهب بعض أصحابنا إلى اللزوم وللباجي نحو ما لابن رشد من التفصيل .

وأطلق اللخمي الخلاف في لزوم بيعه ، وتبعه ابن بشير وعلى طريقتي اللخمي والباجي مع ابن رشد اقتصر ابن عرفة فقال والسكر بغير خمر مثله أي الجنون وفيه به طريقان اللخمي في لزوم بيعه قول ابن نافع ورواية سحنون قائلا وعليه أكثر الرواة ، ولم يحك أبو عمر غيره ، وزاد ويحلف ما كان حين بيعه عاقلا . ابن رشد والباجي إن لم يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فكالمجنون اتفاقا وإن كان له بقية من عقله فالقولان أي اللذان في طريقة اللخمي فقد ظهر لك أن هذه الطرق متفقة على الصحة والخلاف في اللزوم ، ثم قال في التوضيح وجعل المصنف الخلاف في السكران الذي لا يميز ، وكذلك ذكر ابن شعبان وعياض ، وعليه فلا خلاف في لزوم البيع لغير الطافح ، وطريقة ابن رشد بالعكس . البناني لا دليل له في قول ابن رشد والباجي في الطافح أنه كالمجنون ; لأن مرادهما كما في الحطاب أنه مثله في عدم الانعقاد ، ويدل عليه ما تقدم لا في عدم اللزوم كما فهمه طفي بناء على ما تقدم له ; لأنه قد مر ما فيه ولا دليل له أيضا في حكاية المازري الخلاف في اللزوم وعدمه لما في الحطاب ، وسلمه طفي أن كلامه في المعلم يقتضي أنه إنما تكلم على من معه بقية من عقله ، وأما السكران بحلال كشربه خمرا لظنها غيرها فكالمجنون المطيق في عدم صحة بيعه ، وإنما لم يصح بيع السكران بحرام أو لم يلزم كإقراره وسائر عقوده ، [ ص: 441 ] بخلاف جناياته وعتقه وطلاقه وحدوده سدا للذريعة ; لأنه لو لزمه مع شدة حرص الناس على أخذ ما بيده وكثرة وقوع بيعه ونحوه لأدى إلى أنه لا يبقى له شيء ، ولو لم يلزمه الجنايات ونحوها لتساكر الناس وأتلفوا الأموال والأنفس وغيرها .




الخدمات العلمية