الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ورد سمسار جعلا ، .

[ ص: 188 ] ومبيع لمحله إن رد بعيب ، وإلا رد إن قرب ، وإلا فات [ ص: 189 ] كعجف دابة ، وسمنها ، [ ص: 190 ] وعمى ، وشلل ، وتزويج أمة .

التالي السابق


( ورد ) بفتح الراء وشد الدال ( سمسار ) بكسر السين وسكون الميم أي دلال توسط بين البائع والمشتري في بيع المعيب وهو فاعل رد ومفعوله ( جعلا ) أخذه من البائع ثم رد عليه المبيع بعيب قديم فيرده له إن لم يدلس البائع دلس السمسار أم لا . ابن يونس إن رد المبيع بحكم فإن قبله البائع متبرعا فلا يرد السمسار جعله له كإقالته والاستحقاق كالعيب في رد الجعل إن دلس البائع ورد عليه المعيب فلا يرد السمسار الجعل إن لم يعلم السمسار العيب ، فإن كان علمه فكذلك عند ابن يونس إلا أن يتواطأ مع البائع [ ص: 188 ] على التدليس فله جعل مثله رد المبيع أم لا ، وعند القابسي له جعل مثله في حال علمه إن لم يرد المبيع ، فإن رد فلا شيء له ، وإن كان السمسار أخذ الجعل من المشتري ورد المبيع بعيب فله أخذ الجعل من البائع وللبائع الرجوع على السمسار إن لم يدلس ، والمأخوذ من المدونة أن جعل السمسار على البائع عند عدم الشرط والعرف .

وعطف على هلاكه فقال : ( ورد مبيع ) معيب نقله المشتري لمحله ثم علم عيبه واختار رده لبائعه فرده ( لمحله ) أي المبيع الذي قبضه فيه المشتري على بائعه المدلس ( إن رد ) بضم الراء وفتح الدال المبيع على البائع ( بعيب ) قديم وعليه أجرة نقل المشترى له إلى بيته مثلا ولا يرجع المشتري على البائع بأجرة حمله إن سافر به إلا أن يعلم البائع أن المشتري أراد السفر به ( وإلا ) أي وإن لم يكن البائع مدلسا ( رد ) بضم الراء المبيع ، أي رده المشتري على بائعه بعيب قديم ( إن قرب ) الموضع الذي نقله المشتري إليه وهو ما لا كلفة في نقله إليه ( وإلا ) أي وإن لم يقرب ( فات ) الرد وللمشتري أرش العيب . الحط ويفترق المدلس من غيره في مسألتين أيضا إحداهما : تأديب المدلس وعدم تأديب غيره ، ففي سماع ابن القاسم قال مالك رضي الله تعالى عنه : من باع عبدا أو وليدة وبه عيب غر به ودلسه فإنه يعاقب ويرد عليه . ابن رشد هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أن الواجب على من غش أخاه المسلم أو غيره أو دلس له بعيب أن يؤدب على ذلك مع الحكم عليه بالرد لأنهما حقان مختلفان أحدهما لله تعالى لتناهي الناس عن حرماته تعالى ، والآخر للمدلس عليه فلا يتداخلان .

الثانية : في اللباب من الأحكام التي يفترق فيها المدلس من غيره حكم ما يأخذه المكاس بأن اشترى حمارا وأدى مكسه ثم علم عيبه وأراد رده والرجوع به على بائعه فلم يحضرني نقل فيه والظاهر أنه إن كان البائع مدلسا فله الرجوع به عليه ، وإلا فلا وقد أشار ابن يونس إلى الخلاف في مبتاع أدى مكسا ثم أخذ منه بالشفعة هل يلزم الشفيع دفعه أم لا : وأجري على من اشترى من لص هل يأخذه ربه بلا ثمن أو به ، ويمكنه [ ص: 189 ] أن يقال : إنه ظلم فهو ممن أخذ منه ويأتي للمصنف في الشفعة وفي المكس تردد وتقدم له في الجهاد والأحسن في المفدى من لص أخذه بالفداء والظاهر من كلام ابن رشد أن من رد بعيب يرجع بما غرمه للسلطان إن كان بائعه مدلسا وإلا فلا .

( تنبيهان ) الأول : في المقدمات البائع يحمل على عدم التدليس حق يثبت عليه ببينة أو إقرار . الثاني : فيها وإن ادعى المشتري أن البائع دلس له فأنكره أحلفه ، فإن قال : علمته وأنسيته حين البيع حلف أنه نسيه . وفي المقدمات فإن ادعى نسيانه حلف عليه ثم يخير المبتاع عند ابن القاسم ، وحكى ابن المواز عن مالك رضي الله تعالى عنهما أنه لا يحلف إلا بعد اختيار المبتاع الرد ، إذ لا معنى ليمينه إذا اختار التمسك والرجوع بقيمة العيب ، فإن نكل البائع حكم عليه بحكم التدليس نقله في التوضيح . ثم مثل للعيب المتوسط الحادث عند المشتري مع وجود عيب قديم عند البائع فقال : ( كعجف ) بفتح العين المهملة والجيم إثرها فاء أي هزال ( دابة ) من النعم أو غيره ( وسمنها ) الحط أما العجف فالمشهور أنه من المتوسط الموجب لخيار المبتاع بين الرد ودفع أرش الحادث والتمسك وأخذ أرش القديم . وقال ابن مسلمة : إنه من المفيت الذي يوجب الرجوع بالقيمة ويمنع الرد . وقال ابن رشد : لم يختلف في هزال الدابة أنه فوت يخير به المبتاع بين الإمساك والرجوع بقيمة العيب والرد ودفع ما نقصه الهزال ا هـ ، ففي هزال الدابة طريقتان ، وأما سمنها فقال ابن رشد : اختلف قول مالك رضي الله تعالى عنه في سمن الدواب فرآه مرة فوتا يخير المبتاع به بين الرد والإمساك والرجوع بقيمة العيب ، ومرة لم يره فوتا ، وقال : ليس له إلا الرد . ا هـ . وزاد في المقدمات قولا ثالثا إنه فوت خرجه على الكبر .

ابن عرفة ابن رشد في لغو السمن وكونه من الثالث أو الثاني ثلاثة لابن القاسم وابن حبيب والتخريج على الكبر . [ ص: 190 ]

( تنبيهات ) الأول : يتبادر للفهم من جمع المصنف الهزال والسمن أن السمن عيب يرد أرشه مع الدابة إذا ردت بعيب قديم وليس كذلك كما تقدم عن ابن رشد . وقال الباجي لما تكلم على زيادة البدن بالسمن : المشتري مخير بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب أو يرد ولا شيء له من الزيادة . الثاني : ابن عرفة صلاح البدن بغير بين السمن لغو . الثالث : مفهوم دابة أن هزال الرقيق وسمنه ليسا فوتا وهو كذلك . ابن رشد أما هزال الذكر من الرقيق وسمنه فلا اختلاف أنه ليس بفوت وأما سمن الجواري وعجفهن فلم يختلف قول مالك رضي الله تعالى عنه أنه ليس بفوت ورآه ابن حبيب يخير به المبتاع بين الرد والإمساك وأخذ قيمة العيب ( وعمى وشلل وتزويج أمة ) الحط هذا مذهب المدونة ولا مفهوم لقوله أمة ، فالعبد كذلك ، ففي المقدمات وأما النقصان بتغير حال المبيع كتزويج الأمة أو العبد والزنا والسرقة والشرب ، وشبهه مما تنقص به قيمته فاختلف فيه فقال في المدونة : إن تزويج الأمة نقصان ولا يردها إلا وما نقصها النكاح أي أو يمسك ويرجع بقيمة العيب . وقال ابن حبيب : ما أحدث العبد من زنا أو شرب أو سرقة فليس بنقص ، وقد يفرق بين الوجهين بأن التزويج عيب يعلم حدوثه بعد الشراء بخلاف الزنا والشرب والسرقة لا يدري لعله كان فيه قبل شرائه ا هـ وقال الرجراجي : وأما النقص بتغير حال المبيع مثل تزويج الأمة أو العبد أو زناه أو سرقته أو شبهه مما ينقص قيمته فلا خلاف في المذهب أن تزويج الرقيق عيب مع بقاء الزوجية ، وذكر الخلاف المتقدم في زوالها بموت أو فراق ، ثم قال : فإذا كانت الزوجية الباقية عيبا اتفاقا والزائلة على أحد الأقوال فهي فوت فيخير المشتري بين رد المبيع مع ما نقصه عيب التزويج والتمسك والرجوع بما نقصه العيب القديم . وأما عيوب الأخلاق كالزنا والسرقة وشرب الخمر إذا حدث عند المشتري وقد اطلع على عيب [ ص: 191 ] قديم فالمذهب على قولين أحدهما أنها عيوب يرد أرشها إن رد المبيع وهو المشهور والآخر أنها ليست بعيوب فله رده ولا شيء عليه قاله ابن حبيب . ا هـ . واقتصر المصنف على التزويج تبعا لها وليرتب عليه جبره بالولد . .




الخدمات العلمية