الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 98 ] وتصرفه قبل الحجر على الإجازة عند مالك ، لا ابن القاسم ، [ ص: 99 ] وعليهما العكس في تصرفه إذا رشد بعده ، وزيد في الأنثى [ ص: 100 ] دخول زوج بها ، وشهادة العدول على صلاح حالها ، ولو جدد أبوها حجرا على الأرجح

التالي السابق


( وتصرفه ) أي السفيه المهمل ( قبل الحجر ) عليه من القاضي محمول ( على الإجازة ) بالزاي أي المضي واللزوم ( عند ) الإمام ( مالك ) رضي الله تعالى عنه وكبراء أصحابه وشهره في المقدمات لأن المانع من نفوذ التصرف عنده الحجر ولم يوجد ويؤيده قولها من أراد أن يحجر على ولده أتى به الإمام ليحجر عليه ، ويشهره في الجوامع والأسواق ، ويشهد عليه فمن عامله بعد فمردود ( لا ) عند الإمام عبد الرحمن ( ابن القاسم ) صاحب الإمام مالك رضي الله تعالى عنهما ، فمحمول على الرد عنده في المشهور عنه ، وشهره في البيان ، وصححه ابن الحاجب وغيره المازري : واختاره محققو أشياخي لأن المانع عنده السفه وهو موجود .

( تنبيهان ) : الأول : أشعر كلامه بأن الأول هو المعتمد عنده حيث لم يقل ، وهل كذا أو كذا ؟ خلاف كعادته .

الثاني : أشعر ذكره القولين في السفيه بأن أفعال مجهول الحال جائزة اتفاقا وهو كذلك في التوضيح عن المقدمات وأما الصبي فأفعاله مردودة ذكرا كان أو أنثى قاله في [ ص: 99 ] المقدمات . وأما الأنثى السفيهة المهملة فلم يتعرض لها في هذا المختصر ، وذكر في المقدمات فيها قولين أحدهما أن أفعالها جائزة رواه زياد عن مالك رضي الله تعالى عنهما ، وقاله في غير ابن القاسم في المدونة وسحنون في العتبية ، والثاني أنها مردودة ما لم تعنس أو تتزوج ويدخل بها زوجها وتقم معه مدة يحمل أمرها فيها على الرشد قيل : أدناها العام قاله ابن الماجشون ، وقيل : ثلاثة . ابن أبي زمنين الذي أدركت عليه العمل أنه لا يجوز فعلها حتى يمر بها في بيت زوجها مثل السنتين والثلاث ، ونقله في التوضيح فأفعالها قبل هذا مردودة .

( وعليهما ) أي قولي مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما ( العكس في تصرفه ) أي السفيه ( إذا رشد ) وتصرف ( بعده ) أي الحجر وقبل فكه فهو مردود على قول مالك رضي الله عنه لأنه محجور عليه ، وماض على قول ابن القاسم لرشده وزوال سفهه . صاحب التكملة : وهما منصوصان لا مخرجان كما هو ظاهره . وقد حكى في المقدمات في اليتيم المهمل أربعة أقوال ، أحدها قول مالك رضي الله تعالى عنه وكبراء أصحابه إن أفعاله كلها بعد بلوغه جائزة نافذة رشيدا كان أو سفيها معلن السفه أو غير معلنه ، اتصل سفهه من حين بلوغه أو سفه بعد أن أنس منه الرشد من غير تفصيل .

الثاني : لمطرف وابن الماجشون وإن كان متصل السفه فلا تجوز وإلا جازت ولزمته ما لم يكن بيعه بيع سفه وخديعة مثل بيع ما بألف بمائة فلا يجوز ولا يتبع بالثمن إن أفسده من غير تفصيل بين معلن السفه وغيره .

والثالث : لأصبغ إن كان معلنا به فلا تجوز ، وإن لم يعلن به جازت اتصل سفهه أم لا ، وذهب ابن القاسم إلى أن ينظر له يوم بيعه ، فإن كان رشيدا جازت أفعاله وإن كان سفيها لم تجز .

( وزيد ) بكسر الزاي على ما ينفك الحجر به عن الذكر من البلوغ وظهور الرشد في ذي الأب ، وهما والفك في ذي الوصي والمقدم ( في ) فك حجر ( الأنثى ) شرطان أحدهما [ ص: 100 ] دخول زوج ) بها فإن لم يدخل بها فهي على الحجر ، ولو علم رشدها ولا يحتاج لاختبارها بسنة بالنون بعد الدخول على المشهور عند ابن رشد وعياض وغيرهما ، وشهر ابن الحاجب اختبارها بسنة بالنون بعد الدخول ، وصرح ابن فرحون بتشهيره وضبط قوله بستة بالتاء أي ستة أعوام بعد الدخول ليوافق ما به العمل ، قاله ابن أبي زمنين إلا أن يجدد الأب عليها حجرا قبل ذلك . وقال ابن القاسم سبعة أعوام بعد البناء ابن عرفة وبه العمل عندنا .

والثاني ( شهادة العدول ) أي أربعة فأكثر ، هذا الذي جرى به عمل الموثقين . قال في المتيطية ولا يجزئ في ذلك عدلان كما يجزئ في الحقوق وعلى هذا العمل وعليه درج صاحب التحفة . أبو علي في حاشية شرحها ، وحاصل ما ذكره ابن سهل والجزيري في وثائقه في هذا أن تكثير الشهود في الترشيد والتسفيه شرط ، وأقلها عند ابن الماجشون أربعة وتجوز فيهما شهادة الرجال والنساء أو الرجال فقط ، ولا بد أن يكون الشهود من الجيران ، ومن يرى أنه يعلم ذلك إلا أن يفقدوا فيشهد الأباعد ( على صلاح حالها ) أي حسن تصرفها في المال وسداده كما في الموطأ والمدونة ، فينفك حجرها ولو قرب دخولها على المشهور إن لم يجدد الأب حجرها ، بل ( ولو جدد أبوها حجرا ) عليها ( على الأرجح ) عند ابن يونس من الخلاف " غ " لم أقف على هذا الترجيح لابن يونس .

وذكر ابن رشد في المقدمات أن القياس أنه ليس للأب تجديد حجرها على قول من حد لجواز أفعالها حدا من السنين ، مع أن المصنف أضرب هنا عن القول بالتحديد بالسنين ، وقد قبل ابن عرفة قياس ابن رشد ولم يذكر شيئا لابن يونس ، ففي هذا الترجيح نظر من وجهين أحدهما نسبته لابن يونس ، والثاني تفريعه على غير القول بالتحديد والله أعلم تت . [ ص: 101 ] تنبيهات ) الأول : ظاهر كلام المصنف انفكاكه ولو ضمن شهود تجديد سفهها علمهم به وهو كذلك خلافا لفتوى ابن القطان والأصيلي من أنه ليس له ذلك إلا بإثبات سفهها .

الثاني : حقه أن يقول على الأظهر لأن المرجح هنا إنما هو ابن رشد حيث قال : القياس أنه ليس للأب عليها تجديد حجرها على قول من حد لجواز أفعالها حدا من السنين لأنه حملها ببلوغها إليه على الرشد ، وأجاز أفعالها فلا يصدق الأب في إبطال هذا الحكم بما ادعاه من سفهها إلا أن يعلم صحة قوله . [ ص: 102 ] الثالث : شمل قوله الأنثى المعنسة وابن الحاجب جعل هذا الحكم في غيرها .

الرابع : نسب الشارح الترجيح لابن يونس ، ونقل عنه ما قدمناه عن ابن رشد وما قدمناه عنه هو في مقدماته ، فإن كانا اتفقا على تلك العبارة فالمناسب على الأرجح والأظهر ، وإلا فهو سبق قلم من الكاتب ا هـ كلام تت .

الخامس الحط الظاهر أن كلام المصنف في ذات الأب والوصي ، وأما المهملة فقد تقدم حكمها والمشهور فيهما مختلف على ما في البيان ، فذكر في كل من ذات الأب والمهملة سبعة أقوال ، وذكر المشهور منها في كل واحدة ونصه : وقد اختلف في هاتين اختلافا كثيرا ، فقيل في ذات الأب : إنها تخرج بالحيض من ولاية أبيها . وقيل لا تخرج به حتى تتزوج ويمر بها عام ونحوه بعد الدخول . وقيل : عامان . وقيل : سبعة . وقيل : لا تخرج وإن طالت إقامتها مع زوجها حتى يشهد العدول على صلاح حالها . وقيل : تخرج بالتعنيس وإن لم يدخل بها زوجها .

واختلف في حد تعنيسها فقيل : أربعون ، وقيل : من خمسين إلى ستين . وقيل : أفعالها جائزة بعد التعنيس إذا أجازها الولي فهذه سبعة أقوال . وقيل في اليتيمة المهملة : إن أفعالها جائزة بعد بلوغها . وقيل : لا تجوز حتى يمر بها بعد الدخول العام ونحوه أو العامان ونحوهما ، وقيل : الثلاثة الأعوام ونحوها . وقيل : حتى تدخل ويشهد العدول على صلاح حالها . وقيل : إذا عنست وإن لم تتزوج ، واختلف في هذه من ثلاثين سنة إلى الخمس والستين ، وهو زمن انقطاع الحيض فهذه ستة أقوال ، ويتخرج فيها سابع وهو أن تجوز أفعالها [ ص: 103 ] بمرور سبعة أعوام من دخولها والمشهور في البكر ذات الأب أنها لا تخرج من ولاية أبيها ولا تجوز أفعالها وإن تزوجت حتى يشهد العدول على صلاح أمرها ، والذي جرى به العمل عندنا كون أفعالها جائزة إذا مر بها سبعة أعوام من دخول زوجها بها على رواية منسوبة لابن القاسم . والمشهور في البكر اليتيمة المهملة أن أفعالها جائزة إذا عنست أو مضى لدخول زوجها بها العام وهو الذي جرى به العمل ، فإن عنست في بيت زوجها جازت أفعالها باتفاق إذا علم رشدها أو جهل حالها ، وردت إن علم سفهها ، هذا الذي اعتقده في المسألة على منهاج قولهم ا هـ .

ثم قال الحط وأما اليتيمة ذات الوصي من أبيها أو المقدم من القاضي . ففي المقدمات لا تخرج من الولاية وإن عنست أو تزوجت ودخل بها زوجها وطال زمانها وحسنت حالتها حتى تطلق من الحجر الذي لزمها بما يصح إطلاقها به منه ، وقد بينا ذلك قبل هذا وهذا هو المشهور في المذهب المعمول به ا هـ . الحط وهذا يفهم من كلام المصنف والله أعلم .




الخدمات العلمية