الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا الإقرار ، إن لم يفوض له ، [ ص: 361 ] أو يجعل له

التالي السابق


( ولا ) أي وليس للوكيل في الخصومة ( الإقرار ) على موكله لخصمه ( إن لم يفوض ) [ ص: 361 ] موكله ( له ) أي الوكيل في الوكالة ( أو ) إن لم ( يجعل ) الموكل ( له ) أي الوكيل الإقرار ، فإن فوض له في التوكيل أو جعل له الإقرار فله عليه ، ويلزم موكله ما أقر به عليه على المعروف ابن عبد البر وبه جرى العمل في التوضيح المعروف من المذهب أن الوكالة على الخصام لا تستلزم الوكالة على الإقرار إذا لم يجعله إليه ، فلو أقر فلا يلزمه ، هذا في غير المفوض إليه قاله في الكافي . ابن عرفة في نوازل أصبغ الوكالة على الخصام لا تشمل صلحا ولا إقرارا فلا يصح أحدهما من الوكيل إلا بنص عليه من موكله ، ولم يذكر ابن رشد خلافا فيه ا هـ .

في الشامل يلزمه ما أقر به على الأصح إن كان من معنى الخصومة التي وكل عليها ، وإلا فلا يقبل على الأصح . ابن عتاب وغيره إنما يلزمه إقراره فيما كان من معنى المخاصمة التي وكل عليها . ابن سهل هذا هو الصحيح . الحط لا شك أنه قاض قاله ابن عتاب هو الظاهر لأن الوكالة تخصص وتقيد بالعرف ، ولا شك أنه قاض بأن من وكل على المخاصمة وجعل لوكيله الإقرار إنما يريد فيما هو من معنى الخصومة التي وكل فيها .



( تنبيهات ) الأول : منع عزل الوكيل بعد مقاعدته الخصم ثلاثا مقيد بعدم غشه موكله وميله مع خصمه وإلا فله عزله . ابن فرحون للموكل عزل وكيله ما لم يناشب الخصومة ، فإن كان الوكيل قد ناشب خصمه وجالسه عند الحاكم ثلاث مرات فأكثر فليس له عزله إلا أن يظهر منه غش أو تدخيل في خصومته ، وميل مع المخاصم له فله عزله ; وكذلك لو وكله بأجر فظهر غشه كان عيبا وله أن يفسخ وكالته . ا هـ . ونقله ابن عرفة عن المتيطي .



الثاني : فهم من كلام المصنف أن الوكيل في غير الخصام لموكله عزله ، وله عزل نفسه متى شاء وهو كذلك . ابن عرفة ابن رشد للموكل عزل وكيله وللوكيل أن ينحل عن الوكالة متى شاء أحدهما اتفاقا إلا في وكالة الخصام ، فليس لأحدهما بعد أن انتشب الخصام والمفوض والمخصوص إليه سواء ا هـ . ابن فرحون وإن كانت الوكالة بغير عوض [ ص: 362 ] فهو معروف من الوكيل تلزمه إذا قبلها وللموكل عزله إلا أن تكون في الخصام وسيأتي للمصنف ، وهل لا تلزم أو إن وقعت بأجرة أو جعل فكهما ، وإلا لم تلزم تردد .



الثالث في النوادر ابن المواز يجوز للوكيل في عذر الخصام عزل نفسه متى شاء من غير اعتبار رضا موكله ، إلا أن يتعلق به حق لأحد ، ويكون في عزل نفسه إبطال لذلك الحق فلا يكون له ذلك لأنه قد تبرع بمنافعه ، وإن كانت بعوض فهي إجارة تلزمهما بعقدها ولا يكون لواحد التخلي وتكون بعوض مسمى وإلى أجل مضروب وفي عمل معروف .



الرابع : ما ذكره المصنف من منع عزل وكيل الخصام بعد المقاعدة ثلاثا أحد أقوال خمسة ، حصلها ابن عرفة بقوله بعد كلام شيوخ المذهب ففي منع العزل بمجرد إنشاب الخصام أو بمقاعدته ثلاثا ثالثها بمقاعدته مقاعدة تثبت فيها الحجج ، ورابعها ما لم يشرف على تمام الحكم ، وخامسها على الحكم لابن رشد مع اللخمي والمتيطي عن المذهب وله عن أحد قولي أصبغ وثانيهما ومحمد .



الخامس : ابن عرفة الوكالة على الخصام لمرض الموكل أو سفره أو كونه امرأة لا يخرج مثلها جائزة اتفاقا المتيطي وكذا الوكالة لعذر بشغل الأمير أو خطة لا يستطيع مفارقتها كالحجابة وغيرها ، وفي جوازها لغير ذلك ثالثها للطالب لا للمطلوب لمعروف مع قول المتيطي هو الذي عليه العمل ، ثم قال وعلى المعروف في جوازها مطلقا أو بعد أن ينعقد بينهما ما يكون من دعوى وإقرار نقلا ابن سهل قائلا ذكر ابن العطار أن له أن يوكل قبل المجاوبة إن كان الموكل حاضرا والصحيح عندي أن لا يمكن منه لأن اللدد ظاهر فيه ، ومراده أن يحدث عنه ما فيه تشغيب ونص ابن سهل إن أراد الخصمان أو أحدهما في أول مجلس جلسا فيه التوكيل ففيه اختلاف ، فمن الفقهاء من رأى ذلك لهما أو لأحدهما ، ومنهم من رأى ليس لهما ذلك إلا بعد أن ينعقد بينهما إقرار أو إنكار منهما ، أو من أحدهما وهو الصحيح ابن الهندي قول من قال له أن يوكل قبل أن يجيب أصح لأنه قد أجيز للحاضر ابن العطار له التوكيل قبل المجاوبة إذا كان الوكيل بالحضرة [ ص: 363 ] فيجاوب عنه ، فإن لم يوكل فيقال بعد الأدب قل الآن ما تأمر به وكيلك أن يقوله عنك فإن أبى علم أنه ملد المتيطي والظاهر أن مرادهم بهذا إذا لم يوكلا في أول الأمر حتى حضرا عند القاضي ، أما لو وكلا أولا فلا كلام فيه ، والظاهر أيضا أن مرادهم ما لم يجلسا ثلاثا عند الحاكم .



السادس ابن فرحون من وكل ابتداء ضررا لخصمه فلا يمكن منه .



السابع : ابن فرحون محمد وابن لبابة كل من ظهر منه عند القاضي لدد وتشغيب في خصومة فلا ينبغي له أن يقبله في وكالة ، ولا يحل إدخال اللدد على المسلمين . ابن سهل الذي ذهب إليه الناس في القديم والحديث قبول الوكلاء إلا من ظهر منه تشغيب ولدد ، فيجب على القاضي إبعاده وأن لا تقبل له وكالة على أحد .



الثامن : في المتيطية كره مالك " رضي الله تعالى عنه " لذوي الهيئات الخصومات ، قال مالك كان القاسم بن محمد يكره لنفسه الخصومة ويتنزه عنها ، وكان إذا نازعه أحد في شيء قال له إن كان هذا الشيء لي فهو لك ، وإن كان لك فلا تحمدني عليه وكان ابن المسيب إذا كان بينه وبين رجل شيء لا يخاصمه ويقول الموعد يوم القيامة مالك " رضي الله تعالى عنه " من علم أن يوم القيامة يحاسب فيه على الصغير والكبير ، ويعلم أن الناس يوفون حقوقهم من الحسنات وأن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء فليطب بذلك نفسا ، فإن الأمر أسرع من ذلك وما بينك وبين الآخرة وما فيها إلا خروج روحك حتى تنسى ذلك كله حتى كأنك ما كنت فيه ولا عرفته . ابن شعبان مالك " رضي الله عنه " من خاصم رجل سوء ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه " كفى بك ظلما أن لا تزال مخاصما وقاله أبو الدرداء أيضا عن عائشة " رضي الله عنها " قال النبي صلى الله عليه وسلم { أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم } .



التاسع : ابن العطار لا يصلح للرجل أن يوكل أباه له ليطلب له حقا لأنها استهانة للأب .



العاشر : من عزل وكيله فأراد خصمه توكيله فأبى الأول لاطلاعه على عوراته ووجوه خصوماته فلا يقبل قوله ، ولخصمه توكيله ، قاله في الاستغناء ابن فرحون ينغي أن لا يمكن من توكيله ، لأنه صار كعدوه ولا يوكل عدو على عدوه .



[ ص: 364 ] الحادي عشر : ابن فرحون لا تجوز الوكالة للمتهم بدعوى الباطل ولا المجادلة عنه . ابن العربي في أحكام القرآن في قوله تعالى { ولا تكن للخائنين خصيما } . إن النيابة عن المتهم المبطل في الخصومة لا تجوز لقول الله تعالى لرسوله { واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما } ، وفي المتيطية ينبغي للوكيل على الخصومة أن يتحفظ بدينه ولا يتوكل إلا في مطلب يقبل فيه يقينه أن موكله فيه على حق فقد جاء في جامع السنن عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى ضاد الله تعالى في أمره ، ومن تكلم في خصومة لا علم له بها لم يزل في معصية الله تعالى حتى ينزع .




الخدمات العلمية