الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو اشتريت خمرا بألف ، [ ص: 441 ] أو اشتريت عبدا بألف ولم أقبضه ، أو أقررت بكذا وأنا صبي [ ص: 442 ] كأنا مبرسم إن علم تقدمه أو أقر اعتذارا ، [ ص: 443 ] أو بقرض شكرا على الأصح

التالي السابق


( أو ) أي ولا يلزمه الإقرار إن قال ( اشتريت خمرا بألف ) " ق " ابن عبد الحكم [ ص: 441 ] لو قال اشتريت خمرا بألف درهم لم يلزمه شيء لأنه لم يقر أن له عليه شيئا ( أو ) قال ( اشتريت عبدا بألف ولم أقبضه ) ابن عرفة فقول ابن الحاجب بخلاف قوله اشتريت عبدا بألف ولم أقبضه هو نقل الشيخ عن ابن القاسم لو أقر أنه اشترى سلعة ، وأنه لم يقبضها نسقا متتابعا قبل قوله وعلل بأن الشراء المجرد عن القبض لا يوجب عمارة الذمة بالثمن .

المصنف وفيه بحث لا يخفى . الحط كأنه يشير والله أعلم إلى ما تقرر أن ضمان المبيع الصحيح الحاضر الذي لا حق توفية فيه ولا عهدة ثلاث ولا شرط خيار ينتقل للمشتري بمجرد العقد ، لكن تقدم أنه إذا تنازع المتبايعان فيمن يبدأ بالتسليم لما في يده أن يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا ، فهذا يقتضي قبول قوله في عدم القبض لاحتجاجه بأن من حق البائع أن يمتنع من تسليم المبيع حتى يقبض ثمنه ، وذكر ابن فرحون أنه لو قال الشاهد أن نشهد أن له عنده مائة دينار من ثمن سلعة اشتراها منه فقال ابن عبد الحكم لا يقبل ذلك منهما ولا تلزمه اليمين حتى يقولا وقبض السلعة .

( أو ) أي ولا يلزمه الإقرار إن قال ( أقررت لك بكذا ) أي ألف مثلا ( وأنا صبي ) إذا قاله نسقا متتابعا . ابن رشد وهو الأصح ، ولو قال أقررت لك في نومي أو قبل أن أخلق صدق بيمينه . وقال سحنون لا يصدق . " ق " في نوازل سحنون من قال لرجل كنت غصبتك ألف دينار وأنا صبي لزمه ذلك وكذا لو قال كنت أقررت لك بألف دينار وأنا صبي .

ابن رشد قوله غصبتك ألف دينار وأنا صبي لا خلاف في لزومه لأن الصبي يلزمه ما أفسد وكسر ، وقوله كنت أقررت لك بألف وأنا صبي يتخرج على قولين ، أحدهما أنه لا يلزمه إذا كان كلامه نسقا وهو الأصح ، وعليه قوله فيها طلقتك وأنا صبي أنه لا يلزمه ، وإذا أقر بالخاتم لرجل ، وقال الفص لي أو بالبقعة ، وقال البنيان لي والكلام نسق . والثاني أنه يلزمه وإن كان كلامه نسقا لأنه يتهم أن يكون استدرك ذلك ، ووصله [ ص: 442 ] بكلامه ليخرج عما أقر به ، وعلى ذلك قول ابن القاسم في سماع أصبغ في تفرقته بين قوله لفلان علي ألف دينار أو على فلان وفلان ، وبين قوله لفلان علي وعلى فلان أو على فلان ألف دينار ، قال لأن الأول أقر على نفسه بألف دينار فلا يقبل قوله بعد ذلك ، أو على فلان وفلان وإن كان نسقا ، وعلى قول ابن القاسم في هذه المسألة يأتي قول سحنون في هذه الرواية ، وهو قول ضعيف ، وما في المدونة أصح وأولى بالصواب ، فالمسألتان مفترقتان ، وإنما قوله كنت أقررت لك بألف دينار وأنا صبي مثل قوله كنت استلفتها منك وأنا صبي لأن الوجهين جميعا يستويان في أنهما لا يلزمانه في حال الصبا . ا هـ . فاعتمد المصنف تصحيح ابن رشد وإن كان خلاف الرواية ، فلذا عطفه على ما ينتفي فيه اللزوم .

وشبه في عدم اللزوم فقال ( ك ) قوله أقررت لك بألف و ( أنا مبرسم ) بضم الميم وفتح الموحدة والسين المهملة وسكون الراء فلا يلزمه ( إن علم ) بضم فكسر ( تقدمه ) أي البرسام وهو نوع من الجنون ( له ) أي المقر فإن لم يعلم تقدمه له لزمه إقراره . " ق " في المفيد إذا قال أقررت لك بألف دينار وأنا ذاهب العقل من برسام نظر ، فإن كان علم أن ذلك أصابه صدق وإلا فلا ( أو ) أي لا يلزمه الإقرار إن ( أقر ) بشيء لفلان طلب منه إعارته أو بيعه أو هبته ( اعتذارا ) للطالب حتى لا يمكنه منه . الخرشي وعب بشرط كون السائل ممن يعتذر إليه وإلا لزمه . طفي لم يذكر في السماع هذا الشرط ولا ابن رشد وأقره البناني .

" ق " سمع أشهب من اشترى مالا فسئل الإقالة فقال تصدقت به على ابني ثم مات الأب فلا شيء للابن بهذا . ابن القاسم عن مالك رضي الله تعالى عنهما وإن سئل كراء منزله فقال هو لابنتي ثم مات فلا شيء لها بهذا ولو كانت صغيرة في حجره لأنه يعتذر بمثل هذا ممن يريد منعه ، وسمع أشهب وابن نافع لو سأله ابن عمه أن يسكنه منزلا فقال هو لزوجتي ، ثم قاله لثان وثالث ثم قامت امرأته بذلك فقال إنما قلته اعتذارا لأمنعه [ ص: 443 ] فلا شيء عليه بهذا ، وقد يقول الرجل للسلطان في الأمة ولدت مني وفي العبد هو مدبر لئلا يأخذهما فلا يلزمه ولا شهادة فيه .

( أو ) أي ولا يلزمه الإقرار إن ( أقر بقرض ) من زيد مثلا ( شكرا ) له بأن قال أقرضني زيد ألفا ووسع علي حتى وفيته جزاه الله تعالى خيرا فلا يلزمه ( على الأصح ) وقال بعض القرويين يلزمه وعليه إثبات التوفية . ابن يونس وكذا على وجه الذم كأقرضني فلان وأساء معاملتي وضيق علي حتى وفيته . وقال بعض القرويين يلزمه في الذم ولا وجه للفرق بينهما والصواب أنهما سواء . ( تنبيه )

يحتمل أن المصنف ترجح عنده تفرقة بعض القرويين من اللزوم في الذم وعدمه في المدح ، ويحتمل أنه لم يعتبر المفهوم وأنهما عنده سواء وهو بعيد جدا . وقال بعض من تكلم على هذا المحل مستشكلا قوله على الأصح بأن تصويب ابن يونس إنما هو في الذم ، وفي بعض النسخ أو بقرض شكرا أو ذما على الأرجح ، وفيه إجمال فالأولى كذم على الأرجح ، وأشعر قوله بقرض أنه لو أقر لا بقرض بأن قال كان لفلان علي كذا وقضيته مع التوسعة علي أو الإساءة لي فإنه يلزمه ولو نسق وهو كذلك ، حكاه ابن عرفة عن كتاب ابن سحنون ، قال إلا أن يقيم ببينة بإجماعنا .

" ق " في شهاداتها من أقر أنه كان تسلف من فلان الميت مالا وقضاه إياه فإن كان عن زمن لم يطل غرم وإن طال زمن ذلك حلف وبرئ إلا أن يذكر ذلك بمعنى الشكر فيقول جزى الله فلانا عني خيرا أسلفني وقضيته فلا يلزمه قرب الزمان أو بعد . ا هـ . فلا معنى للأصح هاهنا ، ويبقى النظر إذا قال كان لفلان علي دينار فتقاضاه مني أسوأ التقاضي فلا جزي خير ، فقال ابن القاسم الدين باق على المقر وليس كمن يقر على وجه الشكر ، هذا نص سماع سحنون ، ولم يفرق ابن يونس بين أن يقع على وجه الذم أو على وجه الشكر ، فلو قال خليل أو بقرض شكرا أو ذما على الأصح لكان لقوله على الأصح معنى ، وفي [ ص: 444 ] الغالب أنه كان كذلك وما كان ليترك الإقرار على وجه الذم وهو مذكور من حيث نقل الحط

ومفهوم كلام المصنف أنه لو أقر بغير القرض على وجه الشكر يلزمه وهو كذلك . ابن عرفة ابن رشد والشكر إنما هو المعتبر في قضاء السلف لأنه معروف يوجب شكرا ، ولو أقر بدين من غير قرض وادعى قضاءه لم يصدق ، رواه ابن أبي أويس ، وسواء كان على وجه الشكر أو لا . ا هـ . وأشار بذلك إلى قول ابن القاسم فيمن أشهد أنه تقاضى من فلان مائة دينار كانت له عليه فجزاه الله خيرا فإنه أحسن قضائي فليس لي عليه شيء ، فقال المشهود له قد كذب إنما أسلفته المائة سلفا إن القول قول المشهود له . ابن رشد هذا مثل ما في آخر المديان منها وما في رسم المكاتب من سماع عيسى من هذا الكتاب إن من أقر بالاقتضاء لا يصدق في أنه اقتضاء من قوله وإن كان إقراره على وجه الشكر . وفي كتاب الشهادات من المدونة وفي سماعسحنون من هذا الكتاب أن من أقر بسلف ادعى قضاءه على وجه الشكر أنه لا يلزمه .

والفرق بين القضاء والاقتضاء أن السلف معروف يلزمه شكره لقوله تعالى { أن اشكر لي ولوالديك } وقوله تعالى { ولا تنسوا الفضل بينكم } ، وقوله عليه الصلاة والسلام { من أزكت إليه يد فليشكرها } ، فحمل المقر بالسلف على أنه إنما قصد إلى أداء ما تعين عليه من الشكر لفاعله لا إلى الإقرار على نفسه بما يوجب السلف عليه ، وأنه قضاه إياه ، وحسن القضاء واجب على من عليه حق أن يفعله فلم يجب على المقتضي أن يشكره ، فلما لم يجب ذلك عليه وجب أن لا يكون له تأثير في الدعوى ، وهذا على أصل ابن القاسم وعلى أصل أشهب في أنه لا يؤاخذ بأكثر مما أقر به يكون القول قول المقتضي وقاله ابن الماجشون نصا في هذه المسألة .




الخدمات العلمية