الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 465 - 466 ] وبيع دار لتقبض بعد عام ، وأرض لعشر ، واسترضاع ، [ ص: 467 ] والعرف في : كغسل خرقة ، ولزوجها فسخه ، إن لم يأذن ، كأهل الطفل إذا حملت ، [ ص: 468 ] وموت إحدى الظئرين [ ص: 469 ] وموت أبيه ، ولم تقبض أجرة ، إلا أن يتطوع بها متطوع ، [ ص: 470 ] وكظهور مستأجر أوجر بأكله أكولا ، ومنع زوج رضي من وطئ ولو لم يضر [ ص: 471 ] وسفر كأن ترضع معه ، لا يستتبع حضانة : كعكسه ، وبيعه سلعة على أن يتجر بثمنها سنة ، إن شرط الخلف : [ ص: 472 - 473 ] كغنم لم تعين ، وإلا فله الخلف على آجره : [ ص: 474 ] كراكب

التالي السابق


( و ) جاز ( بيع دار ) واستثناء البائع منفعتها عاما ( لتقبض ) بضم فسكون ففتح أي يقبضها المشتري ( بعد عام ) عند ابن القاسم لا منها من التغير لا أكثر من عام فيها مع غيرها جواز بيع الدار واستثناء سكناها مدة لا تتغير فيها غالبا ، وفي حدها ستة أقوال مذهب المدونة مع سماع يحيى ابن القاسم سنة قائلا ولو كان الثمن مؤجلا في التوضيح أجاز ابن القاسم استثناء سكنى الدار ما بينه وبين العام ، ولم يجز أكثر من ذلك لما يخشى من تغيرها . وأجاز ابن حبيب السنة ونصفا إلخ ، قال والخلاف خلاف في حال لا في فقه ، فإن كانت لا تتغير فيها غالبا جاز .

( أو ) بيع ( أرض ) واستثناء منفعتها ( ل ) تقبض بعد ( عشر ) من السنين عند ابن القاسم لعدم تغيرها فيها غالبا . ابن رشد وبيع الأرض واستثناء منفعتها أعواما أخف . ابن القاسم يجوز عشرة أعوام .

( و ) جاز ( استرضاع ) لرضيع بأجرة معلومة للضرورة إليه وإن كان فيه استيفاء عين قصدا ، ولنص القرآن العزيز على جوازه ، وسواء كانت الأجرة نقدا أو حيوانا أو عرضا أو طعاما للضرورة ، ولو كان الرضيع محرم الأكل كحمار فتكرى حمارة لإرضاعه للضرورة . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا بأس بإجارة الظئر على إرضاع الصبي حولا وحولين بكذا وكذا ، إلا إن شرطت عليهم طعامها وكسوتها فهو جائز . ابن حبيب وذلك معروف على قدرها وقدر هيئتها وقدر أبي الصبي في غناه وفقره . ابن يونس ولا يدخلها طعام بطعام إلى أجل لأن النهي إنما ورد في الأطعمة التي جرت عادة الناس باقتياتها . وأما الإرضاع فقد جرى العمل على جوازه في مثل هذا ، ولا خلاف [ ص: 467 ] فيه ، ولأن اللبن الذي يرضعه الصبي لا قدر له من القيمة ، وأكثر الإجارة لقيامها بالصبي وتكلفها جميع مؤنته فكان اللبن في جنب ذلك لا قدر له .

( و ) وإن لم يشترط غسل خرقة على الظئر ولا على أهل الطفل ف ( العرف ) بضم فسكون ، الجاري بين الناس يعمل به ( في كغسل خرقة ) أي الرضيع وربطه في تخته وحمله ودهنه وتحميمه وتكحيله ودق ريحانه وطيبه فيها ويحملون فيما يحتاج إليه الصبي من المؤنة في غسل خرقه وحميمه ودهنه ودق ريحانه وطيبه على ما تعارفه الناس . ابن الحاجب ويحمل في الدهان وغسل الخرق وغيره على العرف ، وقيل على الظئر . التوضيح قوله وغيره أي كحميمه ودق ريحانه ونحوهما على العرف ، فإن اقتضى أنه على الأب فعليه ، هذا مذهب المدونة ، ولم يصرح فيها بالحكم إذا لم يكن عرف ، ونص ابن حبيب على أنه مع عدم العرف على الأب ، وقوله وقيل على الظئر أي مع عدم العرف لأن العرف محل اتفاق ، وهذا القول لابن عبد الحكم ، وكلامه يوهم أن هذا القول مع ثبوت العرف .

( و ) إن آجرت ذات زوج نفسها لإرضاع طفل ف ( لزوجها فسخه ) أي الإيجار وإلزامها برد الطفل لأهله ( إن لم يأذن ) الزوج لها في إيجارها للإرضاع لتضرره باشتغالها عنه بالرضيع ، وتغير حالها إن كانت خدمة الرضيع عليها بشرط أو عرف ، فإن كان أذن لها فيه فليس له فسخه . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه ليس لزوجها وطؤها إن أجرت نفسها بإذنه ، وإن كان بغير إذنه فله أن يفسخ إجارتها ولا يلزمها أن تأتي بغيرها ترضعه لأنها إنما اكتريت على إرضاعه بنفسها ، وإن أراد الأبوان السفر فليس لهما أخذ الصبي إلا أن يدفعا لظئره جميع الأجر . وشبه في استحقاق الفسخ فقال ( كأهل الطفل ) بكسر الطاء المهملة وسكون الفاء فلهم فسخ الإجارة ( إذا حملت ) الظئر لأن لبنها يضر الطفل . تت وقول المدونة إن [ ص: 468 ] حملت وخافوا على الطفل ألهم فسخ الإجارة ، قال نعم ولم أحفظه عن مالك ا هـ . فإن قيد كلام المصنف به وافق ما فيها ا هـ .

وقد يقال إرضاع الحامل مظنة ضرر الطفل ، وإذا كان كذلك فلا يحتاج إلى التقييد به لأنه مقطوع به ، وأما الذي قد يكون فهو حصول الضرر ا هـ . طفي فيه نظر ، إذ لو كان كذلك ما احتاج لذكره فيها وما جرى عليه المختصرون ففي التهذيب إذا حملت الظئر وخيف على الولد وإبقاؤها . أبو الحسن على ظاهرها فقال ظاهره إذا تحقق الخوف عليه ، وقيد الشارح به كلام المصنف فقال يريد وخيف على الولد نعم لما نقل ابن عرفة كلامها ونقل عن اللخمي فسخها بمجرد الحمل لا بقيد الخوف على الولد قال لأن رضاع الحامل يضر بالولد . ا هـ . فلعل هذا يرشح ما قال تت تبعا للبساطي وإذا فسخت فلها بحساب ما أرضعت ، فلو دفعت لها الأجرة فأكلتها فلا تحسب عليها لتبرعهم بدفعها لها قاله ابن عبد السلام . البناني انظره فإنما نقله في التوضيح عن ابن عبد الحكم ، ولعله مقابل فتأمله مع ما في التوضيح ، ونصه ولا يلزمها أن تأتي بأخرى ترضعه قاله في المدونة ولا يجوز أن تأتي بغيرها إن كان نقدها الأب الأجرة لأنه فسخ في دين على أصل ابن القاسم وإلا جاز ا هـ . ونقله الحط عن أبي الحسن فهذا صريح في رد ما في الخرشي والله أعلم . وكذا يرد بقول المدونة وإن هلك الأب فحصة باقي المدة في مال الولد قدمه الأب أو لم يقدمه ، وترجع حصة باقي المدة إن قدمه الأب ميراثا وليس ذلك عطية وجبت ا هـ .

وعطف على المشبه في استحقاق الفسخ مشبها فيه فقال ( و ) ك ( موت إحدى الظئرين ) بكسر الظاء المعجمة وسكون الهمز مثنى ظئر كذلك أي مرضع المستأجرتي ن لرضاع صغير فيتيح للباقية فسخ الإجارة لتضررها بإرضاعه وحدها . فيها من أجر ظئرين فاتت إحداهما فللبقية أن ترضع وحدها . سحنون وتنفسخ الإجارة . الحط الظئر بكسر الظاء المعجمة وسكون الهمز المرضع ، وأراد المصنف إذا استأجرهما معا أو الثانية بعد الأولى عالمة بها ، ففيها ومن أجر ظئرين فاتت واحدة منهما فللباقية أن لا ترضعه وحدها ، ومن أجر [ ص: 469 ] واحدة ثم أجر أخرى فماتت الثانية فالإرضاع لازم للأولى كما كانت قبل مؤاجرة الثانية وإن ماتت الأولى فعليه أن يأتي بمن ترضع مع الثانية . أبو الحسن عبد الحق هذا إن علمت الثانية حين إجارتها أن معها غيرها وإن لم تعلم فلا كلام لها ، لأنها دخلت على أن ترضعه وحدها ، وكذا ذكر حمديس .

وعطف على المشبه في استحقاق الفسخ مشبها آخر فيه فقال ( و ) ك ( موت أبيه ) أي الرضيع ( ولم تقبض ) ظئره ( أجرة ) لمدة مستقبلة ينتهي بها إرضاعه السنتين ، ولم يترك الأب مالا ولا مال للرضيع فللظئر فسخ الإجارة في كل حال ( إلا أن يتطوع ) بها ( متطوع ) فليس لها فسخها . فيها إن هلك الأب فحصة باقي المدة في مال الولد قدمه الأب أو لم يقدمه ، وترجع حصة باقي المدة إن قدمه الأب ميراثا لأنها نفقة قدمها الأب ولم تلزمه إلا ما دام حيا ، فإذا مات انقطع عنه ما كان يلزمه من أجر رضاعه . وليس ذلك بعطية وجبت ، إذ لو مات الصبي فلا تورث عنه ، وكان ذلك للأب خاصة دون أمه ، ففارق الضامن الذي قال لرجل اعمل لفلان أو بعه سلعتك والثمن لك علي فالثمن في ذمة الضامن إن مات ، ولا طلب على المبتاع ولا على المعمول له . ابن يونس الفرق بينهما أن أجر الرضاع لم يلزم الأب ، وإنما قدمه وهو يظن أن الصبي يحيا ، وأنه لازمه فلما مات الصبي بان أنه لم يلزمه فوجب أن يرجع فيه ، والذي قال بع سلعتك من فلان والثمن على تطوع به ولم يكن يلزمه ، فلما تطوع به وضمنه للبائع لزمه ما التزمه ولم تبق له حجة . فيها وإن مات الأب ولم يدع مالا ولم تأخذ الظئر من إجارتها شيئا فلها فسخها ، ولو تطوع رجل بأدائها فلا تفسخ ، وما وجب للظئر فيما مضى ففي مال الأب وذمته ولا طلب فيه على الصبي أراد ولو قبضت أجرتها ثم مات الأب ولم يدع شيئا فلا يكون للورثة فسخ الإجارة وأخذ حصة باقي المدة منها ، ولكن يتبعون الصبي بما ينوبهم منها .

ابن يونس هذا استحسان وتوسط بين القولين في النكت وهذا بخلاف تقديم الأب [ ص: 470 ] أجرة تعليم ولده ثم مات فلا تكون ميراثا ، والفرق بينهما أن التعليم لا يلزم الأب ، ولما أوجبه على نفسه لزمه حيا وميتا . وأما أجرة الرضاع فهي واجبة على الأب ، فإنما قدم ما يلزمه ، وإذا مات سقط عنه لا أن يعلم أن الأب قدمها للولد خوف موته فهي عطية أوجبها في صحته ، فلا سبيل إلى رجوعها ميراثا ، وتسوى أجرة الظئر وأجرة التعليم وأعرف نحو هذا التفسير لابن المواز . وعطف على أهل الطفل المشبه في استحقاق الفسخ مشبها آخر فيه فقال ( وكظهور ) بضم الظاء المعجمة ، أي تبين شخص ( مستأجر ) بفتح الجيم على خدمة أو عمل صنعة أو رعي ماشية أو حراسة ( أوجر ) بضم الهمز وكسر الجيم ( بأكله ) أي المستأجر وحده أو مع دراهم مثلا حال كونه ( أكولا ) بفتح فضم ، أي كثير الأكل جدا فلمستأجره فسخ إجارته إلا أن يرضى الأجير بطعام وسط ، فليس للمستأجر فسخها .

ابن يونس إن وجد الأجير الذي استأجره بطعامه أكولا خارجا عن عادة الناس في الأكل ففي المبسوط له فسخ الإجارة . ابن يونس لأنه كعيب وجده به إلا أن يرضى الأجير بطعام وسط . وأما إن تزوج امرأة فوجدها أكولة خارجة عن الناس فليس له فسخ نكاحها فإما أشبعها وإما طلقها لأنها لا ترد إلا من العيوب التسعة ، الأربعة المشتركة بين الزوجين والخمسة المختصة بها فهو كوجودها عوراء أو سوداء ولو شاء لاستثبت .

( ومنع ) بضم فكسر ( زوج ) لظئر ( رضي ) الزوج بإجارتها للإرضاع فيمنع ( من وطء ) لزوجته الظئر إن كان يضر الرضيع ، بل ( ولو لم يضر ) الوطء الرضيع قاله ابن عبد الحكم ، وسواء حضر العقد أم لا ، وسواء شرط عليه تركه أم لا . وأشار ب ولو لقول أصبغ لا يمنع منه إلا بشرط أو حصول ضرر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن ينهى عن الغيلة فبلغه أن فارس والروم يغيلون ولا يضر أولادهم فلم ينه عنها . ابن حبيب قوله ابن القاسم [ ص: 471 ] أحب إلي ، ألا ترى أن الزوج لا يكون موليا باليمين على تركه مدة إرضاعها ، ونصها ليس لزوجها وطؤها إن أجرت نفسها بإذنه . فإن تعدى ووطئها فلأب الرضيع فسخ الإجارة لما يتقى من ضرره قاله الإمام مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما . وقال ابن الماجشون ليس له فسخها .

( و ) منع زوج رضي من ( سفر بها ) أي الظئر من بلد أهل الرضيع . ابن عبد الحكم وإن أراد الزوج أن يسافر بها ، فإن كانت آجرت نفسها للإرضاع بإذنه فليس له ذلك ، وإن كانت بغير إذنه فله ذلك وتنفسخ الإجارة . وشبه في المنع فقال ( كأن ) بفتح الهمز وسكون النون حرف مصدري صلته ( ترضع ) بضم الفوقية وكسر الضاد المعجمة الظئر ( معه ) أي الرضيع رضيعا ( غيره ) فتمنع منه ولو كان فيها كفاية لهما ، لأنهم ملكوا جميع لبنها ، وسواء اشترط عليها عدم إرضاع غيره أم لا ، وإن شرطت إرضاع غيره فلا تمنع منه . فيها لابن القاسم رضي الله تعالى عنه لو أجرها على رضاع صبي لم يكن لها أن ترضع معه غيره ( ولا يستتبع ) الاسترضاع ( حضانة ) أي حفظا وخدمة للرضيع .

وشبه في عدم الاستتباع فقال ( كعكسه ) أي لا تستتبع الحضانة الإرضاع ، فلا يلزم الظئر حضانة ولا الحاضنة إرضاع . ابن شاس الإجارة على الإرضاع لا توجب الحضانة ولا العكس . ابن عرفة لعدم استلزام الدلالة على الآخر كالخياطة والطرز .

( و ) جاز ( بيعه ) أي المالك الرشيد ( سلعة ) بمائة مثلا ( على ) شرط ( أن يتجر ) بفتح التحتية والفوقية وكسر الجيم المشتري للبائع ( بثمنها ) أي السلعة كمائة دينار ( سنة ) مثلا والربح للبائع وحده ، إذ غايته أنه بيع للسلعة بالمائة مثلا واتجار المشتري بها سنة وإجارة للمشتري على التجر بالمائة مثلا سنة ببعض السلعة وجمعهما جائز لاتفاق أحكامهما ( إن شرط ) بضم فكسر في حال العقد ( الحلف ) للثمن كله أو بعضه إن [ ص: 472 ] تلف ليستمر التجر به سنة ويخف الغرر ، فإن لم يشترط الخلف فلا يجوز لشدة الغرر .

فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه من باع لرجل سلعة على أن يتجر له بثمنها سنة ، فإن شرط في العقد إن تلف الثمن أخلف له البائع حتى يتم عمله به سنة جاز ، وإلا فلا يجوز . فإن شرطه فضاع الثمن فللبائع أن يخلفه حتى تتم السنة ، فإن أبى قيل للأجير اذهب بسلام ، وكذلك لو استأجرت رجلا يعمل لك بهذه المائة دينار سنة جاز ذلك إن شرطت عليه إن ضاعت أخلفتها له ، فإن ضاعت كان لك أن تخلفها أو تدع وقد لزمتك الأجرة ، وإن لم تشترط ذلك في أصل الإجارة فلا يجوز . قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وكذلك إن أجره يرعى له غنما بعينها سنة ، فإن شرط عليه في العقد أن ما هلك منها أو باعه أو ضاع أخلفه جاز ، وإلا فلا يجوز ، فإن شرطه وضاع شيء منها قيل للأجير أوف الإجارة ويخير رب الماشية بين خلف ما ضاع وعدمه . ابن القاسم لو أجره على رعاية مائة غير معينة جاز ، وإن لم يشترط الخلف لما مات ولربها خلف ما مات بالقضاء ، وإن كانت معينة فلا بد من الشرط فيها .

وقال سحنون يجوز في المعينة من غنم أو دنانير وإن لم يشترط خلف ما هلك ، والحكم يوجب عليه خلف ما هلك . ابن حبيب وقاله ابن الماجشون وأصبغ وبه أقول . ابن يونس وهو عندي أصوب لأن الأشياء المستأجر عليها لا تتعين ، فلو استأجره على حمل طعام أو متاع ما احتاج إلى شرط خلفه إن هلك ، والحكم يوجب خلفه ، وكذلك في المدونة وكتاب محمد . الباجي لو استأجره على حصد زرع معين فهلك فقال أشهب تنفسخ ، وقال ابن القاسم لا تنفسخ . ابن عرفة هذا من ابن القاسم خلاف لقوله إن تعذر الحرث بنزول المطر سقط الأجر . ابن القاسم وإن تعذر الحرث بكسر المحراث أو بموت الدابة فلا يسقط أجره . ولسحنون إن منع أجير البناء أو الحصاد أو عمل ماء مطر لم يكن له إلا بحساب ما [ ص: 473 ] عمل من النهار . وقال غيره له كل الأجر . ابن عرفة لا يدخل الخلاف نوازل تونس لتقرر العرف عندهم بفسخ الإجارة بكثرة المطر ونزول الخوف .

وشبه في الجواز فقال ( ك ) إجارة على رعي ( غنم لم تعين ) بضم ففتح مثقلا الغنم في العقد على رعيها فتجوز وإن لم يشترط خلف ما يموت منها أو يضيع ( وإلا ) أي وإن عينت فتجوز إن شرط الخلف وإلا فلا ، وإن هلكت ( فله ) أي الراعي ( الخلف ) لها ( على آجره ) بمد الهمز وكسر الجيم أي مستأجره ، فإن أبى لزمه جميع الأجرة . الحط كذا في كثير من النسخ بلم قبل المضارع المبني للمفعول ، وهو مشكل لاقتضائه أن الغنم غير المعينة لا تجوز الإجارة على رعيها إلا بشرط خلفها ، وليس كذلك ، ولأن قوله وإلا فله الخلف لا معنى له لأنه إن حمل على أن المعنى وإن عينت فله الخلف ، وأراد مع عدم شرطه فلا يصح لفساد العقد حينئذ ، وإن أراد مع الشرط فهو مستغنى عنه . وتكلف البساطي رحمه الله تعالى تصحيحه بأن التشبيه بين الغنم غير المعينة وبين التجر بثمن السلعة مع شرط الخلف في أن على المالك الخلف لا في صحة الإجارة بالشرط وعدمها بعدمه ، يعني أن الغنم غير المعينة تصح الإجارة على رعيها وإن لم يشترط الخلف ، ويقضي على ربها به . بخلاف المعينة فلا تصح إلا بشرطه فافهمه فإنه كاللغز ، وبأنه في الجواز أي يجوز كذا كما يجوز الاستئجار على رعي غنم غير معينة .

وقوله وإلا فله الخلف معناه على الأول أنه يقضي له بالخلف في غير المعينة وإن عينت أي مع شرطه فله أن يأتي بالخلف أو يدفع جميع الأجرة . ومعناه على الثاني أن الإجارة على رعي الغنم المعينة لا تجوز إلا بشرط الخلف ، وهو على أجره الأول . ا هـ . هو في غاية التكلف بعيد الملاءمة لكلام المصنف . في بعض النسخ المصححة كغنم عينت بالفعل الماضي المبني للمفعول وإلا فله الخلف على أجره ، وهذه لا إشكال فيها ، ومعناها أن الغنم المعينة تجوز الإجارة على رعيها إذا شرط خلفها ، وإن لم تكن معينة فلا تحتاج إلى الشرط ، وله الخلف على آجره ، يريد أو يدفع له الأجرة كاملة ، وهذه النسخة مطبقة لنص المدونة [ ص: 474 ] المتقدم . وقوله على آجره أتى به لزيادة البيان وإلا فمعلوم أن الذي عليه الخلف إنما هو الآجر أي رب الغنم ، والله أعلم . وبقية شروطها وتفريعاتها مبسوطة في شروح المدونة ، وذكروا من جملة شروطها أن لا يشترط عليه التجر بالربح ، بخلاف أولاد الغنم فيجوز شرط رعيها على راعي أمهاتها ، قالوا لأن الربح مجهول ، وما تلده الغنم معروف والظاهر أنه غير معروف ، نعم غرره أخف من غرر الربح .

وشبه في القضاء بالخلف فقال ( كراكب ) أي مريد ركوب مثلا اكترى دابة مضمونة غير معينة ليركبها لموضع كذا فهلكت قبله أو في المسافة ، فعلى ربها خلفها قرره الشارحان ، ويحتمل كراكب تعذر ركوبه فيجب خلفه ولا ينفسخ الكراء . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه وإذا تكارى قوم دابة ليزفوا عليها عروسا ليلتهم فلم يزفوها تلك الليلة فعليهم الكراء ، وإن اكترى دابة ليشيع عليها رجلا إلى موضع معلوم أو ليركبها إلى موضع سماه فبداله أو للرجل لزمه الكراء ، وليكر الدابة إلى الموضع في مثل ما اكترى . وإن اكتراها إلى الحج أو إلى بيت القدس أو إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فعاقه مرض أو سقطة أو مات أو عرض له غريم حبسه في الطريق فالكراء لازم له ، وله أو لورثته كراؤها في مثل ما اكترى ، وصاحب الإبل أولى بما على إبله من الغرماء .




الخدمات العلمية