الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومشاهرة ، ولم يلزم لهما ، [ ص: 23 ] إلا بنقد فقدره :

التالي السابق


( و ) جاز كراء الدار ونحوها مياومة و ( مشاهرة ) ومساناة بأن يكتريها كل يوم أو كل شهر أو كل سنة بكذا ، وصح و ( لم يلزم ) العقد فيما ذكر ( لهما ) أي المتعاقدين ، سواء سكن بعض الشهر أو السنة أو لا عند ابن القاسم ، وفي روايته عن الإمام مالك [ ص: 23 ] رضي الله تعالى عنهما فيها واختارها ابن يونس ، وروى مطرف وابن الماجشون لزومها في أقل المسمى من شهر أو عام واختاره اللخمي . واستثنى من عدم اللزوم فقال ( إلا ) إذا كانت المشاهرة مصحوبة ( بنقد ) أي تعجيل كراء من المكتري للمكري ( ف ) يلزم ( قدره ) أي المنقود من كراء شهر أو سنة أو أكثر ، فإن كان قال كل يوم أو شهر أو عام بدرهم وعجل عشرة أيام أو أشهر أو سنين .

فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه من قال لرجل أكتري منك دارك أو حانوتك أو أرضك أو غلامك أو دابتك في كل شهر أو في كل سنة بكذا ، أو قال في الشهر أو في السنة بكذا أو الشهر أو السنة فلا يقع الكراء على تعيين ، وليس بعقد لازم ، فلرب الدار أن يخرجه متى شاء ، وللمكتري أن يخرج متى شاء ، ويلزمه حصة ما سكن من الكراء . ابن يونس كأنه في ذلك كله قال له أكريك من حساب الشهر أو السنة بكذا ، هذا موضوع هذه الألفاظ إلا أن ينقده في ذلك كراء شهر أو سنة فيلزمه تمام الشهر أو السنة . البناني هذا قول ابن القاسم ، وهو أحد ثلاثة أقوال .

ابن رشد في المقدمات في كراء الدور مشاهرة ثلاثة أقوال : أحدها قول ابن القاسم لا يلزمه الشهر الأول ولا ما بعده ، وله أن يخرج متى شاء ، ويلزمه من الكراء بحسب ما سكن . والثاني قول ابن الماجشون يلزمهما الشهر الأول ولا يلزمهما ما بعده . والثالث رواية ابن أبي أويس عن مالك رضي الله تعالى عنه يلزمه كراء الشهر بسكنى بعضه كان أول الأشهر أو لم يكن ، وكذلك تجري الأقوال الثلاثة في كراء الدور مساناة . ا هـ . وذكرها ابن عرفة وغيره أيضا ، والقول الأول هو مذهب المدونة وعبارتها : وليس بعقد لازم ، ولرب الدار أن يخرجه متى شاء ، وللمكتري أن يخرج متى شاء . وذكر أبو الحسن القول الثاني عن رواية مطرف وابن الماجشون ثم قال : وهو أحسن ; لأنهما أوجبا بينهما عقدا ولم يذكرا فيه خيارا ، فوجب أن يحمل على أقل ما تقتضيه تلك التسمية ، وذكرها الشيخ ميارة في شرح التحفة ، وقال : وعلى هذا القول الثالث العمل عندنا ، وأن [ ص: 24 ] من اكترى مشاهرة كل شهر بكذا إذا سكن بعض الشهر كأربعة أيام لزم كلا منهما بقية الشهر فليس لأحدهما خروج عن ذلك إلا برضا الآخر ، ومن قام منهما عند رأس الشهر فالقول قوله .

( تنبيه ) اللخمي قد يلزم المكري الصبر إلى مدة لم يذكراها في العقد للعادة في ذلك ، كمن يكتري مطمرا ليطمر فيه قمحا وشعيرا أو ما أشبه ذلك كل شهر أو كل سنة بكذا ، فليس للمكري إخراجه ولا يجبر المكتري على إخراج ذلك إلا أن تتغير الأسواق إلى ما العادة البيع في مثله ، فإن لم يبع فللمكري إخراجه ، وهكذا جرت العادة عندنا في كراء المطامير ، وإن أراد المكتري إخراج ذلك قبل غلائه ، فليس للمكري منعه منه ; لأن البقاء من حق المكتري ويعفى عما يكون في ذلك من غرر المدة ; لأنه مما تدعو الضرورة إليه ، وينظر إلى العادة في خزن الزيت فيحملان عليها ، وكذلك العادة في كراء المخزن للطعام في الصيف ، ويعلم أنه قصد أن يشتي عليه فليس للمكري إخراجه قبله ، نقله ابن عرفة ، ثم قال : حاصل قوله أنه جعل خزن الطعام مؤجلا لغاية في حق المكتري على المكري دون العكس ، ومن الواضح كونه أجلا مجهولا ، وقوله يعفى عن غرر المدة للضرورة فاسد ; لأن هذه الضرورة مما شهد الشرع بإلغائها حسبما تقرر في بيع الغرر وأحاديث النهي عنه ، وكان ابن عرفة ممن ينشد :

لقد مزقت قلبي سهام جفونها كما مزق اللخمي مذهب مالك






الخدمات العلمية