الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 112 - 113 ] على أهل للتملك : كمن سيولد ، [ ص: 114 ] وذمي وإن لم تظهر قربة أو يشترط تسليم غلته من ناظره ليصرفها ، أو ككتاب عاد إليه بعد صرفه في مصرفه .

التالي السابق


وصح وقف مملوك ( على أهل ) أي قابل وصالح ( للتملك ) بفتح الفوقية والميم وضم اللام مثقلة ، أي لأن يملك منفعة الموقوف ، فلا يصح وقف مصحف أو رقيق مسلم على كافر الحط هذا الضابط ليس بشامل لخروج نحو المسجد والقنطرة منه ، والصواب ما قاله ابن عرفة المحبس عليه ما جاز صرفه منفعة المحبس له أو فيه ، وإن كان معينا رده اعتبر قبوله ابن شاس لا يشترط في صحة الوقف عليه ، قبوله إلا أن يكون معينا أهلا للرد والقبول ، وفي كون قبوله شرطا في اختصاصه به أو في أصل الوقف خلاف .

ومثل لأهل التملك فقال ( كمن سيولد ) بفتح اللام . ابن عرفة المتيطي المشهور المعول عليه صحته على الحمل . ابن الهندي زعم بعضهم أنه لا يجوز على الحمل ، والروايات واضحة بصحته على من سيولد ، وبها احتج الجمهور على صحته على الحمل وفي لزومه بعقده على من يولد قبل ولادته قولا ابن القاسم والإمام مالك رضي الله تعالى عنهما لنقل الشيخ . روى محمد بن المواز وابن عبدوس لمن حبس على ولده ولا ولد له بيع ما حبسه ما لم يولد له ، ومنعه ابن القاسم قائلا : لو جاز لجاز بعد وجود الولد وموته ، قلت يرد بأنه لما لزم بوجوده استمر ثبوته لوجود متعلقه وقبله لا وجود لمتعلقه حكما ، والأولى احتجاج غيره بأنه حبس قد صار على مجهول من يأتي ، فصار موقوفا أبدا ، ومرجعه لأولى الناس بالمحبس ، ولهم فيه متكلم ، وهو قريب من قول ابن الماجشون . [ ص: 114 ]

ابن الحاجب لو قال على أولادي ولا ولد له ، ففي جواز بيعه قبل إياسه قولان . ابن الماجشون يحكم بحبسه ويخرج إلى ثقة ليصح الحوز ، وتوقف ثمرته ، فإن ولد له فلهم وإلا فلأقرب الناس إليه ، في التوضيح قول ابن الماجشون ثالث رأي أن الحبس قد تم وإن لم يولد له يرجع إلى أقرب الناس للمحبس ، وقوله إن ولد له فلهم ، أي الحبس ، وثمرته وإذا بقي وقفا عليهم رد إليه ; لأنه يصح حوزه قاله الباجي . ابن القاسم وإن مات قبل أن يولد له صار ميراثا .

( و ) ك ( ذمي ) بكسر الذال المعجمة والميم مشددة ، أي كافر ملتزم الجزية وأحكام الإسلام فيجوز وقف المسلم عليه إن ظهرت فيه قربة بأن كان فقيرا أو قريبا للواقف ، بل ( وإن لم تظهر قربة ) في الوقف عليه بأن كان أجنبيا غنيا . ابن عرفة تبع ابن الحاجب ابن شاس في قوله يجوز الوقف على الذمي ، وقبل ابن عبد السلام ولم أعرفه نصا وإلا ظهر جريه على حكم الوصية له . وفي نوازل ابن الحاج من حبس على مساكين اليهود والنصارى جاز لقوله سبحانه وتعالى { ويطعمون الطعام } إلى قوله { وأسيرا } ، ولا يكون الأسير إلا كافرا ، وإن حبس على كنائسهم رد وفسخ . ومن العتبية إن أوصى أتي بماله للكنيسة ولا وارث له دفع ثلثه إلى الأسقف يجعله حيث ذكره والثلثان للمسلمين .

وعطف على قوله لم تظهر قربة فقال ( أو ) أن ( يشترط ) واقفه ( تسليم غلته ) أي الوقف ( من ناظره ) أي الوقف الذي أقامه الواقف عليه للواقف ( ليصرفها ) أي الواقف الغلة في مصرفها ، فهذه مبالغة في صحة الوقف أيضا . ابن عبد الحكم الإمام مالك ( رضي الله عنه ) إن جعل الحبس بيد غيره وسلمه إليه يحوزه ويجمع غلته ويدفعها للذي حبس يلي تفريقها ، وعلى ذلك حبس ، فإن ذلك جائز وأباه ابن القاسم وأشهب ( أو ) كان الموقوف ( ككتاب ) مشتمل على قرآن أو علم شرعي وسلاح حيز عنه ( ثم عاد ) أي للكتاب ونحوه ( إليه ) أي واقفه لينتفع به كغيره أو ليحفظه حتى يستعيره من ينتفع به ثم يرده إليه وهكذا ( بعد [ ص: 115 ] صرفه ) أي الكتاب الموقوف ونحوه ( في مصرفه ) ; لأن صرفه في مصرفه حوز له وعوده له بعد صحة الحوز لا يبطل حوزه .

فيها من حبس في صحته ما لا غلة له كالسلاح والخيل والرقيق وشبهها ، فلم ينفذها ولم يخرجها من يده حتى مات فهي ميراث ، وإن كان أخرجه في وجوهه ورجع إليه فهو نافذ من رأس ماله ; لأنه خرج في وجهه وإن كان أخرج بعضه وبقي بعضه فما أخرجه فهو نافذ ، وما لم يخرجه فهو ميراث .

أبو الحسن ظاهره وإن كان أحدهما تبع للآخر . طفي ليس موضوع المسألة أنه حيز عنه ثم عاد إليه للانتفاع به ، بل تصويرها أنه حبسه وأبقاه تحت يده ، وهو المتولي لأمره فيخرجه في مصرفه ، ثم يرده لحوزه ، ثم قال بعد نقل نصها السابق ، وقال ابن شاس وشرطه خروجه عن يد واقفه وتركه الانتفاع به فإن حبس في صحته ثم أبقاه في يده حياته بطل إذا لم تكن غلته تصرف في مصارفها ، فإن كان يصرفها فيه في صحته ففي بطلانه وصحته ثلاث روايات فرق في الثالثة ، بين أن يكون إنما يخرج غلته مثل أن يكون حائطا أو أرضا أو ما أشبههما فيصرف غلته فيكون باطلا ، وبين أن يكون إنما يخرج أصل الحبس كفرس أو سلاح وما أشبهه فيكون صحيحا ا هـ . وتبعه ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما فأنت ترى أنه ليس فرض المسألة فيما أعاده للانتفاع به ; ولذا قال في التوضيح تبعا لابن عبد السلام ، قيد اللخمي وغيره ذلك بما إذا لم يتصرف فيه إذا عاد إليه تصرف المالك قال وقراءة الكتاب إذا عاد إليه خفيف . ا هـ . والمسألة أيضا مفروضة فيما حبس على غير معينين كما قرر به ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب وأصله للخمي .

ابن عرفة اللخمي ، وهو غير معين كالخيل يغزى عليها والسلاح يقاتل به والكتب يقرأ فيها ، فيصح أن تعود ليد محبسها بعد قبضها . واختلف إن لم يأت وقت إنفاذها للجهاد أو لم تطلب للقراءة حتى مات المحبس ، فهل يبطل تحبيسها ، ولو كان يركب الدابة في عودها إليه لرياضتها لم يبطل ، وإن كان يركبها حسبما يفعل المالك بطل وقراءة الكتاب إن عادت إليه خفيف . قلت وتكون فيها لحفظها من السوس فتكون كرياضة الدابة . [ ص: 116 ] والصقلي لأشهب في الموازية والمجموعة ما كان يرد إليه بعد الانتفاع به فيعلف الخيل من عنده ويرم السلاح وينتفع به في حوائجه ، ويعير ذلك لإخوانه فيموت فهو ميراث ا هـ .

كلام ابن عرفة فافهم هذا المحل ، فإنه مزلة أقدام جمع من الشارحين المحققين لفرضهم المسألة في عوده للانتفاع به ، وقد علمت بطلانه والله الموفق . البناني ، وهو غير صحيح لما نقله أبو الحسن عقب قولها وإن كان يخرجه في وجوهه ويرجع إليه فهو نافذ من رأس ماله ونصه ابن يونس . ابن القاسم فإن احتاج أن ينتفع به مع الناس فلا بأس به فأفاد أن عوده للانتفاع به كعوده لحفظه . وسمع ابن القاسم من حبس شيئا في السبيل وأنفذه فيه زمانا فله الانتفاع به مع الناس إن كان محتاجا .

ابن رشد ينتفع به فيما حبسه فيه لا فيما سواه من منافعه ، نقله ابن عرفة فبان أن الصواب ما قاله الشراح ، وهذا لا ينافي ما قيده اللخمي ، فإن الذي منعه اللخمي هو تصرفه فيه تصرف المالك بأن ينتفع به على غير الوجه الذي حبسه فيه ، وهو ظاهر ، والله أعلم ، وهي مفروضة عند اللخمي وأبي الحسن وابن عرفة وغيرهم في الحبس على غير معين اللخمي الحبس أصناف : صنف لا يصح بقاء يد المحبس عليه ، ولا يحتاج إلى حائز مخصوص كالمساجد وصنف لا يصح بقاء يد المحبس عليه ، ويتعين حائزه ، وهو الحبس على معين ، وصنف يصح بقاء يده عليه إذا أنفذه فيما حبسه عليه كالخيل يغزى عليها والكتب يقرأ فيها . فإذا لم يكن على معين صح أن يعود إلى يده بعد قبضه . واختلف إذا لم يأت وقت إنفاذه للجهاد أو لم تطلب الكتب للقراءة حتى مات محبسه فقيل يبطل حبسه ، ولو كان يركبها حسبما كان يفعل المالك بطل حبسه وقراءة الكتب إذا عادت إليه خفيف نقله .

أبو الحسن فتحصل من كلامه أنه إذا لم يخرجه أصلا حتى مات قبل مجيء وقت إنفاذه ففيه قولان وإن كان أخرجه وظاهره ، ولو مرة كما قاله أبو الحسن صح والله أعلم . أقول بحول الله وقوته : كلام اللخمي نص صريح فيما قاله طفي ، فإنه جعل ركوبها لرياضتها مغتفرا وركوبها للانتفاع مبطلا ، ولكنه مخالف لما في سماع ابن القاسم ، وهو لا يفيد أن [ ص: 117 ] ردها للانتفاع كردها لحفظها إنما يفيد أنها إن عادت إليه لحفظها فله الانتفاع بها إن احتاج له ، والله أعلم ، وهذا يخالف فيه طفي .




الخدمات العلمية