الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وحربي . وكافر لكمسجد ، [ ص: 118 ] أو على بنيه دون بناته

التالي السابق


( و ) بطل وقف مسلم على كافر ( حربي ) للمسلمين ; لأنها إعانة له عليهم ( و ) بطل وقف شخص ( كافر لكمسجد ) ورباط وجهاد وحج وأذان مما يتعلق بدين الإسلام . الباجي سمع ابن القاسم إن حبس ذمي دارا على مسجد رد ورواه معن في نصرانية بعثت بدينار للكعبة ، فرده عليها مالك " رضي الله عنه " ابن عرفة لا يصح وقف كافر في قربة دينية ولو كان في منفعة عامة دنيوية كبناء قنطرة ، ففي رده نظر والأظهر رده إن لم يحتج إليه . [ ص: 118 ] أو ) وقفه ( على بنيه ) أي الواقف الذكور ( دون بناته ) أي الواقف الإناث فهو باطل ; لأنه من عمل الجاهلية ، سمع ابن القاسم إذا حبس على ولده وأخرج البنات منه إن تزوجن ، فإن شاء أن يبطل ذلك ورأى ابن القاسم أنه إذا فات أن يمضي على ما حبس عليه وإن كان حيا ولم يحز عنه الحبس فليرده ويدخل فيه البنات وإن حيز عنه أو مات مضى على شرطه ولا يفسخه القاضي . الحط حصل ابن رشد فيه بعد الوقوع والنزول أربعة أقوال ، ولنذكر كلام العتبية وكلامه برمته لما فيه من الفوائد ، قال في العتبية قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه : من حبس حبسا على ذكور ولده وأخرج البنات منه إذا تزوجن فإني لا أرى ذلك جائزا له .

ابن القاسم قلت لمالك أترى أن يبطل ويسجل الحبس ؟ قال نعم وذلك وجه الشأن فيه . ابن القاسم ولكن إذا فات ذلك فهو على ما حبس ، فإن كان المحبس حيا ولم يجز الحبس فأرى أن يفسخه ويدخل فيه الإناث ، وإن كان قد حيز أو مات فهو كفوت ويكون على ما جعل عليه ابن رشد ظاهر قول مالك هذا أن الحبس لا يجوز ، ويبطل على كل حال خلاف مذهب ابن القاسم من أنه يمضي إذا فات ولا ينقض ، وفوت الحبس عنده أن يحاز عن المحبس على ما قاله في هذه الرواية أو يموت ، أراد بعد حوزه عنه ، ورأى أن الحبس إذا لم يحز عن محبسه يبطل وتدخل الإناث ، فيه وظاهر قوله : وإن كره المحبس عليهم ذلك مراعاة لقول من قال : إن الصدقة والهبة والحبس لا تلزم ولا يحكم بها حتى تقبض ، وقد روي عن مالك أنه مكروه ، فعلى هذا لا يفسخ إلا أن يرضى المحبس عليهم الرشداء .

وذهب ابن المواز أن هذا ليس اختلاف قول ، قال إنما يفسخ ويسجل إذا لم يأبه من حبس عليهم ، فإن أبوه فلا يجوز فسخه ، ويقر على ما حبس ، وإن كان المحبس حيا إلا أن يرضوا له برده ، وهم رشداء . مالك إن لم يخاصم فليرد الحبس حتى يجعله على صواب إن كان لم يحز عنه وإن خوصم فليقره على حاله ، ومعنى ذلك عند ابن القاسم إذا كان قد [ ص: 119 ] حيز عنه ، وهو الذي ذهبت إليه من التأويل فيها عن ابن القاسم من فرقه في هذه الرواية في فسخه بين حوزه عنه وعدمه ، وقد تؤولت أيضا على ما حكاه ابن المواز عن مالك وابن القاسم أنه ليس له فسخه وإن لم يحز عنه إلا برضا المحبس عليهم ، وقد تؤولت أيضا بأن له فسخه وإن حيز عنه وأبى المحبس عليهم مراعاة لقول من رأى عدم إعمال الحبس جملة ، وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم شك وفي رسم نذر ، وتؤولت على قوله في هذه الرواية أنه يفسخ على كل حال وإن مات المحبس بعد حيازة الحبس عنه فتحصل على هذا فيها أربعة أقوال :

أحدها : قول الإمام مالك " رضي الله عنه " يفسخ الحبس على كل حال وإن مات محبسه بعد حوزه عنه ويرجع لملكه .

ثانيها : أن المحبس يفسخه ويدخل فيه البنات وإن حيز عنه .

ثالثها : يفسخه ويدخل فيه البنات ما لم يحز عنه ، فإن حيز عنه فلا يفسخه إلا برضا المحبس عليهم .

رابعها : أنه لا يفسخه ويدخل الإناث وإن لم يحز عنه إلا برضا المحبس عليهم ا هـ .

اللخمي إخراج البنات من الحبس اختلف فيه على ثلاثة أقوال . مالك " رضي الله عنه " في المجموعة أكره ذلك . وفي العتبية إن أخرج البنات إن تزوجن فالحبس باطل . ابن القاسم إن كان المحبس حيا فأرى أن يفسخه ويدخل فيه البنات وإن حيز أو مات فات وكان على ما حبس عليه ، وقال أيضا إن كان المحبس حيا فليفسخه ويجعله مسجلا ، وإن مات فلا يفسخ فجعل له رده بعد حوزه ويجعله مسجلا ما لم يمت . وقال ابن شعبان من أخرج البنات أبطل وقفه ، وهذا مثل قول مالك رضي الله تعالى عنه في العتبية ، فعلى الأول يكره ، فإن نزل مضى ، وعلى القول الثاني يبطل إن لم يشركهم فيه ، وعلى أحد قولي ابن القاسم يفسخ ما لم يحز ، وعلى القول الآخر يفسخ ، وإن حيز ما لم يمت .



ابن عرفة ففي الحبس على البنين دون البنات مطلقا أو إن تزوجن سبعة أربعة . [ ص: 120 ] ابن رشد وخامسها جوازه ، وسادسها كراهته ، وسابعها فوته بحوزه وإلا فسخه وأدخل فيه البنات ا هـ . الحط فعلى المشهور من امتناع إخراجهن مطلقا ، سواء بعد تزوجهن ، أو ولو لم يتزوجن يتحصل فيه بعد وقوعه خمسة أقوال ، الأول : فسخه على كل حال وإن حيز عنه ومات بعد حوزه ويرجع لملكه ، وهو قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه في العتبية .

الثاني : فسخه ورجوعه لملكه ما لم يحز عنه ، وهو قول ابن القاسم على نقل اللخمي الثالث : فسخه ودخول البنات وإن حيز عنه ، وهو متأول على قول مالك رضي الله تعالى عنه في العتبية .

الرابع : فسخه ودخول البنات فيه ما لم يحز عنه ، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذا السماع والخامس : لا يفسخ ولا يدخل فيه البنات وإن لم يحز إلا برضا المحبس عليهم ، وهو قول محمد بن المواز ، والله أعلم .

البناني نص المدونة يكره لمن حبس إخراج البنات من تحبيسه . ا هـ . وشهرها عياض .

أبو الحسن قال هنا يكره فإن نزل مضى . ابن رشد وعلى أنه يكره لا يفسخ إلا أن يرضى المحبس عليهم بفسخه وهم رشداء . ابن عرفة فيه نظر ; لأن المكروه إذا وقع يمضي ولا يفسخ ، وأما رواية ابن القاسم التي مشى المصنف عليها فليست في المدونة ، وإنما هي في العتبية ، وبهذا يتبين صحة الاعتراض على المصنف في تركه مذهب المدونة الذي شهره عياض ، والله أعلم .



الحط انظر لو حبس على البنات دون البنين ، وظاهر كلام المتيطي أنه صحيح ، فإنه ذكر صفة ما يكتب في اشتراط المحبس كونه لبنيه دون بناته عقبه بذكر الخلاف في صحة ذلك ، ثم ذكر صفة ما يكتب في اشتراط المحبس كونه لبناته دون بنيه ، ولم يذكر فيه خلافا فدل كلامه على أنه جائز والله أعلم ، وهو أيضا ظاهر كلام الإمام مالك " رضي الله عنه " في العتبية وكلام ابن رشد عليها ، ونص كلام العتبية سئل مالك " رضي الله عنه " عن رجل [ ص: 121 ] تصدق على بناته بصدقة حبسا ، فإذا انقرض بناته فهي لذكور ولده ، وهو صحيح ، فبتل ذلك لهن فيكون للإناث حتى يهلك جميعهن وللرجل يوم هلكن كلهن ابن وله ولد ذكور ، فقال ولد الولد نحن من أولاده ندخل في صدقة جدنا ، وقال ولده لصلبه نحن آثر وأولى فقال الإمام مالك " رضي الله عنه " أرى أن يدخل معهم ولد الولد .

ابن رشد قوله أنه يدخل ولد الولد بقوله فهي لذكور ولده صحيح على المشهور في المذهب ; لأن ولد الولد الذكر بمنزلة الولد إذا لم يكن ولد في الميراث ، فلما كان له حكم الولد في الميراث وجب أن يدخل في الحبس ، وكذلك يدخل مع بناته لصلبه إذا تصدق على بناته بصدقة حبس بنات بنيه ; لأن بنت الابن بمنزلة البنت في الميراث إذا لم يكن ابن فلا شيء لذكور ولد المحبس في هذه المسألة حتى تنقرض بناته وبنات بنيه . ا هـ . فقوله فلا شيء لذكور ولد المحبس إلخ ، مع جواب الإمام يدل على جواز ذلك ، ولو لم يكن جائزا لما سكت عنه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية