الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بحبست ووقفت ، وتصدقت ، إن قارنه قيد أو جهة لا تنقطع ، أو لمجهول وإن حصر .

التالي السابق


وأشار للصيغة التي هي أحد أركان الوقف فقال معلقا لها بقوله أول الباب صح وقف عند ابن رشد وقال غيره لا يقتضيه إلا بها ( و ) ب ( وقفت ) بفتح الواو والقاف مخففا وهذا يقتضي التأبيد بلا قرينة مملوك ( بحبست ) بفتح الحاء المهملة والموحدة مخففة ومثقلة ، وهو يقتضي التأبيد بلا قرينة اتفاقا عند عبد الوهاب وأجرى غيره فيه الخلاف من حبست ( أو ) ب ( تصدقت ) وهذا يقتضي التأبيد ( وإن قارنه ) أي تصدقت ( قيد ) كلا يباع ولا يوهب ( أو ) قارنه ( جهة لا تنقطع ) كتصدقت على الفقراء أو المساكين أو أبناء السبيل أو طلبة العلم أو المساجد ( أو ) وقف بتصدقت ( ل ) فريق ( مجهول ، وإن حصر ) بضم الحاء وكسر الصاد المهملين [ ص: 136 ] واوه للحال ، وإن صلة مؤكدة كفلان وعقبه ، فإن تجرد تصدقت عما ذكر فلا يقتضي التأبيد على إحدى روايتين ذكرهما ابن الحاجب .

ابن رشد للتحبيس ثلاثة ألفاظ حبس ووقف وتصدق ، فأما الحبس والوقف فمعناهما واحد لا يفترقان في وجه من الوجوه . وأما الصدقة فإن قال داري صدقة على المساكين أو في السبيل أو على بني زهرة أو بني تميم ، فإنها تباع ويتصدق بثمنها على من ذكر بالاجتهاد إلا إذا قال صدقة على المساكين يسكنونها أو يستغلونها فتكون حبسا عليهم للسكنى أو الاستغلال ، ولا تباع . ابن الحاجب لفظ تصدقت إن اقترن به ما يدل من قيد أو جهة لا تنقطع تأبد وإلا فروايتان . وفيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه من تصدق بدار له على رجل وولده ما عاشوا ولم يذكر لها مرجعا إلا صدقة هكذا إلا شرط فيها فهلك الرجل وولده ، فإنها ترجع حبسا على فقراء أقارب الذي حبس ولا تورث .

عياض إن قال مكان حبس أو وقف صدقة ، فإن عينها لمجهولين محصورين مما يتوقع انقطاعه كعلى ولد فلان أو فلان وولده فاختلف فيه ، فقال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه هو حبس مؤبد يرجع بعد انقراضهم مرجع الأحباس ، سواء قال ما عاشوا أم لا ونحا له في الكتاب ، وإن جعلها لمجهولين غير محصورين كالمساكين ، فهي ملك لهم تقسم عليهم إن كانت مما تنقسم أو بيعت وقسم ثمنها عليهم أو أنفق فيما يحتاج إليه ذلك الوجه المجهول ، ويتعين المجهول هنا باجتهاد الناظر في الحكم ووقته فلا يلزم تعميمهم ، إذ لا يقدر عليه ولا هو مقصد المحبس ، وإنما أراد الحبس ا هـ " ق " فقد تبين بهذا أنه لا واو قبل قوله إن حصر .

طفي اعلم أن المصنف لم يسلك طريق ابن شاس وابن الحاجب ، وذلك أنهما جريا على ما لعبد الوهاب أن لفظ وقفت يقتضي التأبيد بمجرده دون حبست وتصدقت . ابن شاس لفظ وقفت يفيد بمجرده التحريم ، وأما الحبس والصدقة ففيهما روايتان ، وكذلك ضم أحدهما للآخر فيه خلاف أيضا إلا أن يريد بالصدقة هبة الرقبة ، فيخرج عن هذا [ ص: 137 ] ابن الحاجب لفظ وقفت يفيد التأبيد وحبست وتصدقت إن اقترن به ما يدل عليه من قيد أو جهة لا تنقطع تأبد وإلا فروايتان ، فقدم المصنف حبست على وقفت وذلك عدول منه عما قالاه وميل منه لقول ابن رشد ، فلا بد من رجوع القيد للثلاثة كما قال الحط ، إذ لو أراد أنه خاص بالحبس والصدقة لأخرهما عن لفظ وقف . وأما تقرير تت بأنه خاص بتصدقت ففيه نظر ، وإن وافقه عليه غيره ، إذ لا فرق بين تصدقت وحبست كما علمت .

ابن عرفة الباجي لفظ الصدقة إن أراد به تمليك الرقبة فهي هبة ، وإن أراد به معنى الحبس فهو كلفظه . قلت بقي عليه إن لم يرد به أحدهما ا هـ . قلت : تقدم في كلام ابن شاس أنها محمولة على الحبس إلا أن يريد بها هبة الرقبة ، فتحصل أن التفصيل الذي ذكره المصنف يجري في الصدقة والحبس والوقف ولا يعارضه ما يأتي من قوله وصدقة لفلان فله لحمله على إرادة تمليك الرقبة ، وما هنا على عدم إرادة ذلك ، أو قال يستغلونها مثلا . ابن رشد والصدقة على غير معينين كداري صدقة ، ولا محصورين كهذه على المساكين يسكنونها أو يستغلونها حبس لا تباع ، ولا توهب وعلى محصورين غير معينين كداري صدقة على فلان ، وعقبه في رجوعها بانقراضهم كالمحبس أو لآخر العقب ملكا ثالثها هي عمرى تورث بذلك على ملك معطيها . ا هـ . فافهم هذا المحل فإنه مزلة أقدام .

البناني رجوع القيد للثالث فقط هو الراجح على ما أفاده في ضيح ، وذكره الحط ، والذي يتحصل من كلامه في ضيح أن الراجح من المذهب إن حبست ووقفت يفيد أن التأبيد سواء أطلقا أو قيدا بجهة لا تنحصر أو على معينين أو غير ذلك إلا في الصورة الآتية ، وذلك إذا ضرب للوقف أجلا فقال : حبس عشر سنين أو خمسا ونحو ذلك ، أو قيده بحياة شخص كحبس على فلان مدة حياته أو على جماعة معينين مدة حياتهم ، فإنه يرجع بعد موتهم ملكا للواقف إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتا ، نص عليه اللخمي والمتيطي ، قالا : ولا خلاف في هذين الوجهين . وأما لفظ الصدقة فلا يفيد التأبيد إلا إذا [ ص: 138 ] قارنه قيد . ا هـ . وهذا خلاف ما قاله الحط أول تقريره من أن القيد يرجع للثلاثة ، وخلاف ما لابن شاس وابن الحاجب من رجوعه لحبست وتصدقت فقط ، وقد جزم طفي بحمل كلام المصنف على ما في أول كلام الحط وما تقدم عن ضيح يرده ، وليس فيما نقله طفي عن ابن رشد ما يدل لما زعمه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية