الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 157 ] وتناول الذرية ، [ ص: 158 - 159 ] وولد فلان وفلانة .

التالي السابق


( وتناول ) بفتح الفوقية والواو أي شمل ( الذرية ) بضم الذال المعجمة وكسر الراء مثقلة هي والتحتية ، أي هذا اللفظ في قوله : وقف على ذريتي أو ذرية فلان الحافد ، أي ولد بنت الواقف أو فلان . ابن العطار اتفاقا ; لأن عيسى ابن مريم عليهما السلام من ذرية إبراهيم عليه السلام ، قال الله تعالى { ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى } ، وحكى ابن رشد قولا بعدم شمول الذرية الحافد ، وهو ينقض الاتفاق إلا أن يكون طريقة قاله تت . ابن رشد اختلف الشيوخ في الذرية والنسل فقيل إنهما بمنزلة العقب والولد في عدم دخول ولد البنات فيهما . الباجي عن ابن العطار النسل كالولد والذرية تشمل ولد البنات اتفاقا لقوله تعالى { ومن ذريته داود } إلى قوله وعيسى ، وهو ولد بنت .

ابن رشد هو استدلال صحيح في أن ولد بنت الرجل من ذريته ، وكذا نقول في نسله وعقبه كما إنه من ولد خلاف ما ذهب إليه ، أفاده " ق " . ابن عرفة يرد استدلال ابن العطار بأنه لا يلزم من ثبوته في عيسى عليه الصلاة والسلام ثبوته في مسألة النزاع ; لأنه [ ص: 158 ] إنما ثبت في عيسى عليه الصلاة والسلام لعدم أب له يحوزه ، ولاعتبار هذا المعنى من حيث ذاته كان المذهب في ولد الملاعنة المعتقة جرها ولاء ولدها لمعتقها ما دام غير مستلحق ، فإن استلحقه أب بطل جرها .

وشاع في أوائل هذا القرن على ما بلغني الخلاف في شريف الأم فقط وأبوه ليس بشريف هل هو شريف أم لا ، فأفتى الشيخ أبو علي منصور المدعو بناصر الدين من فقهاء بجاية بثبوت شرفه وتبعه جل أهل بلده .

وأفتى الشيخ أبو إسحاق بن عبد الرفيع قاضي بلدنا تونس بعدمه ، وسمعت شيخنا ابن عبد السلام يصرح بتخطئة مثبته متمسكا بالإجماع على أن نسب الولد هو لأبيه لا لأمه ، وقاله بعض من لقيته من الفاسقين ، وقال يلزم عليه أنه لو تزوج يهودي أو نصراني بعد عتقه وإسلامه شريفة أن يكون ولده منها شريفا ، وهذا لا يقوله منصف أو مسلم أنا أشك وألف الفريقان في المسألة ، وأقوى ما احتج به الأولون تمسكهم بما تمسك به ابن العطار ، وبأن أصل الشرف من فاطمة رضي الله تعالى عنها ، وهذا بنسبة الأمومة لا بنسبة الأبوة .

قلت : والحق أن ابن الشريفة له شرف ما عن منزلة من أمه ليست بشريفة لا الشرف العرفي ، وتمسكهم بما تمسك به ابن العطار يرد بما تقدم ، وتمسكهم بالقياس بثبوت النسب إلى فاطمة بجامع أنه شرف ثبت لولادة الأم يرد بأنه إنما ثبت بهذه النسبة فيمن ثبتت نسبته إليها بنسبة الأبوة ، فكان هذا الشرف الثابت في صورة الإجماع ثابتا بالنسبة إلى فاطمة رضي الله تعالى عنها الثابتة النسبة إليها بالنسبة إلى الأب ، فحينئذ لا يلزم ثبوته في المقيس ; لأنه إنما يتصور ثبوته فيه ; بالنسبة إلى فاطمة رضي الله تعالى عنها بالنسبة إلى الأم لا إلى الأب ، وهذه النسبة الثابتة في المقيس أضعف من النسبة الثابتة في الأصل ; لأنها فيه بالنسبة إلى الأم وهي فاطمة رضي الله تعالى عنها ، وبالنسبة إلى الأب ، وهو أبو الولد المتكلم في شرفه . الثابت نسب أبيه للحسن أو الحسين رضي الله تعالى عنهما بالنسبة إلى الأب وهي في المقيس ثابتة بالنسبة إلى الأم ، وهي فاطمة رضي الله تعالى عنها ، وبالنسبة [ ص: 159 ] إلى الأم أيضا ، وهي أم الوالد المتكلم في شرفه فهي في الأصل أقوى ، وفي المقيس أضعف وذلك فرق واضح يقدح في القياس المذكور ، ويؤكد صحة هذا الفرق اتفاق العلماء فيما علمت في باب الترجيح على أن نتيجة الدليل الذي إحدى مقدمتيه ظنية والأخرى قطعية أرجح من نتيجة الدليل الذي مقدمتاه معا ظنيتان . ا هـ كلام ابن عرفة .

( و ) تناول ( ولد فلان ) أي زيد مثلا ( وفلانة ) أي هند مثلا ، فسمى الذكور والإناث ، ثم قال : وأولادهم فيتناول الحافد عند الإمام مالك " رضي الله عنه " وجميع أصحابه المتقدمين والمتأخرين لعود ضمير أولادهم إلى الأولاد ، والحافد من أولاد الأولاد . ابن عرفة هذا هو الصواب ، وخطأ ابن رشد قول ابن زرب لا يدخل الحافد فيما ذكر . ابن رشد إذا قال حبست على أولادي وسماهم بأسمائهم ذكورهم وإناثهم ، ثم قال على أولادهم فإن أولاد البنات يدخلون فيه على مذهب الإمام مالك وجميع أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، وما روي عن ابن زرب فهو خطأ " غ " فأولادهم مقدرة في هذه بدليل ذكره فيما يليها .




الخدمات العلمية