الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولزم المتعين أو الخائف فتنة : إن لم يتول ، أو ضياع الحق : القبول ، والطلب ، وأجبر وإن بضرب ، [ ص: 268 ] وإلا فله الهرب وإن عين

التالي السابق


( ولزم ) القضاء الشخص ( المتعين ) له لانفراده بشروطه فيلزمه طلبه وقبوله ، ولا يجوز له الامتناع منه ، ووجب على الإمام توليته وإعانته على الحق ( أو ) الشخص ( الخائف فتنة ) بعدم توليه بين المسلمين أو في نفسه أو ماله أو عياله والحال أنه لم ينفرد بشروطه ( أو ) الخائف ( ضياع الحق ) على مستحقه بتولية غيره فيلزمه ( القبول والطلب ) لتوليته ( و ) إن امتنع المتعين من القبول ( أجبر ) بضم الهمز وكسر الموحدة على القبول بغير ضرب ، بل ( وإن بضرب ) قيل للإمام مالك رضي الله عنه أيجبر بالسجن الضرب ، قال نعم أبو عمر إنما يجبر على القضاء من لم يوجد غيره يجبر بالسجن والضرب . ابن عرفة قبول ولاية القضاء من فروض الكفاية إن كان بالبلد عدد يصلحون لذلك ، فإن لم يكن من يصلح لذلك إلا واحد تعين عليه ، وأجبر على الدخول فيه . المازري يجب على من هو أهله السعي في طلبه إن علم أنه إن لم يله ضاعت الحقوق أو تولية من لا يحل أن يولى ، وكذا إن ولي من لا تحل توليته ولا سبيل لعزله إلا بطلبه . [ ص: 268 ]

( وإلا ) أي وإن لم يتعين عليه ولم يخف فتنة ولا ضياع الحق ( فله ) أي من فيه شروطه ( الهرب ) بفتح الهاء والراء من توليته إن لم يعينه الإمام ، بل ( وإن عين ) بضم فكسر مثقلا من الإمام لتولية القضاء . ابن رشد الهروب عن القضاء واجب وطلب السلامة منه لازم لا سيما في هذا الوقت ، فروض الكفاية كلها تتعين بتعيين الإمام إلا القضاء لشدة خطره في الدين . ابن مرزوق هذا دليل على أن ولايته من أعظم المحن حيث جازت له مخالفة الإمام هنا ، ولم تجز له في الجهاد المؤدي للموت . ابن شاس للإمام إجباره وله هو أن يهرب بنفسه منه إلا أن يعلم تعينه له فيجب عليه القبول .



( تنبيهات )

الأول : إذا لزمه طلب القضاء فطلبه فمنع منه إلا ببذل مال فهل يجوز له بذله الظاهر أنه لا يجوز لقولهم إنما يلزمه القبول إذا تعين عليه إذا كان يعان على الحق ، وبذل المال في القضاء من أول الباطل الذي لم يعن على إبطاله ، فيحرم عليه حينئذ ، وقد يفهم من كلام ابن فرحون قاله الحط .

الثاني : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { ستحرصون على الإمارة وتكون حسرة وندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة } ، فمن طلب القضاء وأراده وحرص عليه وكل إليه وخيف عليه فيه الهلاك ، ومن لم يسأله وامتحن به وهو كاره له خائف على نفسه فيه أعانه الله تعالى عليه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ، ومن لم يطلبه ولا استعان عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده } ، وقال صلى الله عليه وسلم { لا تسأل الإمارة فإنك إن تؤتها عن غير مسألة تعن عليها وإن تؤتها عن مسألة توكل إليها } .



الثالث : في وثائق الجزيري القضاء محنة وبلية ومن دخل فيه فقد عرض نفسه للهلاك لأن التخلص منه عسر ، فالهرب منه واجب لا سيما في هذا الوقت وطلبه نوك ، وإن كان حسبة قاله الشعبي ورخص فيه بعض الشافعية إذا خلصت النية بأن يكون قد وليه من لا يرضى حاله ، والأول أصح لقوله عليه السلام { إنا لا نستعمل على عملنا من أراده } . ا هـ . في الصحاح [ ص: 269 ] النوك بالضم الحمق ، قال قيس بن الخطيم :

وداء النوك ليس له دواء

والنواكة الحماقة .



الرابع : ابن فرحون وأما تحصيل القضاء بالرشوة فهو أشد كراهة ، وقال أبو العباس في كتابه آداب القضاء من قبل القضاء بقبالة وأعطى عليه رشوة فولايته باطلة وقضاؤه مردود ، وإن كان قد حكم بحق وإن أعطى رشوة على عزل قاض ليولى مكانه فكذلك أيضا ، وإن أعطاها على عزله دون ولاية فعزل الأول برشوة ثم استقضى هو مكانه بغير رشوة نظر في المعزول ، فإن كان عدلا فأعطاه الرشوة على عزل حرام ولا ينعزل ويبقى على ولايته إلا أن يكون من عزله تاب ورد الرشوة قبل عزله ، وقضاء المستخلف أيضا باطل إلا أن يكون قبل الولاية فيصح قضاؤه ، فإن كان المعزول جائرا فلا يبطل قضاء المستخلف ، قال أبو العباس قلت هذا تخريجا على مذهب الشافعي والحنفي .



الخامس : لم يتعرض المصنف لما تنعقد به الولاية ، وقال ابن بشير في التحرير لانعقاد الولاية شروط العلم بشرائط الولاية في المولى ، فإن لم يعلمها إلا بعد التقليد استأنفه . الثاني ذكر المولى له من القضاء أو الإمارة فإن جهل فسدت ، الثالث ذكر البلد الذي عقدت الولاية عليه ليمتاز عن غيره .



السادس : القرطبي الألفاظ التي تنعقد بها الولاية صريح وكناية فالصريح أربعة ألفاظ هي وليتك وقلدتك واستخلفتك واستتبتك ، والكناية ثمانية ألفاظ وهي اعتمدت عليك وعولت عليك ورددت إليك وجعلت إليك وفوضت إليك ووكلت إليك واستندت إليك وعهدت إليك ، وتحتاج الكناية إلى أن يقترن بها ما ينفي الاحتمال مثل احكم فيما اعتمدت عليك فيه وشبه ذلك .



السابع : ابن عرفة تثبت تولية الإمام قاضيه بإشهاده بها نصا والأصح ثبوتها بالاستفاضة الدالة بتواترها والقرائن على علم ذلك ومنع بعضهم ثبوتها بكتاب يقرأ على الإمام إن لم ينظر الشهود في الكتاب المقروء لجواز أن يقرأ القارئ ما ليس في الكتاب ، ولو قرأه [ ص: 270 ] الإمام صحت ، قلت سماع الإمام المقروء عليه مع سماعه وسكوته يحصل العلم ضرورة بتوليته إياه ، ونقل المتيطي وغيره عن المذهب ثبوت ولايته بشهادة السماع . ا هـ . قوله يقرأ على الإمام كذا في النسخة التي رأيت منه وهو الذي يقتضيه بحثه والذي في تبصرة ابن فرحون عن الإمام وهو الظاهر ، والله أعلم .



الثامن : ابن فرحون إذا كان المولى غائبا وقت توليته جاز قبوله على التراخي عند بلوغ التولية إليه ، وعلامة قبوله شروعه في العمل وبهذا جرى عمل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن بعدهم إلى وقتنا هذا .



التاسع : في الذخيرة قال الشافعية يجوز انعقاد ولاية القاضي بالمكاتبة والمراسلة كالوكالة وقواعدنا تقتضيه ، قالوا فإن كانت التولية باللفظ مشافهة فالقبول على الفور لفظا كالإيجاب ، وفي المراسلة يجوز التراخي بالقبول ، قالوا وفي القبول بالشروع في النظر خلاف ، وقواعدنا تقتضي الجواز لأن المقصود هو الدلالة على ما في النفس .



العاشر : في الذخيرة الشافعية إذا انعقدت الولاية فلا يجب على المتولي النظر حتى تشيع ولايته في عمله ليذعنوا له وهو شرط أيضا في وجوب طاعته ، وقواعد الشريعة تقتضي ما قالوه ، فإن التمكن والعلم شرطان في التكليف فالشيوع يوجب له المكنة ولهم العلم .

الحادي عشر : ابن الحاجب للإمام أن يستخلف من يرى غير رأيه في الاجتهاد والتقليد ولو شرط عليه الحكم بما يراه الإمام بطل الشرط ، وصحت التولية . خليل كالمالكي يولي شافعيا أو حنفيا ولو شرط أي الإمام على القاضي الحكم بما يراه الإمام من مذهب معين أو اجتهاد له بطل الشرط وصح العقد قاله الطرطوشي . وقال غيره العقد غير جائز ينبغي فسخه ورده ، وهذا إذا كان القاضي مجتهدا وفرض المازري فيه المسألة قال وإن كان الإمام مقلدا وكان متبعا لمذهب مالك واضطر إلى ولاية قاض مقلد فلا يحرم على الإمام أن يأمره أن يقضي بين الناس بمذهب مالك رضي الله تعالى عنه وأن لا يتعدى في قضائه مذهب مالك رضي الله عنه لما يراه من المصلحة في أن يقضي بين الناس بما عليه أهل [ ص: 271 ] الإقليم والبلد هذا الذي القاضي ولى عليهم ، وقد ولى سحنون رجلا سمع بعض كلام أهل العراق وأمره أن لا يتعدى الحكم بمذهب أهل المدينة الباجي في سجلات قرطبة لا يخرج عن قول ابن القاسم ما وجد الطرطوشي هذا جهل عظيم منهم أراد أن الحق ليس في قول معين .




الخدمات العلمية