الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 152 ] وعلى القاتل الحر المسلم ، وإن صبيا ، أو مجنونا ، [ ص: 153 - 154 ] أو شريكا إذا قتل مثله معصوما خطأ : عتق رقبة ، ولعجزها شهران : كالظهار ، لا : صائلا ، وقاتل نفسه : كديته

التالي السابق


( و ) يجب ( على القائل الحر ) لا العبد ( المسلم ) لا الكافر إن كان بالغا عاقلا منفردا بالقتل ، بل ( وإن ) كان ( صبيا أو مجنونا ) لأنه من خطاب الوضع ، ولأنه عوض عن النفس كعوض المتلف . ابن عبد السلام جعلوه من خطاب الوضع لأنه عوض عن النفس فأشبهت عوض المتلف ، فإن كان هناك دليل شرعي من إجماع أو غيره يجب التسليم له فحسن وإلا فمقتضى النظر سقوطها عن الصبي والمجنون ، وردها إلى خطاب التكليف . وقد جعل الشارع عوضا عن الرقبة الصيام الذي هو من خطاب التكليف ، ونقله الموضح والشارح وأقراه ، وفيه نظر ، إذ وجوب الشيء من مال الصبي والمجنون ، وتعلق الخطاب بإخراجه بالولي لا يخرجه عن خطاب التكليف كالزكاة ، وكيف يقال فيما يعبر عنه بالوجوب أنه من خطاب الوضع مع أن الوجوب من أقسام خطاب التكليف .

وقوله فأشبهت عوض المتلف فيه أن الإتلاف من خطاب الوضع باعتبار كونه سببا للضمان ، وباعتبار وجوبه في مال الصبي والمجنون من خطاب التكليف كما في الكفارة ، ولا شك أن الكلام هنا من هذا الاعتبار ، وقد نص القرافي في شرح التنقيح على أن [ ص: 153 ] خطاب التكليف وخطاب الوضع قد يجتمعان في شيء واحد ، ويفترقان بالاعتبار كما قلنا ، وهذا ظاهر . نعم لو قال ابن عبد السلام يحتاج إلى نص على وجودها في مال الصبي والمجنون ، وقد أشار ابن عرفة لما قلناه معرضا بابن عبد السلام بقوله وقول ابن شاس تجب في مال الصبي والمجنون واضح كالزكاة ، ولم أجده لغيره من أهل المذهب نصا ، بل في وجيز الغزالي .

البناني بحث طفي في كلام ابن عبد السلام ليس بظاهر لأنه فهم منه المنافاة بين خطاب الوضع وخطاب التكليف ، وأنهما لا يجتمعان فاعترضه بنص القرافي على أنهما قد يجتمعان في شيء واحد ، وبأنهما قد اجتمعا في الكفارة لأنها خطاب تكليف باعتبار أنه يجب على الولي إخراجها من مال الصبي والمجنون وخطاب وضع باعتبار كون القتل سببا في وجوبها ، وكذا يجتمعان في ضمان المتلف ، هذا محصله ، وجوابه أن كلام ابن عبد السلام لا ينافي اجتماعهما ، وإنما مراده أن وجوب الكفارة في مال الصبي والمجنون مبني على اعتبار خطاب الوضع فيها ، مع أن الظاهر من جعل الشارع الصوم بدل الرقبة فيها أن لا يعتبر إلا خطاب التكليف ، لاشتراط التكليف في الصوم وذلك ظاهر ، والله أعلم .

أقول بحول الله تعالى وقدرته في كل من تنظير مصطفى في كلام ابن عبد السلام . ورد البناني عليه نظر ، أما الأول فإن ابن عبد السلام اعترض على من جعلها من خطاب الوضع ، ومال إلى أنها من خطاب التكليف مستدلا بجعل الشارع الصوم عوضا عن الرقبة فيه ، ورغم أن جعلها من خطاب التكليف يستلزم سقوطها عن الصبي والمجنون ، فحق التنظير فيه أن يكون بمنع هذا الاستلزام ، وسنده وجوب الزكاة في ماله وعوض المتلف . وأما قول طفي يقال فيما يعبر عنه بالوجوب إلخ ، فهذا يؤيد اعتراض ابن عبد السلام على من جعلها من خطاب الوضع ، وقول طفي نعم لو قال ابن عبد السلام يحتاج إلى نص على وجوبها في مال الصبي والمجنون عقله عن قول ابن عبد السلام إن كان هناك دليل شرعي من إجماع أو غيره يجب التسليم له فحسن ، وأما وجه النظر في رد البناني [ ص: 154 ] على طفي فإن كلام طفي لا يفهم أنه فهم من كلام ابن عبد السلام التنافي بين خطاب التكليف وخطاب الوضع ، ورده بنص القرافي على اجتماعهما في شيء واحد ، والله أعلم .

( أو ) كان القاتل ( شريكا ) في القتل لصبي أو بالغ حر مسلم فيجب على كل كفارة تامة لأنها لا تتبعض ولا يشترك فيها ( إذا قتل ) الحر المسلم شخصا ( مثله ) في الحرية والإسلام فلا تجب في قتل كافر ولا عبد حال كونه ( معصوما ) فلا تجب في قتل غير معصوم كزان محصن ومحارب قتلا ( خطأ ) فلا تجب القاتل عمدا ومبتدأ على القاتل الحر المسلم ( عتق رقبة ) أي شخص رقيق مؤمن سليم من العيوب محرز لخصوص الكفارة ( ول ) ل ( عجز ) عن ( ها ) أي عدم القدرة على عتق الرقبة ( شهران ) يصومهما ( ك ) رقبة وشهري ( الظهار ) في شرط إيمان الرقبة وسلامتها من العيوب وتحريرها له ، وتتابع الشهرين ونية الكفارة بهما والتتابع ( لا ) تجب الكفارة على من قتل شخصا حرا مسلما ( صائلا ) عليه ليس معصوما ولأن قتله عمد ( و ) لا كفارة على ( قاتل نفسه ) ابن عرفة ابن شاس لا تجب الكفارة في قتل الصائل ولا على قاتل نفسه . قلت هو مقتضى المذهب لأنه غير خطأ ، ولم أجده نصا إلا للغزالي في وجيزه قال فيه وفي وجوبها على قاتل نفسه وجهان قلت قوله تعالى { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } ، مخرج قاتل نفسه لامتناع تصور هذا الجزء من الكفارة فيه ، وإذا بطل الجزء بطل الكل .

فإن قلت الصوم ليس جزءا من الكفارة ، بل هو نوع منها . قلت المراد من الكفارة التي الصوم جزؤها الكفارة من حيث تعلق الوجوب بها وهي الكفارة المذكورة في الآية ، والكفارة التي هو نوع هي من حيث كونها مفعولة ، فإن انتقض بكفارة العبد في الظهار لتعذر العتق فيها . قلت التعذر في كفارة القتل عقلي ، وفي الظهار شرعي .

وشبه في عدم الخطاب فقال ( كديته ) أي قاتل نفسه فلا تجب عليه ولا عاقلته [ ص: 155 ] الجلاب لا تعقل العاقلة من قتل نفسه خطأ ولا عمدا




الخدمات العلمية