الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن عدى البلدي : البساتين المسكونة ، وتؤولت أيضا على [ ص: 403 ] مجاوزة ثلاثة أميال بقرية الجمعة ، والعمودي : حلته ، [ ص: 404 ] وانفصل غيرهما : قصر رباعية وقتية ، أو فائتة فيه ، وإن نوتيا بأهله إلى محل البدء

التالي السابق


وذكر شرط القصر بقوله ( إن عدى ) بفتح العين والدال مثقلا أي تعدى وجاوز ( البلدي ) أي مبتدئ السفر من بلد له بساتين مسكونة ( البساتين ) جمع بستان أي الجنائن المتصلة بالبلد ولو حكما بارتفاق ساكنيها بأهل البلد في أمر معاشهم من طحن وخبز ونحوهما ( المسكونة ) بالزوجات والعيال ولو في بعض العام كالربيع والصيف والخريف إن سافر بينها أو محاذيها يمينا أو شمالا . ا هـ . عبق البناني إن سافر بينها فقط فلا يشترط مجاوزتها إن حاذاها إذ غايتها أنها كجزء من البلد ، فلا يشترط تعدي المزارع والبساتين المنفصلة وغير المسكونة . ولو كان فيها حراس وعملة ، ولا فرق بين قرية الجمعة وغيرها ، وهذا هو المعتمد وظاهر قولها ويتم المسافر حتى يبرز عن قريته .

( وتؤولت ) بضم المثناة والهمز وكسر الواو مشددة أي حملت المدونة ( أيضا على ) [ ص: 403 ] شرط ( مجاوزة ثلاثة أميال ب ) النسبة ل ( قرية الجمعة ) بحمل قولها حتى يبرز عن قريته على مجاوزة ثلاثة أميال منها . روى مطرف وابن الماجشون عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنهم إن كانت قرية جمعة فلا يقصر المسافر منها حتى يجاوز بيوتها بثلاثة أميال من السور إن كان لها سور ، وإلا فمن آخر بنائها . وإن لم تكن قرية جمعة فتكفي مجاوزة البساتين فقط .

واختلف هل هذه الرواية مفسرة للمدونة ، وهو اختيار ابن رشد ، وعلى هذا فكلامها خلاف المعتمد المتقدم أو محالفة لها ، وأنها موافقة للمعتمد ، وقولها حتى يبرز عن قريته أي بمجاوزة البساتين ، وهو رأي الباجي وغيره ، وإلى ما ذكر أشار بقوله وتؤولت إلخ أي تؤولت على مجاوزة ثلاثة أميال كما تؤولت على مجاوزة البساتين مطلقا ، والمعول عليه تأويل المخالفة ، وعلى المعتمد فالأربعة البرد من مجاوزة البساتين . وعلى مقابله فهل الثلاثة الأميال من الأربعة البرد ، وهو ظاهر كلامهم واختاره البرزلي وغيره أولا تحسبه منها . وصوبه ابن ناجي عبق والخرشي محل الخلاف إذا لم تزد البساتين على ثلاثة أميال ، وإلا اتفق القولان على مجاوزتها .

وكذا إن كانت ثلاثة أميال البناني ألحق إطلاق الخلاف سواء زادت البساتين على الثلاثة الأميال أو زادت الثلاثة الأميال على البساتين . ونقل المواق عن ابن الحاج ما يفيد ذلك ، وفيه نظر إذ يفيد أن قرية غير الجمعة التي زادت بساتينها على ثلاثة أميال اتفقوا فيها على اشتراط مجاوزة بساتينها . وأن قرية الجمعة التي هي كذلك لم يتفقوا فيها على اشتراط مجاوزة بساتينها واكتفى فيها مالك رضي الله تعالى عنه في رواية مطرف بثلاثة أميال من سورها أو طرف بنائها ، وهذا غير صحيح والله أعلم .

( و ) إن عدى ( العمودي ) أي البدوي الذي رفع بيته على عمود من خشب فلذا نسب إليه ( حلته ) بكسر الحاء المهملة وشد اللام أي منزلة بيوت قومه ولو كانت متفرقة حيث جمعهم اسم الحي أي الجد الذي انتسبوا إليه والدار أي المنزلة التي نزلوا فيها أو الدار فقط فلا يقصر المسافر منهم حتى يجاوز جميع بيوتهم . ولو سار فيها أياما ; لأن ما [ ص: 404 ] بينها بمنزلة الفضاء والرحاب الذي بين الأبنية وأما إن جمعهم اسم الحي فقط دون الدار بأن اشتركوا في النسب وافترقوا في دارين أو أكثر فتعتبر كل حلة على حدتها إذا لم يرتفق بعضهم ببعض ( و ) إن ( انفصل ) عن مسكنه ( غيرهما ) أي البلدي والعمودي كساكن غار في جبل ، وقرية لا بساتين لها متصلة إلخ ، فساكن الغار يقصر بمجرد خروجه منه وساكن القرية التي لا بساتين لها ، كذلك يقصر بمجاوزة بيوتها أو أبنيتها الخربة التي في طرفها وساكن البساتين يقصر بمجاوزتها ، سواء اتصلت بالبلد أم لا ونائب فاعل سن ( قصر ) صلاة ( رباعية ) نسبة لأربع عدد ركعاتها لا ثنائية ولا ثلاثية ( وقتية ) أي ذات وقت محدود حاضر سافر فيه ولو ضروريا فيقصر الظهرين من وصل محل القصر قبيل الغروب بثلاث ركعات ، ولو تعمد تأخيرهما إليه ، وإن وصله لركعتين قصر العصر لاختصاص الوقت بها ، وأتم الظهر ; لأنها فاتت ، وهو مقيم .

( أو فاتته فيه ) أي السفر ولو قضاها ، وهو مقيم وفاتته في الحضر تقضى تامة ولو في السفر إن لم يكن المسافر نوتيا بأهله بل ( وإن ) كان المسافر ( نوتيا ) أي خادم سفينة مسافرا ( بأهله ) أي زوجته فيقصر ( إلى محل البدء ) المتبادر منه إلى المحل الذي ابتدأ القصر منه حال خروجه ، فيعترض بأنه خلاف قولها . وإذا رجع من سفره فليقصر حتى يدخل البيوت أو يقاربها فإن هذا يدل على أن منتهى القصر ليس محل بدئه . أجيب بحمل كلام المصنف على منتهى سفره في حال ذهابه لا في حال رجوعه فقد سكت عنه ، أي يقصر في ذهابه إلى نظير محل البدء فكلامه على حذف مضاف . أو المراد إلى المحل المعتاد لبدء القصر منه بالنسبة لمن خرج من ذلك البلد الذي وصل هو إليه ، وهو البساتين في البلد الذي له ذلك . أو الحلة في العمودي ، أو محل الانفصال في غيرهما . وأما كلامها فمحمول على منتهى القصر في الرجوع للبلد الذي سافر منه ، لكن يرد على كلامها أنه يلزم من الدخول للقرب فلا يظهر العطف . وأجيب بأن أو بمعنى الواو [ ص: 405 ] والعطف للتفسير ، أي المراد بدخولها القرب منها وهو أقل من ميل ، وبأن الدخول لمن استمر سائرا والقرب لمن نزل خارجها لاستراحة مثلا وبأنهما قولان .




الخدمات العلمية