الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      وكل ما جاء بلفظ عنهما فابن نجاح مع دان رسما


      وأذكر التي بهن انفردا     لدى العقيلة على ما وردا

      ذكر في البيت الأول أن من مصطلحه أن كل حكم جاء في هذا الرجز مصاحبا للفظ عنهما الذي هو ضمير اثنين مجرور بعن، ولم يتقدم له معاد فرسمه أبو داود مع أبي عمرو الداني، أي: ذكراه معا نحو قوله: "والحذف عنهما "بأكالون"، وقوله: عنهما روضات"، وقوله: "وبعد واو عنهما قد أثبتت"، فإن تقدم معاد، عاد ضمير الاثنين له نحو قوله: "والأولان عنهما قد سكتا"، ولا يخفى أن ما نسبه لأبي عمرو وحده أوله مع أبي داود يستلزم نسبته للشاطبي أيضا، لقوله قبل: "والشاطبي جاء في العقيله به"، وأما لفظ عنه الواقع في هذا الرجز فضميره لأبي داود غالبا، وإنما لم يذكره الناظم في اصطلاحه; لأنه لا يضمره لأبي داود إلا وقد تقدم معاده بخلاف لفظ عنهما، فإنه يضمره للشيخين من غير تقدم معاد كما عرفت.

      ثم أخبر في البيت الثاني أنه يذكر في هذا الرجز الكلمات التي انفرد بها الشاطبي في العقيلة مسندة إليه على الوجه الذي ورد فيها، وهي التي أشار إليها بقوله قبل: "وزاد أحرفا قليله"، وقد تقدم أن عدتها ستة، وفي هذا البيت من الفائدة أنه إذا نقل حكما مسندا للعقيلة علم انفراد الشاطبي به إلا أن يصرح الناظم بزائد عليه نحو: ومن عقيلة وتنزيل وعي، والألف في قوله: رسما للإطلاق للتثنية كما قيل، ولدى في قوله: لدى العقيلة بمعنى في.

      ثم قال:


      وكل ما لواحد نسبت     فغيره سكت إن سكت


      وإن أتى بعكسه ذكرته     على الذي من نصه وجدته

      ذكر في هذين البيتين أن من مصطلحه أيضا أن كل حكم في أي باب من الأبواب [ ص: 31 ] نسبه لواحد من الشيخين المتقدمين، وسكت عن غيره، وهو الشيخ الآخر، بحيث لم يذكر له فيه شيئا، فإن ذلك الغير سكت عن حكم ذلك اللفظ الذي تعرض الآخر لحكمه، وإن أتى ذلك الغير بعكس ذلك الحكم يعني بما يخالف ذلك الحكم بوجه ما فإنه يذكره على الوجه الذي من نصه أي من لفظه، سواء كان مقابلا للحكم الأول أم لا، مثال القسم الأول قوله: "والحذف في المقنع في ضعافا" * وعن أبي داود جا أضعافا"، ومثال القسم الثاني: مقابلا حذف "نحسات" لأبي عمرو لدخوله في ضابط الجمع، وثبته لأبي داود، ومثاله غير مقابل قوله:


      ومقنع قرآنا أولى يوسف     وزخرف ولسليمان احذف

      وما شرحنا به قوله: "وكل ما لواحد نسبت" من أن المراد لواحد من الشيخين المتقدمين، هو الذي يدل عليه استقراء النظم خلافا لمن حمله على أن المراد لواحد من الأئمة المتقدمين، أما الثلاثة أو الأربعة بزيادة البلنسي.

      ثم قال:


      لأجل ما خص من البيان     سميته بمورد الظمآن


      ملتمسا في كل ما أروم     عون الإله فهو الكريم

      أخبر أنه سمى رجزه هذا بمورد الظمآن، لأجل ما خص به من البيان والإيضاح، والمورد بكسر الراء اسم مكان من مورد الماء وغيره وصل إليه، ويطلق ويراد به نفس الماء الذي شأنه أن يورد، وهذا المعنى هو الذي اعتبره الناظم في التسمية، والظمآن: العطشان، ووجه مطابقة الاسم للمسمى: أن الطالب في تلهفه واشتياقه للمسائل شبيه بالعطشان، وهذا الرجز لما اشتمل عليه من الفوائد مع سهولته شبيه بالماء العذب البارد، لإطفائه لهب المشتاق لمسائله إطفاء الماء ظمأ الوارد.

      وقوله: ملتمسا حال من التاء في تسميته، أي: سميته في حال كوني ملتمسا، أي: طالبا في كل ما أروم، أي: في كل أمر أقصده، وأريد فعله عون الإله، أي: إعانة الله تعالى، ومن جملة ما رامه وقصده هذا الرجز.

      ثم علل طلبه الإعانة من الله بقوله: فهو الكريم، أي: إلا أنه لا كريم على الحقيقة إلا هو عز وجل.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية