الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      وكيفما حركت أو ما قبلها في غير هذه فلاحظ شكلها


      كيئسوا وسئلت يذرؤكم     وسألوا بارئكم يكلؤكم

      لما فرغ من النوع الأول من نوعي هذا الفصل، وهو ما يصور من جنس حركة ما قبله شرع في النوع الثاني وهو يصور من جنس حركة نفسه، فأخبر مع إطلاق الحكم الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل، بأن الهمزة إذا حركت هي، وحرك ما قبلها أيضا [ ص: 175 ] كيفما كانت حركة كل منهما، ولم تكن واحدا من هذه الصور المتقدمة في النوع الأول، فإنه يلاحظ شكلها، أي: ينظر في تصويرها إلى حركتها، فتصور من مجانسها؛ فإن كانت فتحة صورت ألفا، وإن كانت ضمة صورت واوا، وإن كانت كسرة صورت ياء، وقد تقدم في النوع الأول صورتان، وكلمات من صورة المضمومة بعد كسرة وهذا المتقدم هو الذي احترز عنه الناظم بقوله: "في غير هذه"، وبقي لهذا النوع الثاني سبع صور:1 - صورة من المفتوحة؛ وهي الواقعة بعد فتح.

      2 - وصور المضمومة بعد الحركات الثلاث إلا ما تقدم من كلمات المضمومة بعد كسر.

      3 - وصور المكسورة بعد الحركات الثلاث أيضا، وقد مثل لها الناظم في البيت الثاني إلا أنه لم يرتب أمثلتها، بل أتى بها على حسب ما تأتى له مع النظم وترتيبها هكذا: (سألوا * يئسوا * سئلت * بارئكم * يذرؤكم* برءوسكم* متكئون" وأسقط الناظم المثالين الأخيرين رفعا لتوهم أنهما مما تصور همزته تحقيقا وإن أدى إلى اجتماع صورتين فيكونان من جملة المستثنى الآتي في قوله: "وأثبتت في سيئا والسيئ" البيت..."واعلم" أنه كما اختلفت لغة العرب، ومذهب النحاة في المضمومة بعد كسر على ما تقدم كذلك وقع الاختلاف في المكسورة بعد ضم، فمذهب سيبويه أنها تسهل بينها وبين الحرف المجانس لحركتها وهو الياء، ومذهب الأخفش أنها تسهل بينها وبين الحرف المجانس لحركة ما قبلها وهو الواو أو تبدل واوا محضة، ورسم المصاحف مطابق في هذه لمذهب سيبويه.

      "تنبيه": من جملة ما يندرج في ضابط الناظم: "ملأ" المضاف إلى الضمير إذا كان مخفوضا نحو: "إلى فرعون وملإيه"، لتوسط همزته بالضمير كما في: نقرؤه . فقياسه على هذا التصوير بالياء مع أنه صور بالألف، وجعلت الياء فيه زائدة فيه كما يأتي في النظم، ولم يستثنه الناظم هنا، وسيأتي الكلام عليه حيث ذكره الناظم "وأو" في قوله "أو ما قبلها" بمعنى "الواو".

      ثم قال:


      وإن حذفت في اطمأنوا فحسن     وفي اشمأزت ثم في لأملأن


      وعن أبي داود أيضا أثرا     أطفأها واختار أن يصورا

      [ ص: 176 ] أخبر مع إطلاق الحكم الذي يشير إلى اتفاق شيوخ النقل بأنك إن حذفت صورة الهمزة، وهي الألف التي يقتضيها القياس في: "اطمأنوا" و: اشمأزت و: لأملأن .

      فإن الحذف حسن، يعني والوجه الآخر؛ وهو إثبات الألف، التي هي صورة الهمزة في ذلك جائز؛ إذ لو لم يكن جائزا لم يكن الحذف حسنا بل متحتما، ثم أخبر عن أبي داود بحذف صورة همزة: أطفأها ، وأنه اختار تصويرها يعني بالألف الذي هو قياسها.

      أما "اطمأنوا" ففي "يونس": ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها .

      وقد أجرى بعضهم الوجهين في: اطمأن . في "الحج" أيضا.

      وأما "اشمأزت" ففي "الزمر": اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة .

      وأما "لأملأن" ففي "الأعراف": لأملأن جهنم منكم أجمعين . وهذا الثالث متعدد.

      وأما "أطفأها" ففي "العقود": كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله .

      "واعلم" أن مقتضى ما تقدم للناظم أن الهمزة في هذه الألفاظ تصور بالألف وجها واحدا، إلا أنها لما جاءت بالوجهين فصورت في بعض المصاحف بالألف، وفي بعضها بدونها نص عليها ليفيد أنها مستثناة في المعنى مما تقدم، والعمل عندنا على تصويرها بالألف في الألفاظ الأربعة، وقوله: "إن حذفت"، شرط، ومفعول "حذفت" محذوف تقديره: صورة الهمزة، وقوله: فحسن، خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو - أي: الحذف حسن، و: "أطفأها"، نائب فاعل "أثر"، وهو على حذف ثلاث مضافات أي: روي عن أبي داود خلاف صورة همزة: "أطفأها" أي: الخلاف فيها ويفهم هذا التقدير من سياق الكلام السابق ومن اختياره التصوير والألف في قوله: "أثرا" و: "يصورا" للإطلاق.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية