الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      أن لا يقولوا وأقول فصلا ثم معا بهود ليس الأولا


      وتوبة والحج مع ياسينا     وفي الدخان مع حرف نونا


      والامتحان وكذاك رويا     عن بعضهم أيضا بحرف الأنبيا

      هذا هو الفصل الأول من فصول هذا الباب وقد ذكر فيه: "أن لا" بفتح الهمزة وسكون النون، فأخبر مع إطلاق الحكم الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل بقطع كلمة: "أن" عن كلمة: "لا" بعدها في أحد عشر موضعا : عشرة مقطوعة باتفاق المصاحف، وفي الحادي عشر خلاف.

      - الموضع الأول والثاني: أن لا يقولوا على الله إلا الحق ، أن لا أقول على الله إلا الحق كلاهما في "الأعراف"، وإليهما أشار بقوله: "أن لا يقولوا وأقول فصلا" أي: قطعا، والألف في: "فصلا" ألف الاثنين تعود على هذين الموضعين.

      - الموضع الثالث والرابع: وأن لا إله إلا هو في "هود": أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف . وهو الثاني في "هود"، وإلى هذين الموضعين أشار بقوله: "ثم معا بهود ليس الأولا" [ ص: 219 ] أي: ثم "أن لا" معا في "هود" غير الأول، واحترز بقوله: "ليس الأولا"، عن الأول فيها وهو: ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ، فإنه موصول.

      - الموضع الخامس: أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، في آخر "التوبة".

      وقد تعدد: "أن لا" فيها بثلاثة مواضع هذا و: ألا يجدوا ما ينفقون وأجدر ألا يعلموا ، ومقتضى إطلاق الناظم أن الثلاثة مقطوعة مع أن المقطوع هو الواقع في آخرها فقط، ولذا أصلح فقيل:


      وآخر التوبة مع ياسينا     والحج والدخان ثم نونا

      - الموضع السادس: أن لا تشرك بي شيئا في "الحج".

      - السابع: أن لا تعبدوا الشيطان في "يس".

      - الثامن: وأن لا تعلوا على الله في "الدخان".

      - التاسع: أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين في "ن والقلم".

      - العاشر: على أن لا يشركن بالله شيئا في "الممتحنة".

      - الحادي عشر: أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين في "الأنبياء".

      وقد اختلف فيه؛ فروي بالفصل، وروي بالوصل، وقد استحب أبو داود فصله وبه العمل عندنا، وفهم من تخصيص الناظم القطع بهذه المواضع أن ما عداها كتب موصولا، ومعنى وصل ما عدا هذه الكلمات تنزيل الكلمة الأولى مع الثانية منزلة الكلمة الواحدة تحقيقا، فلا ترسم النون من أن لقاعدة أن المدغمين في كلمة يكتفى فيهما بصورة الثاني نظرا إلى اللفظ، ولا كذلك إذا كانا في كلمتين؛ فإنهما يرسمان معا نظرا إلى التفكيك بتقدير الوقف، والألف في قول الناظم: "الأولا" ألف الإطلاق.

      ثم قال:


      فصل وغير النور من ما ملكت     وفي المنافقين من ما قطعت


      والخلف للداني في المنافقين     ولأبي داود في الروم يبين

      هذا هو الفصل الثاني من فصول هذا الباب، وقد ذكر فيه الناظم تسعة أنواع من المقطوع، وقدم منها: "من ما"، فأخبر مع إطلاق الحكم الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل بقطع: "من" الجارة من: "ما" الموصولة المجرورة بها في ثلاثة مواضع: الأول والثاني في غير سورة "النور"، وهما: فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، في "النساء": هل لكم من ما ملكت أيمانكم في "الروم"، واحترز بقوله: غير "النور"، من الواقع [ ص: 220 ] فيها، وهو: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ، فإنه موصول.

      - الموضع الثالث في "المنافقين"، وهو: وأنفقوا من ما رزقناكم ، ثم استدرك في الذي في "المنافقين" خلافا لأبي عمرو الداني، وفي الذي في "الروم" خلافا لأبي داود، وقد تلخص من كلام الناظم أن الذي في "النساء" متفق على قطعه، والآخران في قطعهما خلاف، والعمل عندنا على قطعهما. وفهم من تعيين الناظم هذه المواضع للقطع أن ما عداها وصلت فيه من بما نحو: ومما رزقناهم ينفقون ، ومعنى الوصل هنا كما تقدم في: "أن لا".

      وقوله: من ما ملكت، مبتدأ، وغير "النور": منصوب على الاستثناء منه قدم عليه، و: "من ما" عطف على المبتدأ، وفي المنافقين حال من لفظ: "من ما"، وجملة قطعت خبر المبتدأ مع ما عطف عليه.

      وقوله: يبين: معناه يظهر.

      ثم قال:


      وقطع من مع ظاهر مع إنما     من قبل توعدون الأولى عنهما

      لما أفاد بمنطوق البيتين المتقدمين قطع: "من" عن: "ما" الموصولة في ثلاثة مواضع، وأفهم أن ما عداها موصول، خشي أن يتوهم أن هذا المفهوم شامل: "لمن" الجارة للاسم الظاهر الذي وقعت "ما" في أوله جزءا منه نحو: من مال وبنين مع أنها مقطوعة لا موصولة، فأخبر عن الشيخين رفعا لذلك التوهم بقطع كلمة من حال كونها مع ظاهر يعني مع اسم ظاهر في أوله "ما" واقعة جزءا منه كالمثال السابق، وكقوله تعالى: كل دابة من ماء . و: من مال الله ، و: من مارج .

      وإنما حملنا الاسم الظاهر في كلام الناظم على هذا النوع; لأنه هو الذي يؤخذ من كلام أبي عمرو في "المقنع"; ولأنه هو الذي يتوهم وصله لمشابهته صورة "لمن" الجارة الواقعة بعدها "ما" الموصولة.

      وأما غير هذا النوع فلا يتوهم ذلك فيه، ولهذا لم نحمل الاسم الظاهر في كلامه على ما قابل المضمر حتى يعم النوع المذكور وغيره نحو: "من قبل" و: "من بعد" و: "من ربا" و: "من الذين"، ثم أخبر الناظم عن الشيخين بقطع "إن" المكسورة الهمزة المشددة النون عن: "ما" الموصولة الواقعة قبل: توعدون الأولى في القرآن وهي في "الأنعام": إن ما توعدون لآت واحترز بقوله الأولى عن غير الأولى وهي في الذاريات: إنما توعدون لصادق [ ص: 221 ] وفي "المرسلات": إنما توعدون لواقع كما احترز بقيد التقدم على: توعدون عن غير المتقدم عليه نحو: إنما نحن مصلحون ، إنما نحن مستهزئون ، وفهم من تعيينه هذا الموضع للقطع أن ما عداه موصول، لكن سينص بعد على الخلاف في وصل: إنما عند الله في "النحل"، وقوله: الأولى، صفة ل: "إنما".

      التالي السابق


      الخدمات العلمية