الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ونون تأمنا إذا ألحقته فانقط أماما أو به عوضته

      أشار هنا إلى كيفية ضبط: تأمنا من قوله تعالى: ما لك لا تأمنا على يوسف ، وهذه اللفظة مركبة من فعل مضارع مرفوع آخره نون، ومن مفعول به أوله نون ففيها نونان: إحداهما المرفوعة التي هي آخر المضارع، والأخرى نون ضمير المفعول على حد قولك: "تضمننا"، وقد أجمع كتاب المصاحف على كتبها بنون واحدة، وفيها لنافع وغيره من القراء السبعة وجهان: أحدهما إدغام النون الأولى في النون الثانية إدغاما تاما مع الإشمام، والآخر الإخفاء، والمراد بالإشمام أن تضم شفتيك من غير إسماع صوت قبل الفراغ من النطق بالنون الثانية تنبيها على حركة النون الأولى، وقيل: بعد الفراغ من النطق بالنون الثانية، والصحيح الأول، والمراد بالإخفاء هنا الروم، وهو أن تضعف الصوت بحركة النون الأولى بحيث إنك لا تأتي إلا ببعضها، وتدغمها [ ص: 315 ] في الثانية إدغاما غير تام; لأن التام يمتنع مع الروم; لأن الحرف لم يسكن سكونا تاما، فيكون أمرا متوسطا بين الإظهار والإدغام، هذا ما عليه أكثر المحققين في معنى الإخفاء هنا، وبه القراءة عندنا، وذهب جماعة إلى أن النون الأولى مظهرة مع الإخفاء، فعلى الوجه الأول؛ وهو الإدغام التام مع الإشمام لا حذف في: تأمنا ; لأن الإدغام التام لا يتأتى إلا مع تسكين أول المثلين، فيرجع رسمها إلى باب: آمنا ، وعلى الوجه الثاني وهو الإخفاء يكون في: تأمنا حذف النون الأولى من الرسم، كما صرح به الشيخان وذلك على خلاف الأصل; لأنها لم تدغم فيما بعدها إدغاما تاما فضبط: تأمنا على الوجه الأول الذي هو الإدغام التام مع الإشمام يكون بتشديد النون، وجعل نقطة بالحمراء بينها وبين الميم دلالة على الإشمام، ويجوز على هذا الوجه أن تجعل جرة بين الميم والنقطة علامة على أن السكون قبل الإشمام، وهذا على أن الإشمام يكون قبل الفراغ من النطق بالنون الثانية.

      وأما على القول بأنه يكون بعد الفراغ من النطق بها فضبط: تأمنا ، كذلك إلا أن النقطة تجعل بعد النون الكحلاء لا قبلها.

      "فهذه" ثلاثة أوجه في ضبط: تأمنا على وجه الإدغام التام مع الإشمام، ولم يتعرض الناظم إلى ضبطها على هذا الوجه، وإنما تعرض إلى ضبطها على الوجه الثاني الذي هو الإخفاء، فذكر فيها وجهين منصوصين لأهل الفن: أحدهما أن تشدد النون الكحلاء، وتلحق نونا حمراء قبلها، وتجعل نقطة بالحمراء أمام النون الحمراء دلالة على ضمتها، كما هو الشأن في الحركة المختلسة، فتشديد الكحلاء دليل على الإدغام، وجعل النقطة الدالة على ضمة النون الحمراء دليل على نقصانه، وإلى هذا الوجه أشار الناظم بقوله: "ونون تأمنا إذا ألحقته فانقط أماما"، ومعنى قوله "إذا ألحقته" إذا قرأت بالإخفاء الذي يترتب عليه الإلحاق، الوجه الثاني أن تشدد النون الكحلاء، وتعوض النون الحمراء بالنقط بأن تستغني عن إلحاق الحمراء بجعل النقطة الدالة على الضمة في موضعها، وإلى هذا الوجه أشار بقوله: "أو به عوضته" أي: أو عوض النون الحمراء بالنقط الدال على ضمتها، وإنما وضعت علامة الحركة هنا [ ص: 316 ] بدون حرفها لكون الحركة غير خالصة، وأما الحركة الخالصة فلا يجوز عندهم وضع علامتها بدون حرفها.

      "وهذا" الوجه الثاني مماثل لوجه الاقتصار على النقطة إذا جعلت قبل النون في الإشمام، ولا يفرق بينهما إلا بالقصد من الناقط، وما ذكرناه من تشديد النون الكحلاء في هذين الوجهين اللذين ذكرهما الناظم مبني على ما عليه أكثر المحققين من أن النون الأولى مدغمة في الثانية، إلا أن الإدغام غير تام على ما قدمناه، وأما على ما ذهب إليه جماعة من أنها مظهرة مع الإخفاء، فلا تشدد النون، وإنما اقتصر الناظم على ضبط: تأمنا على وجه الإخفاء; لأنه هو الذي عليه أكثر أهل الأداء، واختاره الداني، ولهذا جرى العمل بضبط: تأمنا على وجه الإخفاء كما جرى العمل بالوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما الناظم المبنيين عليه، وقوله: "ونون تأمنا" مبتدأ، ومضاف إليه، وللمبتدأ نعت مقدر؛ أي: نون تأمنا المحذوف، والخبر "إذا" وما بعدها، وقوله: "فانقط" جواب "إذا"، والضمير في "ألحقته"، و: "عوضته" عائد على المبتدأ، والضمير في "به" عائد على النقط المفهوم من قوله "فانقط"، وهو متعلق ب: "عوضته"،

      التالي السابق


      الخدمات العلمية