الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      والحذف عنهما بهمز الوصل إذا أتى من قبل همز الأصل


      من نحو وأتوا فأت قل وفسألوا     وشبهه كنحو واسأل واسألوا

      تكلم في هذين البيتين وما بعدهما إلى تمام سبعة أبيات على مواضع حذف همزة الوصل من الرسم، وهمزة الوصل هي التي تثبت في الابتداء، وتسقط في الدرج، وكان الأنسب ذكرها في باب الهمز، لكنه ذكرها في هذا الباب تبعا للشيخين; ولأنها لا تكتب إلا ألفا حتى سميت ألف الوصل.

      ومواضع حذفها من الرسم سبعة؛ ذكر منها في هذين البيتين موضعين، فأخبر عن الشيخين بحذف همزة الوصل إذا جاءت قبل همزة أصلية، أي: همزة قطع ووقعت بعد واو أو فاء، وإلى الشرط الأول أشار بقوله: "إذا أتى من قبل همز الأصل"، وإلى الشرط الثاني أشار بقوله من نحو: "وأتوا فأت..." نحو: وأتوا البيوت من أبوابها فأت بها من المغرب ومثله في أول "البقرة": فأتوا بسورة من مثله ومنه: فأذنوا بحرب وأتمروا بينكم بمعروف .

      وذلك أن فاء هذه الألفاظ همزة؛ وهي أفعال أمر من الثلاثي، والأخير من الخماسي فيلزم افتتاحها بهمزة الوصل، وهي مبتدأة؛ فقياسها أن تصور ألفا، لكن لما اتصل بها ما لا يمكن [ ص: 73 ] استقلاله، والوقف عليه من الحروف الإفرادية كالواو والفاء قام مقام همزة الوصل فسقطت لفظا، فجاء الخط موافقا لذلك لاستثقالهم اجتماع صورتين وهما هنا صورة همزة القطع وصورة همزة الوصل فإذا لم يقع بعد همزة الوصل همزة أصلية نحو: "واتقوا"، أو وقعت، لكن اتصل بهمزة الوصل ما يستقل ويصح الوقف عليه نحو: "الذي اوتمن" "وقال الملك ايتوني" "ثم ايتوا صفا"، فإن همزة الوصل تثبت رسما لثبوتها لفظا عند الوقف على ما قبلها والابتداء بها.

      وهذا حاصل الكلام على الموضع الأول.

      ثم أشار بقوله: "قل وفسألوا" البيت... إلى الموضع الثاني، فذكر عن الشيخين أن همزة الوصل تحذف إذا دخلت على فعل الأمر من السؤال، ووقعت بعد واو أو فاء نحو: "فسئلوا أهل الذكر" "وسئل القرية" "وسئلوا الله من فضله".

      وإنما حذفت الواو والفاء بسبب عدم صحة استقلالهما والوقف عليهما منزلة ما هو من نفس الكلمة، ونيابتهما عن همزة الوصل بحيث لا ينطق بها يوما ما، ويحتمل أن يكون قد رسم على قراءة من نقل حركة الهمزة إلى السين، وهو ابن كثير والكسائي، وهذا أظهر; لأن التوجيه الأول يأتي في نحو: فاعفوا واصفحوا مع أنها لم تحذف منهما.

      والباء في قوله: "بهمز الوصل" بمعنى "في"، وقوله: "فاسئلوا"، عطف على همز الوصل بالواو والجميع محكي ب: "قل"، والتقدير: قل الحذف عنهما في همز الوصل إذا كان كذا، وفي همزة "فاسئلوا" وشبهه.

      ثم قال:


      وقبل تعريف وبعد لام     كللذي للدار للإسلام

      ذكر في هذا البيت الموضع الثالث من مواضع حذف همزة الوصل من الرسم، فأخبر عن الشيخين بحذفها إذا وقعت قبل أداة التعريف، وهي اللام، وبعد لام هي لام الابتداء أو الجر، ثم مثل للأول بقوله تعالى: للذي ببكة مباركا وللدار الآخرة خير للذين يتقون ، وللثاني بقوله تعالى: أفمن شرح الله صدره للإسلام ، ومثله: الحمد لله و: للذي أنعم الله عليه و: هدى للمتقين .

      وإنما حذفوها في هذا الموضع لسقوطها دائما، بسبب عدم استقلال اللام وعدم صحة الوقف عليها والابتداء بما بعدها [ ص: 74 ] كراهة توالي الأمثال؛ وهي اللامان والألف التي بينهما.

      ومراد الناظم بإدارة ما شأنه التعريف لا ما هو معرف في الحال بدليل تمثيله ب: "الذي" إذ ليست "أل" فيه على الصحيح معرفة بل معرفه الصلة، ولا بد من تقييد اللام في كلامه بكونها متصلة احترازا من: "فمال الذين"، وقد يؤخذ هذا القيد من المثال، واحترز بقوله: "قبل تعريف" عما إذا لم تقع قبل لام التعريف نحو: "لانفضوا"، فلا تحذف، واحترز بقوله: "وبعد لام" عما إذا لم تقع بعد اللام نحو: والذين يؤمنون أو لم يكن واحد من الأمرين نحو: واعبدوا ، وأما "لتخذت" فسيأتي للناظم.

      وقوله: و: "قبل تعريف" معطوف على "إذا" من قوله: "إذا أتى من قبل همز الأصل"، وبعد عطف على "قبل".

      ثم قال:


      وبعد الاستفهام إن كسرتا     كقوله يدي أستكبرتا

      ذكر في هذا البيت الموضع الرابع من مواضع حذف همزة الوصل من الرسم، فأخبر عن الشيخين بحذفها إذا وقعت بعد همزة الاستفهام، وكانت -أعني همزة الوصل- مكسورة نحو: قل أتخذتم عند الله عهدا وولدا أطلع الغيب ، أفترى على الله ، أستكبرت ، أستغفرت لهم .

      وإنما حذفت في هذا الموضع لنحو ما تقدم عند قوله: وقبل تعريف البيت، واحترز بقيد المكسورة عن المفتوحة نحو:

      آلله و: آلذكرين و: آلآن في "يونس" فإن المختار في هذا القسم أن الألف الموجودة هي همزة الوصل، وأن همزة الاستفهام لا صورة لها، وقوله: و: "بعد" عطف على "قبل" في البيت قبله، والاستفهام مضاف إليه على حذف مضاف أي: وبعد همزة الاستفهام، و: "إن كسرت" شرط حذف مفعول فعله؛ وهو همزة الوصل، وحذف جوابه لدليل ما قبله عليه وألف "كسرتا" و: "استكبرتا" للإطلاق.

      ثم قال:


      ولتخذت وبخلف يرسم     لابن نجاح في أفاتخذتم

      ذكر في هذا البيت الموضع الخامس، والموضع السادس من مواضع حذف همزة الوصل من الرسم فالخامس عن الشيخين، وهو "لتخذت"، والسادس انفرد بذكره أبو داود حاكيا فيه خلاف المصاحف وهو: أفاتخذتم .

      أما لتخذت ففي "الكهف": لاتخذت عليه أجرا ، [ ص: 75 ] ولا شك أن هذا الفعل خماسي، على وزن "افتعل"، قياسه الافتتاح بهمزة الوصل هكذا: "اتخذت"، ثم لما دخلت اللام حذفت الهمزة لفظا استغناء باللام عنها، وقياس الخط المبني على الابتداء ثبوتها نحو: لاتخذوك لكنها حذفت من المصاحف إشارة إلى القراءة الأخرى فيه، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو بفتح التاء مخففة، وكسر الخاء، ولا وجود لهمزة فيه على قراءتهما; لأنه ثلاثي ماض، واحترز بقيد مجاورة "اتخذت" للام عن "اتخذت" الخالي عنه نحو: لئن اتخذت ، فإن همزة الوصل فيه ثابتة.

      وأما: "أفتخذتم" المحذوف الهمزة لأبي داود على خلاف فيه؛ ففي "الرعد": قل أفاتخذتم من دونه أولياء ، وتقريره كالذي قبله، وقد اختار أبو داود في "التنزيل" إثبات همزة الوصل فيه، وبه العمل عندنا.

      وقوله: "ولتخذت" مبتدأ على حذف مضاف، أي: وهمزة "لاتخذت"، وخبره محذوف: أي: كذلك.

      ثم قال:


      وحذف بسم الله عنهم واضح     في هود والنمل وفي الفواتح


      وأغفل الداني ما في النمل     فرسمه كهذه عن كل........

      ذكر في هذين البيتين الموضع السابع من مواضع حذف همزة الوصل من الرسم، فأخبر بحذف همزة الوصل الواقعة بين الباء والسين من "بسم الله" في سورة هود: بسم الله مجراها ومرساها ، وفي سورة النمل: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وفي "بسم الله الرحمن الرحيم" الواقع في فواتح السور، وأن أبا عمرو الداني أغفل؛ أي: سكت عن الواقع في سورة "النمل"، وأن رسمه عن غير أبي عمرو من شيوخ النقل كرسم هذه المذكورات، وبرسمه كالمذكورات جرى العمل.

      ووجه حذف همزة الوصل في هذا الموضع كثرة الاستعمال.

      وأفهم قوله: "في هود، واسم الله، والفواتح"، أن همزة الوصل الواقعة بين الباء والسين من "بسم" لا تحذف في غير هذه المواضع، بل ترسم، وهو كذلك من غير خلاف نحو: اقرأ باسم ربك و: باسم ربك العظيم .

      تنبيه: بقي موضع آخر من مواضع حذف همزة الوصل وهو: "يبنؤم" وسيأتي في باب الهمز.

      وقوله: و: "حذف بسم الله" مبتدأ ومضاف [ ص: 76 ] إليه بتقدير مضافين، أي: وحذف صورة همزة "بسم الله، و: "واضح" خبره، وقوله: "في هود" ممنوع من الصرف للعلمية على السورة وتأنيثها.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية