الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وطين الشارع ) أي محل المرور [ ص: 28 ] وإن لم يكن شارعا ( المتيقن نجاسته ) ولو بإخبار عدل رواية فيما يظهر ، فالمراد باليقين ما يفيد ثبوت النجاسة ( يعفى منه عما يتعذر ) أي يتعسر ( الاحتراز عنه غالبا ) ، وإن اختلط بمغلظ كما رجحه الزركشي وغيره ، وفارق دمه بالمشقة أو كثرتها في هذا دون ذاك ، ولأنه لا بد للناس من الانتشار في حوائجهم وكثير منهم لا يجد إلا ثوبا واحدا ، فلو أمروا بالغسل كلما أصابهم ذلك لعظمت المشقة ، واحترز بالمتيقن النجاسة عما يغلب على الظن اختلاطه بها كغالب الشوارع ففيه قولا الأصل والغالب وقد مر .

                                                                                                                            ومن ذلك ماء الميازيب المشكوك فيها ، بل اختار المصنف الجزم بطهارته ، وأفتى ابن الصلاح بطهارة الأوراق التي تعمل وتبسط ، وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس [ ص: 29 ] عملا بالأصل . نعم إن وجد سبب يحال عليه كمسألة بول الظبية عمل بالظن كما تقدم ( ويختلف ) المعفو عنه ( بالوقت وموضعه من الثوب والبدن ) فيعفى في الذيل والرجل عما لا يعفى عنه في الكم واليد ، وبحث الزركشي وغيره العفو عن قليل منه تعلق بالخف ، وإن مشى فيه بلا نعل ، وخرج بالطين عين النجاسة إذا بقيت في الطريق فلا يعفى عنها .

                                                                                                                            نعم إن عمتها فللزركشي احتمال بالعفو ، وميل كلامه إلى اعتماده كما لو عم الجراد أرض الحرم ، وخرج بالقليل الكثير فلا يعفى عنه لعدم عسر اجتنابه ، وضابط القليل هنا ما لا ينسب صاحبه لسقطة على شيء أو كبوة على وجهه أو قلة تحفظ ، وتضعيف الزركشي له بأن المدار على العرف غير صحيح ; لأن هذا ضبط العرف المطرد .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وطين الشارع ) خرج به عين النجاسة كالبول الذي بالشوارع فلا يعفى عن شيء منه ، ومثله ما لو نزل كلب في حوض مثلا ثم خرج منه وانتفض وأصاب المارين شيء منه فلا يعفى عنه ، ويحتمل العفو إلحاقا له بطين الشوارع لمشقة الاحتراز عن ذلك ، إلا أن يقال : الابتلاء بمثل هذا ليس كالابتلاء بطين الشوارع .

                                                                                                                            ونقل بالدرس عن شيخنا الشيخ سالم الشبشيري العفو عما تطاير من طين الشوارع عن ظهر الكلب لمشقة الاحتراز [ ص: 28 ] عنه وفيه وقفة ، ومثله في عدم العفو ما يتطاير منه في زمن الأمطار ; لأنه جرت العادة بالتحفظ منه ، ومثله أيضا ما جرت عادة الكلاب به من طلوعهم على الأسبلة ورقادهم في محل وضع الكيزان ، وهناك رطوبة من أحد الجانبين فلا يعفى عنه .

                                                                                                                            ومما شمله أيضا طين الشارع بالمعنى الذي ذكر له ما يقع كثيرا من أنه يحصل مطر بحيث يعم الطرقات ، وما يقع من الرش في الشوارع وتمر فيه الكلاب وترقد فيه بحيث تتيقن نجاسته ، بل وكذا لو بالت فيه واختلط بولها بطينه أو مائه بحيث لم يبق للنجاسة عين متميزة فيعفى منه عما يعسر الاحتراز عنه فلا يكلف غسل رجليه منه خلافا لما توهمه بعض ضعفة الطلبة .

                                                                                                                            وينبغي أن مثل ذلك في العفو عنه ما وقع السؤال عنه في الدرس عن ممشاة لمسجد برشيد متصلة بالبحر وبالمسجد وطولها نحو مائة ذراع ، ثم إن الكلاب ترقد ، وهي رطبة لمشقة الاحتراز عن ذلك ، ويحتمل عدم العفو فيما لو مشى على محل تيقن نجاسته ، وهو الأقرب ، ويفرق بينه وبين طين الشارع بعموم البلوى في طين الشارع دون هذا إذ يمكن الاحتراز عن المشي عليها دون الشارع ( قوله : وإن لم يكن شارعا ) أي المحل الذي عمت البلوى باختلاطه بالنجاسة كدهليز الحمام وحول الفساقي مما لا يعتاد تطهيره إذا تنجس كما يؤخذ من قوله عما يتعذر الاحتراز عنه غالبا . أما ما جرت العادة بحفظه وتطهيره إذا أصابته نجاسة فلا ينبغي أن يكون مرادا من هذه العبارة ، بل متى تيقنت نجاسته وجب الاحتراز عنه ولا يعفى عن شيء منه ، ومنه ممشاة الفساقي فتنبه له ولا تغتر بما يخالفه .

                                                                                                                            ( قوله : يعفى منه عما يتعذر ) أي فإن صلى في الشارع المذكور لم تصح صلاته حيث لا حائل لملاقاته النجس ولا ضرورة للصلاة فيه حتى يعذر ، بخلاف ما يصيب بدنه أو ثوبه فيعفى عنه لمشقة الاحتراز عنه ( قوله : أي يتعسر الاحتراز عنه ) أي ولا فرق في ذلك بين أن يستعمل لباس الشتاء في زمنه أو زمن الصيف ; لأنه لا يكلف غسله ( قوله : وإن اختلط بمغلظ ) أي ولو دم كلب ، وإن لم يعف عن المحض منه ، وإن قل ( قوله : وفارق دمه ) أي حيث لا يعفى عن قليله على ما اعتمده ( قوله : في هذا ) أي طين الشارع ( قوله : دون ذاك ) أي دم الكلب الغير المختلط ( قوله : وقد مر ) أي أن الأصل الطهارة ويحتمل النجاسة إلا أنا نقدم الأصل على غيره ( قوله : المعمولة ) أي [ ص: 29 ] التي جرت العادة أن تعمل بالرماد .

                                                                                                                            أما ما شوهد بناؤه بالرماد النجس فإنه ينجس ما أصابه إذ لا أصل للطهارة يعتمد عليه حينئذ ( قوله : عملا بالأصل ) وعليه فلا تنجس الثياب الرطبة التي تنشر على الحيطان المعمولة بالرماد عادة لهذه العلة ، وكذا اليد الرطبة إذا مس بها الحيطان المذكورة ( قوله : نعم إن وجد سبب ) استدراك على قوله عما يغلب على الظن اختلاطه ( قوله : العفو عن قليل منه ) أي طين الشارع ، وعبارة حج : وإن كثر كما اقتضاه قول الشارح الصغير لا يبعد أن يعد الملوث في جميع أسفل الخف وأطرافه قليلا خلاف مثله في الثوب والبدن انتهى : أي أن زيادة المشقة توجب عد ذلك قليلا ، وإن كثر عرفا ، فما زاد على الحاجة هنا هو الضار وما لا فلا من غير نظر لكثرة ولا قلة ، وإلا لعظمت المشقة جدا ، فمن عبر بالقليل كالروضة أراد ما ذكرناه انتهى . وعليه فلا مخالفة بينه وبين قول الشارح عن قليل إلخ لما ذكره من أن مرادهم بالقليل ما في تجنبه زيادة المشقة .

                                                                                                                            ( قوله : بلا نعل ) وينبغي أن يقال مثل ذلك في المشي حافيا ثم رأيته في سم على حج ( قوله : عين النجاسة ) ومنه تراب المقابر المنبوشة ( قوله : نعم إن عمتها ) أي بحيث يشق الاحتراز على المشي في غير محلها ( قوله : بالعفو ) أي عما يتعذر الاحتراز عنه غالبا ( قوله : وميل كلامه إلى اعتماده ) معتمد . وعبارته على العباب : أما لو عمت جميع الطريق فالأوجه العفو عنها ، وقد خالف فيه حج ( قوله : لسقطة ) أي ولو بسقوط مركوبه وقوله على شيء في نسخة : على شقه ، وما في الأصل أولى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أي محل المرور ) أي المعد لذلك كما هو ظاهر [ ص: 28 ] قوله : ولو بإخبار عدل ) إنما احتاج إلى هذا بالنسبة لمفهوم قول المصنف يعفى منه عما تعذر إلخ لا لمنطوقه ، ; لأنه إذا عفي عن المتيقن النجاسة في ذلك فمظنونها أولى ( قوله : وفارق دمه ) أي الذي أصابه من غير الشارع ( قوله : ولأنه لا بد للناس إلخ ) الأولى حذف الواو ; لأنه علة لأصل المتن ( قوله : الجزم بطهارته ) أي وليس فيه قولا الأصل والغالب ( قوله : بطهارة الأوراق ) أي إذا لم تتحقق نجاسة الرماد ، ولكن الغالب فيه النجاسة أخذا مما علل به ، أما إذا تحققت فيه النجاسة فظاهر أنه ليس بطاهر لكن يعفى عن الأوراق الموضوعة عليه . قال ابن العماد في معفواته :

                                                                                                                            والنسخ في ورق آجره عجنوا به النجاسة عفو حال كتبته ما نجسوا قلما منه وما منعوا
                                                                                                                            من كاتب مصحفا من حبر ليقته

                                                                                                                            [ ص: 29 ] قوله : فيعفى في الذيل والرجل ) هذا تصوير للموضع وسكت عن تصوير الوقت . قال غيره : ويعفى في زمن الشتاء ما لا يعفى عنه في غيره ( قوله : وخرج بالقليل الكثير ) لم يتقدم في كلامه ولا كلام المصنف ذكر القليل حتى يأخذ هذا محترزه ( قوله : على شيء ) يعني من بدنه ، وعبارة شرح الروض : على أي شيء من بدنه .




                                                                                                                            الخدمات العلمية