الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( تذكر ) المصلي إماما أو منفردا التشهد الأول ( قبل انتصابه ) أي قبل استوائه معتدلا ( عاد ) ندبا ( للتشهد ) الذي نسيه ; لعدم تلبسه بفرض ( ويسجد ) للسهو ( إن كان صار إلى القيام أقرب ) منه إلى القعود ; لأنه فعل فعلا تبطل بعمده وعلم تحريمه ، بخلاف ما إذا كان إلى القعود أقرب أو على السواء فلا يسجد لسهوه لقلة ما فعله حينئذ ، كما صحح ذلك في الشرحين وهو المعتمد وإن صحح في التحقيق عدم السجود مطلقا ، وقال في المجموع : إنه الأصح عند الجمهور ، وأطلق في صحيح التنبيه تصحيحه ، قال الإسنوي : وبه الفتوى ، وعلى الأول السجود للنهوض مع العود ; لأن تعمدهما مبطل لا للنهوض فقط خلافا للإسنوي حيث ذهب إلى أنه للنهوض لا للعود ; لأنه مأمور به .

                                                                                                                            لا يقال : لو قام إمامه إلى خامسة ناسيا ففارقه المأموم بعد بلوغه حد الراكعين سجد مع أن هذا قيام لا عود فيه . لأنا نقول : عمد هذا القيام وحده غير مبطل بخلاف ما قالاه فإنه وحده مبطل ( ولو نهض ) من ذكر عن التشهد الأول ( عمدا ) أي بقصد تركه ، وهذا قسيم قوله أولا : ولو نسي التشهد الأول ( فعاد ) له عمدا [ ص: 78 ] ( بطلت ) صلاته بتعمده ذلك كما ( إن كان إلى القيام أقرب ) من القعود لزيادته ما غير نظمها ، بخلاف ما إذا كان إلى القعود أقرب أو إليهما على السواء ، وهذا مبني على ما قبله فعلى مقابله المذكور عن الأكثرين لا بطلان مطلقا ، وتقدم أن المعتمد خلافه ( ولو ) ( نسي ) إمام أو منفرد ( قنوتا فذكره في سجوده ) ( لم يعد له ) لتلبسه بفرض ، فإن عاد له عامدا عالما بتحريمه بطلت صلاته ( أو ) ذكره ( قبله ) أي قبل تمام سجوده بأن لم يكمل وضع أعضائه السبعة ( عاد ) أي جاز له العود ; لأنه لم يتلبس بفرض وإن دل ظاهر عبارة الروض على امتناع العود بعد وضع الجبهة فقط ( ويسجد للسهو إن بلغ ) هويه ( حد الراكع ) أي أقله لتغييره نظمها بزيادة ركوع سهوا تبطل بتعمده ، بخلاف ما إذا لم يبلغه نظير ما مر في التشهد ، ويجري في المأموم هنا جميع ما مر فيه ثم بتفصيله حرفا بحرف ، وكذا في غيره الجاهل أو الناسي ما مر ثم أيضا . نعم يجوز للمأموم التخلف هنا للقنوت إن لم يسبق بركعتين فعليين كما سيأتي في فصل متابعة الإمام ; لأنه أدام ما كان فيه فلم تحصل مخالفة فاحشة . وقول المصنف إن بلغ قيد في السجود للسهو خاصة لا في العود ، وإن كانت عبارته قد تفهم عوده لها ( ولو شك ) مصل ( في ترك بعض ) من الأبعاض السابقة معين القنوت ( سجد ) إذ الأصل عدم فعله ، بخلاف ما لو شك في ترك بعض مبهم أو في أنه سها أم لا أو علم ترك مسنون ، واحتمل كونه بعضا لعدم تيقن مقتضيه مع ضعف المبهم بالإبهام ، وبما تقرر علم أن للتقييد بالمعين [ ص: 79 ] معنى خلافا لمن زعم خلافه كالزركشي والأذرعي فجعل المبهم كالمعين ( أو ) في ( ارتكاب نهي ) أي منهي عنه يجبر بالسجود ( فلا ) يسجد ; لأن الأصل عدم ارتكابه ، ولو علم سهوا وشك أنه بالأول أو بالثاني سجد كما لو علمه وشك أمتروكه القنوت أم التشهد .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : قبل استوائه معتدلا ) أي بأن لم يصل لحد تجزئه فيه القراءة على ما مر ( قوله : كما صحح ذلك في الشرحين ) أي ذلك التفصيل بين أن يصير إلى القيام أقرب وبين خلافه . [ فرع ] نوى ركعتين تطوعا ، أو أطلق في نية التطوع فصلى ركعة ثم قام إلى الثانية ، فلما صار إلى القيام أقرب نوى الاقتصار على ركعة فرجع إلى القعود وتشهد هل يسن له سجود السهو ; لأجل هذه الزيادة ؟ الوجه أنه يسن ; لأن هذه الزيادة لو تعمدها بأن أراد زيادتها فقط بطلت صلاته .

                                                                                                                            وقال م ر بالذهن على البديهة جوابا لسائله عن ذلك : لا سجود فليتأمل . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : والأقرب ما قاله م ر . ووجهه أن الزيادة حين فعلها كانت مطلوبة منه ، والترك إنما عرض له بعد نية الاقتصار على ركعة ، ويشهد له ما يأتي للشارح بعد قول المصنف وسجود السهو إلخ من أنه لو نوى السجود ثم عن له الاقتصار على سجدة جاز ولا تضره تلك السجدة ; لأنه لم يتعمدها : يعني بل كانت مطلوبة منه ( قوله : إنه للنهوض ) وفائدته أنه لو قصد النهوض وحده من غير عود البطلان على ما قاله الإسنوي ( قوله : أي بقصد تركه ) خرج ما لو نهض لا بقصد ذلك بل لينهض قليلا ويعود فإنه تبطل صلاته لزيادته [ ص: 78 ] ما ليس من أفعالها ( قوله : أو إليهما على السواء ) ويكفي في ذلك غلبة الظن ولا سجود عليه لقلة ما فعله ( قوله : وعلى مقابله المذكور عن الآخرين ) هو قوله : وقال في المجموع إلخ ( قوله : أو قبله عاد ) أي سواء بلغ حد الراكع أو لا كما يأتي في قوله وقول إلخ ( قوله : لم يكمل وضع أعضائه ) شمل ما لو وضع جبهته دون يديه مثلا فيعود خلافا لما يأتي عن ظاهر عبارة الروض ( قوله : أي جاز له العود ) قضية التعبير بالجواز عدم استحبابه ، وقياس ما مر من استحباب العود للتشهد حيث ذكره قبل انتصابه استحبابه هنا بجامع أن كلا لم يتلبس بفرض .

                                                                                                                            ( قوله : بخلاف ما إذا لم يبلغه ) إلخ أي بأن انحنى إلى حد لا تنال راحتاه ركبتيه وإن كان إلى الركوع أقرب منه إلى القيام فلا يسجد لقلة ما فعله ، وإن خرج به عن مسمى القيام الذي تجزئه فيه القراءة ( قوله : قد تفهم عوده ) أي التقييد ( قوله : معين كقنوت ) ظاهره أن الشك في بعضه بعد الفراغ منه لا يضر ، وهو ظاهر قياسا على ما تقدم في قراءة الفاتحة من أنه لو شك فيها وجب إعادتها أو في بعضها بعد فراغها لم تجب لكثرة كلماتها ، وهذا موجود بعينه في القنوت ، ويؤيد ما ذكر أنه في عد ترك المأمورات ذكر أن ترك بعض القنوت ولو كلمة ككله ، واقتصر هنا على الشك في القنوت ولم يتعرض للشك في بعضه ( قوله : بخلاف ما لو شك في ترك بعض مبهم ) إن أراد بالشك في ترك بعض مبهم أنه تردد هل ترك بعضا أو مندوبا في الجملة فعدم السجود مسلم ، وإن أراد بذلك أنه تردد هل المتروك الصلاة على النبي أو على الآل في القنوت مثلا فالوجه السجود وسيأتي ، وكذا إن أراد أنه تردد أترك شيئا من الأبعاض أو لا بل [ ص: 79 ] أتى بجميعها فالوجه الذي لا يتجه غيره هو السجود ، وكلام الروضة وغيرها ظاهر فيه كما بيناه في محل آخر .

                                                                                                                            فالوجه حمل كلامه على الأول لكنه حينئذ ربما يتحد مع قوله بخلاف الشك في ترك مندوب في الجملة ا هـسم على منهج . لكن نقل عن الشارح عدم السجود فيما لو شك هل أتى بجميع الأبعاض أو ترك منها شيئا ، وعبارته قوله : في ترك بعض مبهم إلخ كأن شك هل أتى بجميع الأبعاض أو لا ، بخلاف ما لو علم ترك بعض وشك هل هو قنوت مثلا أو تشهد أول فإنه يسجد ; لأنه حكم المعين . ا هـ .

                                                                                                                            ولو معنى ما سيأتي عن سم في قوله صورة هذا أنه إن تحقق إلخ ، وعليه فالتقييد بالمعين في محله ( قوله : خلافا لمن زعم خلافه ) هذا الزعم هو الحق لمن أحسن التأمل وراجع فليتأمل وليراجع . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وجهه ما ذكره قبل من أنه لو شك في أنه هل أتى بجميع الأبعاض أو ترك منها شيئا سجد ، وأنه لو علم أنه ترك بعضا وشك في أنه قنوت أو غيره سجد ( قوله : أمتروكه القنوت أو التشهد ) صورة هذا أنه تحقق تركه أحد الأمرين القنوت والتشهد ، ولا يدري عين المتروك منهما ، وصورة ما سبق في ترك البعض المبهم أنه لم يتحقق الترك ، وإنما شك هل أتى بجميع الأبعاض أو ترك واحدا مبهما ، والفرق بين الصورتين واضح لكنه قد يشتبه . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : وأقرب تصاوير صلاة بها قنوت وتشهد أن يصور بما لو أحرم بالوتر ثلاث ركعات على نية أن يأتي بتشهدين ثم شك في آخر الصلاة هل متروكه القنوت أو التشهد الأول . ويمكن تصويره أيضا بما إذا صلى الصبح خلف مصلي الظهر وأدرك معه ركعة ثم في آخر صلاته علم أن عليه مقتضى السجود ، وشك في هل أنه ترك القنوت في آخر صلاته أو أن إمامه ترك التشهد الأول من صلاة نفسه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لأنا نقول عمد هذا القيام إلخ ) هذا يقتضي نقيض المطلوب فتأمل ( قوله : بقصد تركه ) احترز به عما إذا تعمد زيادة النهوض لا لمعنى فإنها لا تبطل صلاته بمجرد انفصاله عن اسم القعود لشروعه في مبطل [ ص: 78 ] قوله : وهذا مبني على ما قبله ) بمعنى أنه مأخوذ منه ومستخرج من حكمه ، وإلا ففي الحقيقة أن ذاك ينبني على هذا كما هو ظاهر وإنما قلنا إن المراد هنا بالبناء ما مر ; لأن حكم السجود وعدمه المذكور في المتن طريقة القفال وأتباعه توسطا بين وجهين مطلقين أحدهما ما ذكره الشارح عقبه ، ولم يتعرض القفال لحكم العمد على طريقته فأخذه تلميذ تلميذه البغوي من كلامه عملا بقاعدة أن ما أبطل عمده يسجد لسهوه ( قوله : المذكور عن الأكثرين ) أي الذين عبر هو عنهم فيما مر بالجمهور ، وعلم مما قدمناه أن هناك وجها بالسجود مطلقا فينبني عليه هنا البطلان مطلقا وقد صرح بذلك بعض الأئمة ( قوله : بخلاف ما لو شك في ترك بعض مبهم ) كأن شك هل ترك واحدا من الأبعاض أو أتى بجميعها [ ص: 79 ] قوله : والأذرعي ) في نسبة هذا إلى الأذرعي نظر ، فإنه إنما حكاه عن غيره بقوله قيل الصريح في ضعفه عنده ، وعبارته في قوله مع المتن ، ولو شك في ترك بعض أي معين سجد ; لأن الأصل عدم فعله ، قاله البغوي وتبعاه ، قيل ولا تظهر له فائدة إلخ ( قوله : وشك أمتروكه القنوت إلخ ) كأن نوى قنوت النصف الثاني من رمضان بتشهدين فشك هل ترك أحدهما أو القنوت ، وما في حاشية الشيخ من تصويره أيضا بخلاف ، هذا لا يتأتى [ ص: 80 ] مع الضمير في متروكه .




                                                                                                                            الخدمات العلمية