الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وهي ) أي سجدات التلاوة ( في الجديد أربع عشرة ) سجدة ( منها سجدتا ) سورة ( الحج ) لما روي عن عمرو بن العاص بسند حسن ، وإسلامه إنما كان بالمدينة قبل فتح مكة { أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان } وعن أبي هريرة وإسلامه سنة سبع { أنه سجد معه صلى الله عليه وسلم في الانشقاق واقرأ باسم ربك } رواه مسلم ، وما روي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول المدينة أجيب عنه بأنه ناف وضعيف ، على أن الترك إنما ينافي الوجوب لا الندب وأخذ بظاهره القديم ، ومحال السجدات معروفة . نعم الأصح أن آخر آيتها في النحل يؤمرون وفي النمل العظيم وفي فصلت يسأمون وفي الانشقاق يسجدون .

                                                                                                                            ونص المصنف كأصله على سجدتي الحج لخلاف [ ص: 93 ] أبي حنيفة في الثانية ( لا ) سجدة ( ص ) وهي عند قوله { وخر راكعا وأناب } فليست من سجدات التلاوة لما روي عن ابن عباس " ص ليست من عزائم السجود " أي من متأكداته وقد تكتب ثلاثة أحرف إلا في المصحف ( بل هي ) أي سجدة ص ( سجدة شكر ) لله تعالى ينوي بها سجود الشكر على توبة داود عليه الصلاة والسلام من خلاف الأولى الذي ارتكبه مما لا يليق بكمال شأنه لوجوب عصمته كسائر الأنبياء صلى الله وسلم عليهم عن وصمة الذنب مطلقا ، وإن وقع في كثير من التفاسير ما يوهم خلاف ذلك لعدم صحته ، بل لو صح كان تأويله واجبا لثبوت عصمتهم ووجوب اعتقاد نزاهتهم عن ذلك السفساف الذي لا يقع من أقل صالحي هذه الأمة ، فكيف بمن اصطفاهم الله لنبوته ، وأهلهم لرسالته وجعلهم الواسطة بينهم وبين خلقه ، وإنما خص داود بذلك مع وقوع نظيره لآدم وأيوب وغيرهما ; لأنه لم يحك عن غيره أنه لقي مما ارتكبه من الحزن والبكاء حتى نبت من دموعه العشب والقلق المزعج ما لقيه ، فجوزي بأمر هذه الأمة بمعرفة قدره وعلى قربه وأنه أنعم عليه نعمة تستوجب دوام الشكر من العالم إلى قيام الساعة .

                                                                                                                            والأصل في ذلك خبر أبي سعيد الخدري { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقرأ ص ، فلما مر بالسجود نشزنا : أي تهيأنا للسجود ، فلما رآنا قال : إنما هي توبة نبي الله ولكن قد استعددتم للسجود فنزل وسجد } رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرح البخاري .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ناف وضعيف ) قال في شرح الروض وغيره : صحيح ومثبت . ا هـ . وقوله وغيره بالرفع : أي غير الراوي لهذا الحديث صحيح وثبت ( قوله : يؤمرون ) وقيل يستكبرون وفي النمل يعلنون ، وانتصر له الأذرعي ورد قول المجموع بأنه باطل ، وفي ص وأناب ، وقيل مآب ، وفي فصلت { يسأمون } ، وقيل { تعبدون } ، [ ص: 93 ] وفي الانشقاق آخرها . ا هـ حج .

                                                                                                                            أقول : والأولى له في الانشقاق تأخير السجود إلى آخرها خروجا من الخلاف ، وسئل السيوطي هل يستحب عند كل محل سجدة عملا بالقولين . فأجاب بقوله : لم أقف على نقل في المسألة والذي يظهر المنع ; لأنه حينئذ آت بسجدة لم تشرع . ا هـ سم على حج . ( قوله : لا سجدة ص ) يجوز قراءة ص بالإسكان وبالفتح وبالكسر بلا تنوين وبه مع التنوين ، وإذا كتبت في المصحف كتبت حرفا واحدا ، وأما في غيره فمنهم من يكتبها باعتبار اسمها ثلاثة أحرف ا هـ ابن عبد الحق ، ومثله في شرح الروض وقوله فمنهم من يكتبها إلخ : أي ومنهم من يكتبها حرفا واحدا وهو الموجود في نسخ المتن ( قوله : ينوي بها سجود الشكر ) قضيته أنه لا بد لصحتها من ملاحظة كونها على قبول توبة داود وليس مرادا .

                                                                                                                            ثم رأيت في سم على منهج في أثناء عبارته ما نصه : وهل يتعرض لكونه شكرا لقبول توبة داود عليه الصلاة والسلام أو يكفي مطلق نية الشكر ؟ ارتضى الثاني طب وم ر . ا هـ . بقي ما لو قال نويت السجود لقبول توبة داود هل يكفي أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ; لذكره السبب .

                                                                                                                            وبقي أيضا ما لو نوى الشكر والتلاوة أيضا خارج الصلاة ، وينبغي فيه الضرر ; لأن سجود التلاوة إن لم يكن من السجدات المشروعة كان باطلا ، فإذا نوى التلاوة والشكر فقد نوى مبطلا وغيره فيغلب المبطل ( قوله : من خلاف الأولى ) متعلق بتوبة ( قوله : الذي ارتكبه ) أي من إضماره أن وزيره إن قتل تزوج بزوجته . ا هـ حج . ( قوله : ما يوهم خلاف ذلك ) أي أنه ارتكب أمرا محرما وهو كما في قصص الثعالبي أمره حين أرسل وزيره للقتال يتقدمه أمام الجيش ليقتل ( قوله : السفساف ) الرديء من كل شيء والأمر الحقير ، وفي الحديث { إن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفسافها } ويروي " ويبغض " . ا هـ مختار ( قوله : مع وقوع نظيره ) أي من ارتكاب ما ينافي كمالهم فندموا فقبل الله تعالى توبتهم ( قوله : لأنه لم يحك عن غيره ) أي ; ولأنه وقع في قصته التنصيص على سجوده ، بخلاف قصص غيره من الأنبياء فإنه لم يرد عنهم سجود عند حصول التوبة لهم ( قوله : ما لقيه ) إلا ما جاء عن آدم لكنه مشوب بالحزن على فراق الجنة . ا هـ حج ( قوله : تستوجب ) [ ص: 94 ] أي تستدعي ثبوت الشكر إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 93 ] ( قوله : لأنه لم يحك عن غيره إلخ ) وأيضا فلم يرد عن غيره أنه سجد لتوبة .




                                                                                                                            الخدمات العلمية