الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وخوف ظالم ) مضاف لمفعوله ( على ) معصوم من ( نفس ) أو عضو أو منفعة ( أو مال ) أو عرض أو حق له ولو اختصاصا فيما يظهر له أو لغيره ، وإن لم يلزمه الذب عنه في الأوجه خلافا لمن قيد به وذكر ظالم مثال لا قيد . إذ الخوف على نحو خبزه في تنور عذر أيضا ، ومحل ذلك كما قاله الزركشي ما لم يقصد بذلك إسقاط الجماعة ، وإلا فلا تكون عذرا . نعم إن خاف تلفه سقطت عنه حينئذ كما هو ظاهر للنهي عن إضاعة المال ، وكذا في أكل ماله ريح كريه بقصد الإسقاط فيأثم بعدم حضور الجمعة لوجوبه عليه حينئذ ولو مع ريح المنتن ، لكن يندب له السعي في إزالته عند تمكنه منها كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وأفتى أيضا بأنه تسقط الجمعة عن أهل محل عمهم عذر كمطر .

                                                                                                                            أما خوف غير ظالم كذي حق وجب عليه دفعه فورا فيلزمه الحضور وتوفيته . ومثل خوفه على نحو خبزه خوفه عدم نبات بذره أو ضعفه أو أكل نحو جراد له أو اشتغل بالجماعة ، ولو خاف من حضورها فوات تحصيل تملك مال فالأوجه [ ص: 159 ] أنه إن احتاج إليه حالا كان عذرا ، وإلا فلا ( و ) خوف ( ملازمة ) أو حبس ( غريم معسر ) مصدر مضاف لفاعله فلا ينون غريم ; لأنه حينئذ الدائن ومثله وكيله ، أو لمفعوله فينون ; لأنه حينئذ المدين ومحله إذا عسر عليه إثبات إعساره بخلاف الموسر بما عليه ، والمعسر القادر على الإثبات ببينة أو يمين ، ولو كان الحاكم لا يسمع البينة إلا بعد حبسه فهي كالعدم كما بحثه الزركشي ( و ) خوف ( عقوبة ) تقبل العفو عنها كحد قذف وقود وتعذير لله أو لآدمي ، و ( يرجى تركها ) ولو على بعد ولو ببذل مال ( إن تغيب أياما ) يعني زمنا يسكن فيه غضب المستحق ، أما حد الزنا والسرقة والشرب ونحوها من حدود الله تعالى فلا يعذر بالخوف منها إذا بلغت الإمام : أي وثبتت عنده ; لأنه لا يرجو العفو عن ذلك فلا رخصة به بل يحرم التغيب عنه لعدم فائدته ، وله التغيب عن الشهود لئلا يرفعوا أمره إلى الإمام ، وإنما جاز تغيب من عليه قود أن موجبه كبيرة ، والتخفيف ينافيه ; لأن العفو مندوب إليه والتغيب طريقه ، وعلم مما قررناه أن مراد المصنف بأياما ما دام يرجو العفو ولو على بعد أنه لو كان القصاص لصبي وحصل رجاؤه لقرب بلوغه مثلا فالحكم كذلك ، فقد يرفع أمره لمن يرى الاختصاص للولي أو لمن يحبسه خشية من هربه إلى البلوغ فلا يمكنه التغيب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : إذ الخوف إلخ ) أي سواء خاف تلفا أو عيبا فيه فلا ينافي الاستدراك الآتي ( قوله : ومحل ذلك ) أي ما ذكر في الخبز ونحوه ( قوله : لكن يندب له السعي ) ظاهره عدم الوجوب وإن علم تأذي الناس به . ا هـ سم على ابن حجر ، وهو قريب ; لأن ذلك مما اعتيد ومما يحتمل أذاه عادة ( قوله : أو أكل نحو جراد ) من النحو [ ص: 159 ] الحمام والعصافير ونحوهما ( قوله : كحد قذف إلخ ) أي كأن رأى الإمام المصلحة في تركه فإنه يجوز له العفو عنه حينئذ . ( قوله : لقرب بلوغه ) انظر ما ضابط القرب ، بل قضية قوله ولو على بعد عدم اشتراط القرب .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : مثال لا قيد ) أي وإن خرج به ما يأتي فهو مثال باعتبار قيد باعتبار ( قوله : إذ الخوف على نحو خبزه ) أي ولو نحو تعيب بقرينة قوله فيما يأتي في التعدي نعم إن خاف تلفه إلخ ( قوله : فيأثم بعدم حضور الجمعة ) أي وكذا الجماعة وإن توقفت عليه كما هو ظاهر ، وإنما فرضه في الجمعة لتأتي ذلك فيها على الإطلاق ، وقد يستفاد من جعله الإثم بعدم الحضور أنه لا يأثم بالأكل .

                                                                                                                            وفي حواشي المنهج للشهاب سم نقلا عن الشارح التصريح بذلك فقال : إنه يكره من حيث كونه أكلا ، وإنما يحرم القصد .

                                                                                                                            وعن الشهاب حج أن الأكل حرام ( قوله : كما أفتى به الوالد ) يعني بندب السعي في إزالته ، وإلا ففرض فتياه فيما لو أكل ما ذكر جاهلا بأنه يوم الجمعة وإن كان فيها وقفة تعلم [ ص: 159 ] بالوقوف عليها ( قوله : والمعسر القادر ) المناسب والمعسر الذي لا يتعسر عليه الإثبات ( قوله : أي وثبتت عنده ) أي وطلب المستحق بالنسبة للسرقة ( قوله : أن مراد المصنف ) بدل من ما ونائب فاعل علم قوله : لو كان القصاص إلخ ، لكن في كون هذا هو الذي قرره نظر ظاهر ; لأن معنى قوله فيما مر ولو على بعد أن رجاء ترك المستحق مستبعد لضنه به وعدم سماحه به ، وليس المراد به البعد في الزمان ; لأنه قدمه عليه ، فكان الأولى أن يقول : وعلم مما قررنا به كلام المصنف من أن مراده بأياما مطلق الزمان الصادق بالقليل والكثير ، ثم إن الذي علم مما تقرر كما عرفت عدم الفرق في الرجاء بين طويل الزمان وقصيره ، وحينئذ فلا معنى للتقليد في هذه المسألة بقوله لقرب بلوغه لا يقال : هو وإن قيد به لكن لم يرد حقيقة التقييد حيث أعقبه بقوله مثلا ليدخل ما إذا لم يقرب بلوغه ; لأنا نقول : فأي معنى لذكره على أنه لا يصح رجوعه لقوله لقرب بلوغه لإدخال ما ذكر ، إذ لا يقاس البعيد بالقريب لعدم الجامع ، وإنما هو راجع لقوله لصبي ليدخل من في معناه كالمجنون كما هو ظاهر ، وأصل ذلك أن بعضهم قال : يستفاد من تقييد الشيخين بأياما أنه لو كان القود لصبي لم يجز التغييب لتوقف العفو على البلوغ فيؤدي إلى ترك الجمعة سنين ، فزيفه عليه الشهاب حج في إمداده بأنه لا يستفاد منه ذلك ; لأن مرادهما أنه يغيب ما دام يرجو العفو ولو على بعد : أي وليس المراد ظاهر ما اقتضاه التعبير بأياما ، وعبارته أعنى الإمداد .

                                                                                                                            وقيد الشيخان رجاء العفو بتغييبه أياما ولا يستفاد منه خلافا لبعضهم أن القود لو كان لصبي لم يجز التغييب لتوقف العفو على البلوغ فيؤدي إلى ترك الجمعة سنين ، وذلك ; لأن المراد أنه يغيب ما دام يرجو العفو ولو على بعد ، فقد يرفع لمن يرى الاختصاص للولي ، والشارح رحمه الله تصرف فيها بما ترى مع زيادة قوله لقرب بلوغه إشارة إلى أن ما استفيد من كلام الشيخين مرادا لهما ، لكن بما لا يلائمه ما قبله من قوله إن مراد المصنف بأياما إلخ ، ولا ما بعده من قوله فقد يرفع إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية