الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو انغمس مستجمر في ماء قليل حرم ، وإن قلنا بالكراهة في البول فيه لما فيه هنا من تضمخه بالنجاسة خلافا لبعضهم .

                                                                                                                            ويكره البول ونحوه بقرب القبر المحترم ويحرم عليه .

                                                                                                                            وألحق الأذرعي بحثو البول إلى جداره بالبول عليه وعلى نحو عظم مما يمتنع الاستنجاء به لحرمته ، ويحرم في مسجد ولو بإناء بخلاف الفصد فيه لخفة الاستقذار في الدم ، ولذا عفي عن قليله وكثيره بشرطه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وذكر المحب الطبري الحرمة في الصفا والمروة أو قزح ، وألحق بعضهم بذلك محل الرمي ، وإطلاقه يقتضي حرمة ذلك في جميع السنة ، ولعل وجهه أنها محال شريفة ضيقة ، فلو جاز ذلك فيها لاستمر وبقي وقت الاجتماع لها فيؤذي حينئذ ، ويظهر أن حرمة ذلك مفرعة على الحرمة في محل جلوس الناس ، وسيأتي أن المرجح الكراهة ، أما [ ص: 140 ] عرفة ومزدلفة ومنى فلا يحرم فيها لسعتها ( وجحر ) بجيم مضمومة فمهملة ساكنة وهو الثقب النازل المستدير لصحة النهي عنه لما يقال إنها مساكن للجن ، ولأنه قد يكون فيه حيوان ضعيف فيتأذى .

                                                                                                                            أو قوي فيؤذيه أو ينجسه ، وفي معناه السرب وهو الشق المستطيل ، وكالبول الغائط ، نعم يظهر تحريمه فيه إذا غلب على ظنه أن به حيوانا محترما يتأذى به أو يهلك ، وعليه يحمل بحث المجموع ( ومهب ريح ) أي محل هبوبها وقت هبوبها كما اقتضاه كلام المجموع ، ومنه المراحيض المشتركة ، بل يستدبرها في البول ويستقبلها في الغائط المائع لئلا يترشرش بذلك لخبر { استمخروا الريح } أي اجعلوا ظهوركم إليها ولا تستقبلوها ، فلا يكره استدبارها عند التغوط بغير مائع خلافا لمن قال بها لما فيه من عود الرائحة الكريهة عليه إذ ذاك لا يقتضي الكراهة ( ومتحدث ) للناس ( وطريق ) لخبر . مسلم { اتقوا اللعانين ، قالوا وما اللعانان ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم } تسبيبا بذلك في لعن الناس لهما كثيرا عادة ، فنسب إليهما بصيغة المبالغة ، والمعنى : احذروا سبب اللعن المذكور .

                                                                                                                            وألحق بظل الناس في الصيف مواضع اجتماعهم في الشمس في الشتاء ، وظاهر كلامهم أن التغوط في الطريق مكروه كراهة تنزيه وهو كذلك ، [ ص: 141 ] وإن نقل المصنف في الروضة في الشهادات عن صاحب العدة أنه حرام وأقره ، وكالطريق المتحدث ، ولا فرق فيما ذكر بين البول والغائط ( وتحت مثمرة ) ولو كان الثمر مباحا وإن لم يكن مأكولا بل مشموما أو نحوه لئلا يتنجس ثمارها فتفسد أو تعافها الأنفس ، ولا فرق بين وقت الثمرة وغيره ، والكراهة في الغائط أشد منها في البول خلافا لما أشار إليه في الشرح الصغير ، لأن البول يطهر بالماء وبجفافه بالشمس والريح في قول ، بخلاف الغائط فإنه لا يطهر مكانه إلا بالنقل ، ولا يطهر بصب الماء عليه .

                                                                                                                            ويمكن أن يقال : إنها في الغائط أخف من حيث إنه يرى فيجتنب أو يطهر ، وفي البول أخف من حيث إقدام الناس على أكل ما طهر منه بخلاف الغائط وعلى هذا يحمل الخلاف ومحل ذلك ما لم يعلم طهره قبل الثمرة بنحو نيل أو سيل وإلا فلا كراهة ، زاد المصنف على أصله قوله

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : في ماء قليل ) خرج به الكثير فلا يحرم ، وعبارة سم على منهج في أثناء كلام : ونقلوا عن النووي أن المستجمر إذا أراد النزول في الماء إن كان قليلا حرم لأن فيه تضمخا بالنجاسة أو كثيرا لم يحرم .

                                                                                                                            وبحث النووي عدم الكراهة لأنه ليس كالبول فيه ، ونازعوه بأن الوجه الكراهة ، بل هو أولى بها من مجرد الاغتسال في الماء الواقف .

                                                                                                                            ويمكن حمل كلام النووي على ما إذا كان مستجمرا من البول والغائط بحيث لم يبق عين أصلا ، بخلاف ما إذا بقي عين خصوصا إذا كثرت فليتأمل ( قوله : القبر المحترم ) وبحث حرمته بقرب قبور الأنبياء ا هـ سم .

                                                                                                                            وتشتد الكراهة عند قبور الأولياء والشهداء .

                                                                                                                            قال الأذرعي : والظاهر تحريمه بين القبور المتكرر نبشها لاختلاط تربتها بأجزاء الميت ا هـ سم على بهجة .

                                                                                                                            وظاهر ما ذكره من الحرمة بقرب قبور الأنبياء أنه لا يتقيد بكونه على وجه يعد إزراء بهم ، ويوجه بأن مثل ذلك إزراء فلا يحتاج إلى قصد ، لكن تقدم عن سم بالنسبة للمصحف أنه يحرم ذلك إذا كان على وجه يعد إزراء ، قال : بل قد يكفر به ، وكذا يقال في استقبال القبر المكرم واستدباره ا هـ .

                                                                                                                            وعليه فيفرق بين الاستقبال والقرب منه ، فإن الاستقبال قد لا يعد إزراء ، بخلاف القرب فإن البول معه يعد إزراء بصاحب القبر ( قوله ويحرم عليه ) بقي أن غير البول من سائر النجاسات هل يلحق به أو لا ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الإلحاق بل هو مقتضى قولهم يحرم التضمخ بالنجاسة في الطعام وغيره قصدا ( قوله : وعلى نحو عظم ) أي ويحرم على نحو عظم إلخ ، وهل يحرم إلقاؤه في النجاسة للعلة المذكورة قياسا على البول عليه أو يفرق ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ( قوله : بخلاف القصد ) أي ولو بلا حاجة إلى القصد ( قوله : أو قزح ) هو غير مصروف كما قاله في المختار ( قوله : أن المرجح الكراهة ) أي فيكون الراجح في جميع ما تقدم [ ص: 140 ] من الصفا إلخ الكراهة ، لكن قد يشكل عليه ما وجه به الحرمة من أنها محال شريفة ، لا أن يقال إن مجرد شرفها لا يقتضي الحرمة ، بل يكفي فيه الكراهة كما في استقبال بيت المقدس هذا ، ونازع فيه سم على منهج في البناء قال بعد نقله البناء عن م ر فليتأمل ، فإن البناء ممنوع ، والفرق بين ذلك وبين الطريق قريب ا هـ .

                                                                                                                            وهو ما أشار إليه الشارح من أنها محال شريفة فحرمة البول بها ليس مجرد الانتفاع بها ( قوله : وجحر ) ولو تحقق أنه ليس فيه حيوان يؤذي بل ما لا يؤذي ، وكان يلزم من بوله عليه قتله ينبغي أن يقال إن ندب قتله وكان يموت بسرعة فلا حرمة ولا كراهة وإن كره قتله ، فإن كان يموت بسرعة فالكراهة فقط ، وإن كان لا يموت بسرعة بل يحصل له تعذيب حرم للأمر بإحسان القتلة ، وإن كان يباح قتله فإن حصل تعذيب حرم أو انتفى التعذيب ، فإن لم يحصل تأذ فيتجه عدم الكراهة ، لكن ظاهر كلامهم الكراهة ، وإن حصل تأذ يتجه الكراهة كما هو قضية إطلاقهم فليحرر محل كلامهم من ذلك ا هـ سم على منهج ( قوله وهو الثقب ) بالفتح واحد الثقوب ، والثقب بالضم جمع ثقبة كالثقب بفتح القاف ا هـ مختار .

                                                                                                                            وفي الخطيب على أبي شجاع أنه بضم المثلثة وسكون القاف ا هـ .

                                                                                                                            قلت : القياس ما في المختار لأنه في الأصل مصدر ثقبه ، والقياس فيه الفتح كما في مصدر قتل ونصر ، وعبارة شرح الروض بفتح المثلثة أفصح من ضمها ( قوله : وقت هبوبها ) ومثله غلبة هبوبها إذا غلب على ظنه هبوبها من جهته التي هو فيها كما صرح به الشارح في شرح العباب ( قوله : خلافا لمن قال بها ) قد يشعر بموافقتهم قول حج : وكالمائع جامد يخشى عود ريحه والتأذي به ، وقوله لما فيه علة لقوله لمن قال بها ( قوله : ومتحدث ) أما محل الاجتماع لحرام : أي أو مكروه فلا كراهة فيه ، بل ولا يبعد ندب ذلك تنفيرا لهم شرح الإرشاد لشيخنا حج ا هـ سم على منهج ، بل لو قيل بالوجوب حيث غلب على الظن منعهم من الاجتماع لمحرم وتعين طريقا لدفعهم لم يبعد ( قوله : قال الذي يتخلى ) المناسب لقوله اتقوا أن يحملا على الفعلين ، فيكون قوله قال الذي على حذف مضاف : أي تخلى الذي ، ويكفي المطابقة بحسب المعنى فلا يجوز الإفراد ، ويجوز أن يحملا على الشخصين بتقدير اتقوا فعل اللعانين وهو ظاهر تسببا . إلخ ، فلا حذف في الذي يتخلى ومطابقته بحسب المعنى ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وقوله وطريق لعل الكلام في طريق يستحق الناس المرور بها لكونها موقوفة أو مسبلة لذلك ومباحة ، بخلاف المملوكة له ، لكن مقتضى ذلك جواز قضاء الحاجة في الموقوفة والمسبلة للمرور مع أنه تصرف في غير ملك له ولا في مباح ، ويحتمل أن يلتزم الجواز حيث لا ضرر على الأرض بوجه ، ولا يختلف المقصود بها بذلك كأرض فلاة وقفا أو ملكا ا هـ سم على منهج ( قوله : كراهة تنزيه إلخ ) ولو [ ص: 141 ] زلق أحد فيه وتلف فلا ضمان على الفاعل وإن غطاه بتراب أو نحوه ، لأنه لم يحدث في التالف فعلا وما فعله جائز له ( قوله : ولا فرق بين وقت الثمرة وغيره ) يدخل في ذلك ما من شأن نوعه أن يثمر لكنه لم يبلغ أوان الإثمار عادة كالودي الصغير وهو ظاهر سم على منهج : أي فيكره البول تحته ما لم يغلب على الظن حصول ما يظهره قبل أوان الإثمار



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ويكره البول ونحوه ) عبارة غيره التبرز ( قوله : بقرب القبر المحترم ) [ ص: 140 - 141 ] هل يشمل قبر نحو الذمي ( قوله : وعلى هذا يحمل الخلاف ) يعني يوجه كل من طرفي الخلاف وإلا فالذي ذكره ليس بمحل للخلاف




                                                                                                                            الخدمات العلمية