الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويقف ) ندبا المقتدي وتعبيره بذلك وفيما سيأتي للغالب ، فلو لم يصل واقفا كان الحكم كذلك ( الذكر ) ولو صبيا إذا لم يحضر غيره ( عن يمينه ) لما صح عن { ابن عباس أنه وقف عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ برأسه فأقامه عن يمينه } . ويؤخذ منه أنه لو فعل أحد من المقتدين خلاف السنة استحب للإمام إرشاده إليها بيده أو غيرها إن وثق منه بالامتثال ، ولا يبعد أن يكون المأموم في ذلك مثله في الإرشاد المذكور ، ويكون هذا مستثنى من كراهة الفعل القليل بل في المجموع ، والتحقيق أنه لو وقف عن يساره أو خلفه ندب التحويل إلى اليمين وإلا فليحوله الإمام لحديث ابن عباس ، ومقتضاه عدم الفرق بين الجاهل وغيره وهو الأقرب وإن اقتضى كلام المهذب اختصاصه به ( فإن حضر ) ذكر ( آخر أحرم ) ندبا ( عن يساره ) بفتح الياء على الأفصح ، فإن لم يكن بيساره محل أحرم خلفه ثم تأخر إليه من هو على اليمين ، ولو خالف ذلك كره وفاتت به [ ص: 192 ] فضيلة الجماعة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            نعم إن عقب تحرم الثاني تقدم الإمام أو تأخرهما نالا فضيلتها ، وإلا فلا تحصل لواحد منهما كما يعلم من قوله ( ثم ) بعد إحرامه لا قبله ( يتقدم الإمام أو يتأخران ) في القيام ويلحق به الركوع كما بحثه الشيخ رحمه الله تعالى خلافا للبلقيني ( وهو ) أي تأخرهما ( أفضل ) من تقدم إمامه عند إمكان كل منهما لأن الإمام متبوع فلا يناسبه الانتقال ، فإن لم يمكن إلا أحدهما فعل الممكن لتعينه في أداء السنة وأصل ذلك خبر مسلم عن جابر رضي الله عنه { قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدارني عن يمينه ، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يساره ، فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه } أما في غير القيام وما ألحق به ولو كان تشهدا آخرا فلا يسن فيه ذلك وإن أوهم كلام الروضة خلافه لأنه لا يتأتى إلا بعمل كثير أو يشق غالبا ( ولو حضر ) ابتداء معا أو مرتبا ( رجلان ) أو صبيان ( أو رجل وصبي صفا خلفه ) للاتباع أيضا ، ويسن أن لا يزيد ما بينه وبينهما كما بين كل صفين على ثلاثة أذرع .

                                                                                                                            ( وكذا لو حضر امرأة ) ولو محرما أو زوجة ( أو نسوة ) تقوم أو يقمن خلفه لخبر أنس السابق ، فإن حضر معه ذكر وامرأة وقف الذكر عن يمينه والمرأة خلف الذكر ، أو امرأة وذكران [ ص: 193 ] وقفا خلفه وهي خلفهما ، أو ذكر وامرأة وخنثى وقف الذكر عن يمينه والخنثى خلفهما لاحتمال أنوثته والمرأة خلفه لاحتمال ذكورته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وتعبيره بذلك ) أي بيقف .

                                                                                                                            ( قوله : عن يمينه ) أظن م ر قرر أنه لو كان المأموم إذا وقف على يمين الإمام لا يسمع قراءته ولا انتقالاته ، ولو وقف على اليسار سمع ذلك وقف على اليسار انتهى سم على منهج لكن سيأتي له في قوله وأفضل كل صف إلخ ما يخالفه فليتأمل ، ومراده بعدم العلم بانتقالاته عدم رؤية أفعاله كما يأتي ( قوله : { أنه وقف عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم } ) أي وكان يصلي نفلا لا تطلب فيه الجماعة وفعله بيانا للجواز .

                                                                                                                            ( قوله : فأخذ برأسه ) لعله بحسب ما اتفق له صلى الله عليه وسلم ، وإلا فتحويل الإمام للمأموم لا يتقيد بذلك بدليل الرواية الآتية فأخذ بأيدينا إلخ ، أو أنه لما كان صغيرا وهو يلزم منه قصره سهل عليه تناول رأسه دون يده مثلا ، أو أن ذلك خصوصية له صلى الله عليه وسلم لما هو ظاهر أن ذلك يتعذر على غيره .

                                                                                                                            ( قوله : أنه لو فعل أحد من المقتدين ) أي به بالفعل ليخرج مريد القدوة ، وينبغي أن مثل ذلك إرشاد مريد القدوة كما لو أراد الداخل الوقوف على يسار الإمام وأمكنه إرشاده للوقوف على يمينه ، أو رآه يسرع في المشي فيشير إليه ليمشي بالتأني .

                                                                                                                            ( قوله : أن يكون المأموم في ذلك مثله ) أي مثل الإمام في إرشاد غيره ولو الإمام .

                                                                                                                            ( قوله : اختصاصه به ) أي بالجاهل .

                                                                                                                            ( قوله : على الأفصح ) مقابله الكسر .

                                                                                                                            ( قوله : ولو خالف ذلك كره ) [ ص: 192 ] ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين العالم والجاهل . ولو قيل باغتفار ذلك في حق الجاهل وإن بعد عهده بالإسلام وكان مخالطا للعلماء وأنه لا تفوته فضيلة الجماعة لم يكن بعيدا لأن هذا مما يخفى ، ولا يخالف هذا ما تقدم عن الإيعاب في التقدم على الإمام من أنه لا يضر في حق الجاهل حيث عذر .

                                                                                                                            ( قوله : في القيام ) ومنه الاعتدال لأنه قيام في الصورة .

                                                                                                                            ( قوله : من تقدم إمامه ) أي المقتدي وكان الأولى أن يقول إمامهما .

                                                                                                                            ( قوله : فإن لم يمكن إلا أحدهما ) أي لضيق المكان من أحد الجانبين أو نحوه كما لو كان بحيث لو تقدم الإمام سجد على نحو تراب يشوه خلقه أو يفسد ثيابه أو يضحك عليه الناس .

                                                                                                                            ( قوله : فعل الممكن لتعينه في أداء السنة ) أي فإن لم يفعل التقدم أو التأخر من أمكنه دون الآخر فهل تفوت الفضيلة عليه دون من لم يمكنه تقدم ولا تأخر لعدم تقصيره أو تفوتهما معا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لما مر من عدم تقصير من لم يتمكن . وسئل الشهاب الرملي عما أفتى به بعض أهل العصر أنه إذا وقف صف قبل إتمام ما أمامه لم تحصل له فضيلة الجماعة هل هو معتمد أو لا ؟ فأجاب بأنه لا تفوته فضيلة الجماعة بوقوفه المذكور . وفي ابن عبد الحق ما يوافقه وعبارته : ليس منه كما يتوهم صلاة صف لم يتم ما قبله من الصفوف فلا تفوت بذلك فضيلة الجماعة وإن فاتت فضيلة الصف انتهى . وعليه فيكون هذا مستثنى من قولهم مخالفة السنن المطلوبة في الصلاة من حيث الجماعة مكروهة مفوتة للفضيلة .

                                                                                                                            ( قوله : جبار ) هو بجيم وموحدة وألف وآخره راء مهملة ا هـ بكري .

                                                                                                                            ( قوله : وما ألحق به ) أي وهو الركوع كما قدمه .

                                                                                                                            ( قوله : صفا خلفه ) أي بحيث يكون محاذيا لبدنه . وقال المحقق المحلي : أي قاما صفا ا هـ . وهذا الحل منه يقتضي أن يقرأ قول المصنف صفا بفتح الصاد مبنيا للفاعل وهو جائز كبنائه للمفعول ، فإن صف يستعمل لازما ومتعديا فيقال : صففت القوم فاصطفوا وصفوا ا هـ مصباح بالمعنى .

                                                                                                                            ( قوله : أن لا يزيد ما بينه وبينهما ) أي ما بين الرجلين أو الرجل والصبي .

                                                                                                                            ( قوله : فإن حضر معه ذكر وامرأة إلخ ) [ ص: 193 ] ظاهره وإن كانت المرأة محرما للذكر وهو موافق لما قدمه في قوله ولو محرما أو زوجة وهو ظاهر لاختلاف الجنس . وعبارة عميرة : لو كانت المرأة محرما للرجل فالظاهر أنهما يصفان خلفه .

                                                                                                                            ( قوله : والخنثى خلفهما ) أي بحيث يحاذيهما ، لكن قضية قوله لاحتمال إلخ أن الخنثى يقف خلف الرجل وصدق عليه أنه خلفهما



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : بل في المجموع ) لا معنى لذكر بل هنا وعبارة الإمداد بعد ما مر : ثم رأيت في المجموع والتحقيق إلخ ( قوله : فإن خالف ذلك ) أي فإن خالف الآخر فأحرم عن اليمين أيضا فإن هذا [ ص: 192 ] هو الذي في فتاوى والده وإن كان قوله : فإن خالف صادقا بغير ذلك أيضا والحكم فيه صحيح ( قوله : نعم إلخ ) من جملة فتوى والده وإن أوهم سياقه خلافه ( قوله : وإلا فلا تحصل لواحد منهما ) أي وإن حصل التقدم أو التأخر بعد ذلك حيث انتفت العقبية وظاهره أن فضيلة الجماعة تنتفي في جميع الصلاة وإن حصل التقدم أو التأخر بعد وهو مشكل ، وفي فتاوى والده في محل آخر ما يخالف ذلك فليراجع ( قوله : كما يعلم من قوله ) في علمه منه منع ظاهر ( قوله : ويسن أن لا يزيد ما بينه وبينهما إلخ ) أي فإن زاد فاتت فضيلة الجماعة كما علم مما مر ( قوله : لخبر أنس السابق ) [ ص: 193 ] لم يسبق له ذكر في كلامه ، والجلال المحلي ذكره هنا لكن بعد ذكره ما سيأتي في الشارح على الأثر من قوله : فإن حضر ذكر وامرأة إلخ .

                                                                                                                            ولفظ الجلال روى الشيخان عن أنس قال { صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم ، فقمت أنا ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا } .




                                                                                                                            الخدمات العلمية