الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            أما المسبوق وهو بخلافه وهو ما بينه بقوله ( فأما مسبوق ركع الإمام في ) أثناء قراءة ( فاتحته فالأصح أنه إن لم يشتغل بالافتتاح والتعوذ ) بأن قرأ عقب تحرمه ( ترك قراءته وركع ) معه لأنه لم يدرك سوى ما قرأه ( وهو ) بركوعه معه وإن أدركه قبل قيامه عن أقل الركوع ( مدرك للركعة ) فيتحمل الإمام عنه ما بقي منها كما يتحمل عنه جميعها لو أدركه راكعا أو ركع عقب تحرمه ، فإن [ ص: 228 ] تخلف بعد قراءة ما أدركه من الفاتحة لإتمامها وفاته الركوع معه وأدركه في الاعتدال بطلت ركعته لعدم متابعته في معظمها وكان تخلفه بلا عذر فيكون مكروها ، ولو ركع الإمام قبل فاتحة المسبوق فحكمه كما لو ركع فيها ( وإلا ) بأن اشتغل بهما أو بأحدهما أو لم يشتغل بشيء بأن سكت بعد تحرمه زمنا قبل أن يقرأ مع علمه بأن الفاتحة واجبة ( لزمه قراءة ) منها ( بقدره ) أي بقدر حروفه في ظنه كما هو ظاهر ، أو بقدر زمن سكوته لأنه بالعدول من الفرض إلى غيره منسوب إلى تقصير في الجملة ، والثاني يوافقه مطلقا ويسقط باقيها لخبر { إذا ركع فاركعوا } واختاره الأذرعي تبعا لترجيح جماعة ، والثالث يتم الفاتحة مطلقا لأنه أدرك القيام الذي هو محلها فلزمته ، وعلى الأول متى ركع قبل وفاء ما لزمه عامدا عالما بطلت صلاته وإلا لم يعتد بما فعله ، ومتى ركع إمامه وهو متخلف لما لزمه وقام من ركوعه فاتته الركعة بناء على أنه متخلف بغير عذر ، ومن عبر بعذره نظر إلى أنه ملزوم بالقراءة كما أشار لذلك الشارح ، ثم إذا فرغ قبل هوي إمامه لسجوده وافقه ولا يركع وإلا بطلت إن كان عامدا عالما ، وإن فاته للركوع ولم يفرغ وقد أراد الإمام الهوي للسجود فقد تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه وبطلان صلاته بهوي الإمام للسجود لما تقرر من كونه متخلفا بغير عذر ، فلا مخلص له عن هذين إلا نية المفارقة فتعين عليه حذرا من بطلان صلاته عند عدمها بكل تقدير ، ويشهد له ما مر في متعمد ترك الفاتحة وبطيء لوسوسة ظاهرة ، وما نقله الشيخ عن التحقيق واعتمده من لزوم متابعته في الهوي حينئذ ، ويوجه بأنه لما لزمته متابعته حينئذ سقط موجب تقصيره من التخلف لقراءة قدر ما لحقه فغلب واجب المتابعة ، وعليه فلا يلزمه مفارقته بحسب ما فهمه من كلامه ، وإلا فعبارته صريحة في تفريعه على المرجوح ، أما إذا جهل أن واجبه ذلك فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر قاله القاضي .

                                                                                                                            قال الفارقي : وصورة تخلفه للقراءة أن يظن أنه يدرك الإمام قبل [ ص: 229 ] سجوده وإلا فليتابعه قطعا ولا يقرأ ، وذكر مثله الروياني في حليته والغزالي في إحيائه ، لكن الذي نص عليه في الأم أن صورتها أن يظن أنه يدركه في ركوعه ، وإلا فيفارقه ويتم صلاته ، نبه على ذلك الأذرعي وهو المعتمد ، لكن يتجه لزوم المفارقة له عند عدم ظنه ذلك ، فإن لم يفعل أثم ولكن لا تبطل صلاته حين يصير متخلفا بركنين .

                                                                                                                            وقضية التعليل بما ذكر أنه إذا ظن إدراكه في ركوعه فأتى بالافتتاح والتعوذ فركع إمامه على خلاف عادته بأن اقتصر على الفاتحة وأعرض عن السنة التي قبلها والتي بعدها يركع معه وإن لم يكن قرأ من الفاتحة شيئا ، ومقتضى إطلاق الشيخين وغيرهما عدم الفرق وهو المعتمد كما قاله الشيخ لبقاء محل القراءة ، ولا نسلم أن تقصيره بما ذكر منتف في ذلك ، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله ترك قراءته أو ركع ) أي ندبا [ ص: 228 ] لما يأتي من أن التخلف مكروه .

                                                                                                                            ( قوله : بطلت ركعته ) أي فيوافقه فيما هو فيه بعد فلو ركع عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته .

                                                                                                                            ( قوله : وكان تخلفه بلا عذر ) أي بأن كان عامدا عالما .

                                                                                                                            ( قوله : ولو ركع الإمام ) هذا مساو لقوله قبل أو ركع عقب تحرمه .

                                                                                                                            ( قوله : والثالث يتم الفاتحة مطلقا ) أي اشتغل بسنة أم لا .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا ) أي بأن لم يكن عامدا عالما ، وقوله لم يعتد بما فعله : أي فيأتي بركعة بعد سلام إمامه .

                                                                                                                            ( قوله : متخلف بغير عذر ) معتمد . ( قوله الهوي للسجود ) أي الأول . ( قوله : أما إذا جهل ) محترز قوله إن كان عامدا عالما .

                                                                                                                            ( قوله : فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر ) [ ص: 229 ] قضية هذا أنه كبطيء القراءة مع أنه فرضه في المسبوق والمسبوق لا يدرك ركعة إلا بالركوع مع الإمام ا هـ سم على حج . وهذا محترز قوله قبل مع علمه بأن الفاتحة واجبة ، ويمكن الجواب عن اعتراض سم بأن المراد بكونه معذورا في التخلف عدم بطلان صلاته بما فعله ولا يلزم منه حسبان الركعة له فليراجع .

                                                                                                                            ( قوله : حتى يصير متخلفا بركنين ) أي بأن هوى الإمام للسجود الأول ( قوله : وقضية التعليل بما ذكر ) أي من قوله بعد قول المصنف لأنه بالعدول من الفرض إلى غيره منسوب إلى تقصير في الجملة ( قوله ومقتضى إطلاق الشيخين وغيرهما عدم الفرق ) أي بين ظنه إدراك الفاتحة وعدم إدراكها ، وعليه فإن كان أدرك مع إمامه زمنا يسع الفاتحة فهو كبطيء القراءة وإلا فيقرأ بقدر ما فوته



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وإن أدركه قبل قيامه عن أقل الركوع ) أي وأتم الركوع قبل انفصال الإمام عن أقله كما هو ظاهر ، ولو حذف الواو من قوله وإن لكان أوضح [ ص: 228 ] قوله : فحكمه كما لو ركع فيها ) أي في أنه إن لم يشتغل بالافتتاح والتعوذ بترك قراءته ويركع فهو تتميم لما في المتن ، وليس مساويا لقوله أو ركع عقب تحرمه كما لا يخفى خلافا لما في حاشية الشيخ ( قوله : أو بقدر زمن سكوته ) أي من القراءة المعتدلة على قياس ما مر له في ضابط الموافق فليراجع ( قوله : وإلا لم يعتد بما فعله ) وهل يجب عليه العود لتتميم الفائدة مع نية المفارقة إذا هوى الإمام للسجود إذا علم بالحال إذ حركته غير معتد بها حينئذ فلا وجه لمضيه لما هو فيه أو لا يجب ؟ الظاهر الأول فليراجع ( قوله : بكل تقدير ) أي من تقديري التخلف والسجود مع الإمام ( قوله : وقد نقل الشيخ عن التحقيق واعتمده لزوم متابعته في الهوي ) أي مخالفا لما مر من وجوب المفارقة فهو ضعيف ، وقد نبه الشهاب سم على أن ما نسب للتحقيق لم يذكره فيه إلا على وجه ضعيف ( قوله : ويوجه أنه لما لزمته متابعته حينئذ ) عبارة التحفة : ويمكن توجيهه بأنه لما لزمته المتابعة قبل المعارضة استصحب وجوبها وسقط إلخ ( قوله : أما إذا جهل أن واجبه ذلك ) محترز قوله في حل المتن مع علمه بأن الفاتحة واجبة ( قوله : فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر ) قال الشهاب سم : قضية هذا أنه كبطيء القراءة مع أنه فرضه [ ص: 229 ] في المسبوق والمسبوق لا يدرك ركعة إلا بالركوع مع الإمام .

                                                                                                                            أقول : يحتمل أن يكون هذا مراد القاضي فيكون مخصصا لقولهم إن المسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام ، فيكون محله في العالم بأن واجبه القراءة ، ويحتمل وهو الأقرب واقتصر عليه شيخنا في الحاشية أن مراد القاضي أن صلاته لا تبطل بتخلفه إلى ما ذكر ، فيكون محل بطلانها بهوي الإمام للسجود إذا لم يفارقه في غير هذه الصورة لكن تفوته الركعة ، وليس معنى كونه متخلفا بعذر أنه يعطى حكم المعذور من كل وجه ، ولا إشكال في ذلك وإن أشار الشهاب المذكور إلى إشكاله بما ذكره .

                                                                                                                            ألا ترى أنا إذا لم نجعله معذورا يلزمه التخلف لقراءة قدر ما صرفه للسنة مع فوات الركعة ولا يفيده ذلك إدراك الركعة كما مر ( قوله : لكن يتجه لزوم المفارقة له إلخ ) مراده به بيان أن المراد بقول الأم وإلا فيفارقه أنه يجب عليه ذلك ، فإن لم يفعل أثم ولكن لا تبطل صلاته حتى يصير متخلفا بركنين فما تقدم على إطلاقه ( قوله : وقضية التعليل ) أي كما قال الأذرعي ومراده تعليل المتن الذي مر عقبه ( قوله : وهو المعتمد كما قاله الشيخ ) قال الشهاب سم : وأقول ينبغي أن المراد بالمقتضى المذكور : أي مقتضى كلام الشيخين أنه إذا كان الزمن الذي أدركه يسع جميع الفاتحة تخلف لها كبطيء القراءة ، أو بعضها لزمه التخلف لقراءة قدره فليتأمل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية