الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولما كان القصر أهم هذه الأمور بدأ المصنف به فقال ( إنما ) ( تقصر رباعية ) لا صبح ومغرب بالإجماع وأما خبر مسلم { فرضت الصلاة في الخوف ركعة } فمحمول على أنه يصليها فيه مع الإمام وينفرد بالأخرى ، إذ الصبح لو قصرت لم تكن شفعا وخرجت عن موضوعها ، والمغرب لا يمكن قصرها إلى ركعتين ; لأنها لا تكون إلا وترا ولا إلى ركعة لخروجها بذلك عن باقي الصلوات .

                                                                                                                            ولا بد أن تكون الرباعية مكتوبة من الخمس فلا تقصر منذورة ولا نافلة لعدم وروده ( مؤداة ) وفائتة السفر الآتية ملحقة بها فلا ينافي الحضر ، أو أنه إضافي لا سيما وقد نص عليها بعد ذلك فلا تقصر فائتة الحضر في السفر كما سيأتي ( في السفر الطويل ) اتفاقا في الأمن وعلى الأظهر في الخوف [ ص: 248 ] ( المباح ) أي الجائز سواء كان واجبا أم مندوبا مباحا أم مكروها ، ومنه أن يسافر وحده منفردا لا سيما في الليل لخبر أحمد وغيره { كره صلى الله عليه وسلم الوحدة في السفر ولعن راكب الفلاة وحده } أي إن ظن لحوق ضرر به وقال { الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب } فيكره أيضا اثنان فقط لكن الكراهة فيهما أخف ، وصح خبر { لو يعلم الناس ما أعلم في الوحدة ما سار راكب بليل وحده } نعم من كان أنسه بالله تعالى بحيث صار أنسه مع الوحدة كأنس غيره مع الرفقة لم يكره في حقه ما ذكر فيما يظهر ، كما لو دعت حاجة إلى الانفراد والبعد عن الرفقة إلى حد لا يلحقه غوثهم فلا يكون بمنزلة الوحدة كما لا يخفى ، فلا قصر في سفر المعصية كما سيأتي ، ولو خرج لجهة معينة تبعا لشخص لا يعلم سبب سفره أو لتنفيذ كتاب لا يعلم ما فيه " فالمتجه كما قاله الإسنوي إلحاقه بالمباح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولما كان القصر أهم ) أي من حيث إن فيه ترك بعض الصلاة ولكونه متفقا عليه بيننا وبين الحنفية ( قوله : لا صبح ومغرب بالإجماع ) نعم حكي عن بعض أصحابنا جواز قصر الصبح في الخوف إلى ركعة ا هـ حج . وكأنه لشذوذه لم يعتد به في مخالفة الإجماع ، وفي حجر أيضا : وعمم ابن عبد السلام ومن تبعه القصر إلى ركعة في الخوف في الصبح وغيرها لعموم الحديث المذكور .

                                                                                                                            ( قوله : ولا بد أن تكون الرباعية مكتوبة ) الظاهر أنه يجوز قصر المعادة ، ولا ينافيه قولهم شرط القصر المكتوبة ; لأن المراد المكتوبة ولو أصالة ، ولهذا يجوز للصبي القصر مع أنها غير مكتوبة في حقه ، وذلك لأنه قيل إن الفرض إحداهما ، ومن ثم وجبت نية الفرضية فليست نفلا محضا مبتدأ حتى يمتنع القصر ، وله إعادتها تامة : أي إن صلاها مقصورة ، ولو صلاها تامة ينبغي أن يمتنع إعادتها مقصورة م ر ا هـ سم على منهج : أي وذلك ; لأن الإتمام هو الأصل ، والإعادة فعل الشيء ثانيا بصفته الأولى ، وكان مقتضاه أنه إذا قصر الأولى لا يعيدها إلا مقصورة ، لكن لما كان الإتمام هو الأصل جاز إعادتها تامة ، وينبغي أن محل ذلك إذا لم يعدها لخلل في الأولى [ ص: 248 ] أو خروجا من الخلاف وإلا جاز له قصر الثانية وإتمامها حيث كان يقول به المخالف ، وسيأتي للشارح أن الأوجه إعادتها مقصورة بعد قول المصنف : ولو اقتدى بمتم لحظة لزمه الإتمام .

                                                                                                                            ( قوله : ومنه ) أي من المكروه ، وقوله أن يسافر وحده ولو قصر السفر ، وقوله منفردا في حج إسقاط منفردا وهو أولى للعلم بالانفراد عن قوله وحده ، ويمكن أن يقال الجمع بينهما تأكيد .

                                                                                                                            ( قوله : وقال { الراكب شيطان } ) أي كالشيطان في أنه يبعد عن الناس لئلا يطلع على أفعاله القبيحة ، ومثله يقال فيما بعده .

                                                                                                                            ( قوله : لكن الكراهة فيهما أخف ) أي من الواحد .

                                                                                                                            ( قوله : ما سار راكب بليل ) خص الراكب والليل ; لأنهما مظنة الخوف أكثر ، وإلا فمثل الراكب الماشي ومثل الليل النهار .

                                                                                                                            ( قوله : تبعا لشخص لا يعلم سبب سفره ) دخل فيه ما لو لم يظن من حال متبوعه شيئا ، وقوله سبب سفره مفهومه أنه لو علم أن متبوعه مسافر لمعصية لا يجوز له السفر معه ولا الترخص بتقدير سفره لعصيانه به ، وقد يتوقف فيه إذا كان التابع لا يشاركه في المعصية التي سافر لأجلها ، ثم رأيت ما سيأتي في الفصل الآتي في قول الشارح بعد قول المصنف ولا يعلم موضعه وإن امتنع على المتبوع القصر فيما يظهر إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : فالمتجه كما قاله الإسنوي إلخ ) وينبغي أن مثل ذلك ما لو أكره على إيصاله وعلم أن فيه معصية ; لأنه لا يلزم من إيصاله وقوع المعصية



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أو أنه إضافي ) أي لا فائتة الحضر ( قوله : وعلى الأظهر في الخوف ) لعل مقابل الأظهر [ ص: 248 ] لا يشترط الطول في الخوف فليراجع ( قوله : أي إن ظن لحوق ضرر به ) هذا إنما يحتاج إليه بالنسبة للحديث الثاني ، ; لأن اللعن فيه يؤذن بالحرمة فهو قاصر عليه ( قوله : تبعا لشخص لا يعلم سبب سفره ) أفهم أنه إذا علمه وأنه معصية لا يقصر ، وأشار الشيخ في الحاشية إلى أن هذا المفهوم غير مراد أخذا من قول الشارح في الفصل الآتي عقب قول المصنف لا يعلم موضعه ، وإن امتنع على المتبوع القصر فيما يظهر من كلامهم ، وقد يمنع هذا الأخذ بعمومه ; لأن ما يأتي مفروض في الأسير فهو مقهور فلم يوجد منه سبب في معصية أصلا فلا يؤخذ منه حكم عموم التابع وإن لم يكن مقهورا فليراجع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية