الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وأهل القرية ) مثلا ( إن كان فيهم جمع تصح به الجمعة ) أي تنعقد بهم وهم أربعون بالصفات الآتية ( أو ) ليس فيهم جمع كذلك لكن ( بلغهم صوت ) من مؤذن مع اعتدال سمع من بلغه وإن كان واحدا ليخرج الأصم ، ومن جاوز سمعه العادة فلا عبرة به ، ويعتبر في البلوغ العرف : أي بحيث يعلم [ ص: 290 ] أن ما سمعه نداء جمعة وإن لم يبين كلمات الأذان فيما يظهر خلافا لمن اشترط ذلك ( عال ) يؤذن كعادته في علو الصوت ( في هدو ) أي سكون للأصوات والرياح ( من طرف يليهم لبلد الجمعة لزمتهم ) لخبر { الجمعة على من سمع النداء } ولأن القرية كالبلد في المسألة الأولى ، والمعتبر أن يكون المؤذن على الأرض لا على عال ، لأنه لا ضبط لحده إلا أن تكون البلدة في الأرض بين أشجار كطبرستان فإنها بين أشجار تمنع بلوغ الصوت فيعتبر فيها العلو على ما يساوي الأشجار ، واستثناؤهم ذلك لبيان أن المعتبر السماع لو لم يكن مانع فعند وجوده يقدر زواله أو العلو على ما يساويه .

                                                                                                                            واعتبر الطرف الذي يليهم لأن البلدة قد تكبر بحيث لا يبلغ أطرافها النداء بوسطها فاحتيط للعبادة واعتبر هدو الأصوات والرياح لئلا يمنعا بلوغ النداء أو تعين غلبة الرياح ، ولو سمع المعتدل من بلدين فحضور الأكثر منهما جماعة أولى ، فإن استويا فالأوجه مراعاة الأقرب كنظيره في الجماعة ، ويحتمل مراعاة الأبعد لكثرة الأجر ( وإلا ) أي وإن لم يكن فيهم الجمع المذكور ولا بلغهم الصوت المعتبر ( فلا ) تلزمهم الجمعة ولو كانت القرية مرتفعة فسمعت ولو ساوت لم تسمع ، أو كانت منخفضة فلم تسمع ولو ساوت لسمعت لزمت الثانية دون الأولى اعتبارا بتقدير الاستواء ، وأما الخبر المار فمحمول على الغالب ، إذ لو أخذ بظاهره لزمت البعيد المرتفع دون القريب المنخفض وهو بعيد وإن صححه في الشرح الصغير ، وهل المراد بقولهم لو كان بمنخفض لا يسمع النداء ولو استوت لسمعه لزمته الجمعة أن تبسط هذه المسافة أو أن يطلع فوق الأرض مسامتا لما هو فيه المفهوم [ ص: 291 ] من كلامهم المذكور الاحتمال الثاني كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى في فتاويه . ولو كان بقرية أربعون كاملون حرم عليهم كما أفهمه كلام الرافعي .

                                                                                                                            وصرح به جمع متقدمون أن يصلوها في المصر سمعوا النداء أم لا لتعطيلهم الجمعة في محلهم ، خلافا لمن صرح بالجواز ، وينبني عليه سقوط الجمعة عنهم لو فعلوا وإن قلنا بعدم الجواز ، إذ الإساءة لا تنافي الصحة ، ولو وافق العيد يوم الجمعة فحضر أهل القرية الذين بلغهم النداء لصلاة العيد فلهم الرجوع قبل صلاتها وتسقط عنهم وإن قربوا منها وسمعوا النداء وأمكنهم إدراكها لو عادوا إليها لخبر { من أحب أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحب أن ينصرف فليفعل } رواه أبو داود ولأنهم لو كلفوا بعدم الرجوع أو بالعود إلى الجمعة لشق عليهم والجمعة تسقط بالمشاق فتستثنى هذه من إطلاق المصنف ومقتضى التعليل أنهم لو لم يحضروا كأن صلوا العيد بمكانهم لزمتهم الجمعة وهو كذلك ومحل ما مر ما لم يدخل وقتها قبل انصرافهم فإن دخل عقب سلامهم من العيد لم يكن لهم تركها كما استظهره الشيخ .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ومن جاوز سمعه العادة فلا عبرة به ) أي فيجب على الأصم دون من جاوز سمعه العادة لما فيه من المشقة . فإن قلت : قياس ما في الصوم من أن حديد البصر إذا رأى الهلال يجب عليه الصوم وجوب الحضور هنا . قلت : الفرق بينهما أن المدار في الصوم على العلم بوجود الهلال وقد حصل برؤية حديد البصر ، والمدار هنا على مسافة لا تحصل بها مشقة شديدة ، ولو عول على حديد السمع لربما حصل بها مشقة تامة لا تحتمل [ ص: 290 ] في العادة ، فإن حديد السمع قد يسمع من مسافة بعيدة كنصف يوم مثلا ( قوله : أن ما سمعه نداء جمعة ) هو مجرد تصوير لكون الكلام في الجمعة ، وإلا فالمدار على سماع الصوت وعدمه ، فما أفهمه ظاهر كلامه ليس مرادا ( قوله : من طرف يليهم ) لعل ضابطه ما تصح فيه الجمعة انتهى سم على منهج ( قوله : لخبر الجمعة على من سمع النداء ) عبارة سم على منهج : وقال ابن الرفعة : سكتوا عن الموضع الذي يقف فيه المستمع ، والظاهر أنه موضع إقامته بر ، ومال م ر إلى هذا الظاهر وقال : من سمع من موضع إقامته وجب عليه ومن لا فلا .

                                                                                                                            وحاصل الذي تلخص من كلامهم واعتمده م ر أن ضابط ما تقام فيه الجمعة ما يمنع القصر قبل مجاوزته ، فشمل المسجد الخارج عن البلد بأن خرب ما بين البلد وبينه لكنهم لم يهجروه بل يترددون إليه لنحو الصلاة ، وكذا المسجد الذي أحدثوه بجانب البلد منفصلا عنها قليلا مع ترددهم إليه لأنه معدود منها ، ويؤخذ من ذلك أنه لو فرض أن لبلد سورا واتصلت به العمارة واتسعت به الخطة جدا وليس بها محل تقام فيه الجمعة إلا داخل السور فمن كان منهم يسمع الصوت العالي في الهدو من الطرف الذي يليه من وراء السور بفرض زوال الأبنية إن فرض أنها تمنع السماع وجبت عليه الجمعة وإلا فلا ، أما لو أقيمت الجمعة في العمران وفي داخل السور وسمع أهل الأبنية نداء من بطرف العمران وجب عليهم الحضور وإن لم يسمعوا نداء من هو داخل السور ، لأن وجود السور صير كلا من العمران وداخل السور كبلد مستقلة ( قوله : لا ضبط لحده ) أي العالي ( قوله : ) عبارة المصباح هي بفتح الباء وكسر الراء وسكون السين اسم بلاد بالعجم ( قوله فالأوجه مراعاة الأقرب ) أي في الأولوية ( قوله : لزمت الثانية ) أي أهل الثانية إلخ ( قوله : وأما الخبر المار ) أي وهو قوله " الجمعة على من سمع النداء " ( قوله : أو أن يطلع فوق الأرض ) في المختار طلعت الشمس والكواكب من باب دخل ، ثم قال : وطلع الجبل بالكسر طلوعا انتهى . وما هنا من الثاني [ ص: 291 ] ومضارعه على يفعل بالفتح .

                                                                                                                            ( قوله : المفهوم من كلامهم المذكور الاحتمال الثاني ) عبارة سم على منهج : قوله ولو كان بمستو لسمعوه ، المراد لو فرضت مسافة انخفاضها ممتدة على وجه الأرض وهي على آخرها لسمعت ، هكذا يجب أن يفهم فليتأمل ، وقيس عليه نظيره في الأولى بر ، واعتمد م ر كأبيه نحو هذا ، وهي مخالفة لما في الشارح ، والأقرب ما في سم ، ووجهه أن المدار على المشقة وعدمها ، ثم رأيته في حاشية حج استوجبه أيضا ، وعبارته بعد نقل الاحتمال الأول بصيغة الجزم به عن بر ما نصه : وهو حق وجيه ، وإن تبادر من كلام الشارح أن المراد أن تفرض القرية على أول المستوى فلا تحسب مشقة الانخفاض في الثانية ، لأن في هذا نظرا لا يخفى ، إذ يلزم عليه الوجوب في الثانية ، وإن طالت مسافة الانخفاض بحيث لا يمكن إدراك الجمعة مع قطعها مثلا وعدم الوجوب في الأولى وإن قلت مسافة الارتفاع بحيث يمكن الإدراك مع قطعها ، ولا وجه لذلك .

                                                                                                                            فإن قلت : يشترط في الوجوب في الثانية إمكان الإدراك وإلا فلا وجوب فيها . قلت : فإما أن يشترط في عدم الوجوب في الأولى عدم إمكان الإدراك وإلا ثبت الوجوب فلا وجه للتفرقة بين الصورتين على هذا التقدير لاستوائهما عليه في المعنى ، وإما أن لا يشترط فيه ذلك بل نقول عدم الوجوب ثابت مطلقا ، بخلاف الوجوب في الثانية فهذا مما لا وجه له كما لا يخفى فليتأمل ، ثم رأيت أن شيخنا الشهاب الرملي اقتصر في فتاويه على أن المفهوم من كلامهم ما تقدم أنه المتبادر من كلام الشارح ( قوله ولو كان بقرية أربعون كاملون حرم عليهم ) أي ويجب على الحاكم منعهم من ذلك ولا يكون قصدهم البيع والشراء في المصر عذرا في تركهم الجمعة في بلدتهم إلا إذا ترتب عليه فساد شيء من أموالهم أو احتاجوا إلى ما يصرفونه في نفقة ذلك اليوم الضرورية ولا يكلفون الاقتراض ( قوله : وتسقط عنهم الجمعة بفعلها ) أي في المصر ( قوله : فحضر أهل القرية إلخ ) أي بقصدها بأن توجهوا إليها بنيتها ولم يدركوها ، وأما لو حضروا لبيع أسبابهم فلا يسقط عنهم الحضور سواء رجعوا إلى محلهم أم لا ( قوله : فلهم الرجوع قبل صلاتها ) أي الجمعة ( قوله : فإن دخل عقب سلامهم ) مفهومه أنهم لو صلوا العيد ثم تشاغلوا بأسباب حتى دخل وقت صلاة الجمعة لا يحرم عليهم الانصراف ، ولعله غير مراد بل هو مجرد تصوير فيحرم عليهم الانصراف حينئذ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 289 - 291 ] ( قوله : وتسقط عنهم وإن قربوا منها وسمعوا النداء ) أي بالفعل وإلا فالصورة أنهم بحيث يسمعون النداء ( قوله : عقب سلامهم ) تصوير .




                                                                                                                            الخدمات العلمية