الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويجب ) ( قرنها بأول ) غسل ( الوجه ) فما تقدم عليها منه لاغ وما قارنها هو أوله فتجب [ ص: 165 ] إعادة ما غسل منه قبلها ، لأن القاعدة أنه يشترط اقتران النية بأول الواجبات كالصلاة وغيرها من العبادات ، ما عدا الصوم فتضر فيه المقارنة ، بل الشرط فيه تقدمها على الفجر ، وأما اقترانها بما قبله من سننه الداخلة فيه ففيه خلاف ذكره بقوله ( وقيل يكفي ) قرنها ( بسنة قبله ) لكونها من جملة الوضوء ، والأصح المنع لأن القصد من العبادات أركانها والسنن توابع ، أما الاستنجاء فلا يكفي اقترانها به قطعا ، وموضع الخلاف عند عزوبها قبل الوجه ، فإن بقيت إلى غسله فهو أفضل ليثاب على سننه السابقة لأنها عند خلوها عن النية غير مثاب عليها ، بخلاف من نوى صوم نفل قبل الزوال حيث يثاب من أوله لأن الصوم خصلة واحدة لا يتبعض ، وأما الوضوء فأفعال متفاصلة والانعطاف فيها أبعد ، وأيضا فلا ارتباط لصحة الوضوء بسننه لصحته بدونها بخلاف بقية النهار ، ولو اقترنت النية بالمضمضة أو الاستنشاق وانغسل معه جزء من الوجه أجزأه وإن عزبت نيته بعده ، سواء أكان بنية الوجه وهو واضح أم لا لوجود غسل جزء من الوجه مقترنا بالنية ، غير أنه يجب عليه إعادة غسل ذلك الجزء مع الوجه كما في الروضة لوجود الصارف ولا تحسب له المضمضة ولا الاستنشاق في الحالة الأولى لعدم تقدمهما على غسل الوجه كما قاله مجلي في المضمضة وجزم به في العباب ، والحالة الثانية كالأولى كما هو ظاهر ، وعلم أنه لا يجب استصحاب النية ذكرا إلى تمامه ( وله تفريقها ) أي النية [ ص: 166 ] ( على أعضائه في الأصح ) بأن نرى عند كل عضو رفع الحدث عنه لأنه يجوز تفريق أفعاله ، فكذا تفريق النية على أفعاله .

                                                                                                                            والثاني لا كما يجوز تفريق النية في الصلاة على أجزائها ، ولا فرق في جواز تفريقها بين أن يضم إليها نحو نية تبرد أو لا كما أفهمه كلام الحاوي وأكثر فروعه ولا بين أن ينفي غير ذلك العضو كأن ينوي عند غسل وجهه رفع الحدث عنه لا عن غيره أم لا ، والأوجه أنه لو نوى عند غسل وجهه رفع الحدث عنه وعند غسل اليدين رفع الحدث ولم يقل عنهما كفاه ذلك ولم يحتج إلى النية عند مسح رأسه وغسل رجليه ، إذ نيته عند يديه الآن كنيته عند وجهه ، وهل يقطع النية نوم ممكن ؟ وجهان : أوجههما عدمه وإن طال ، والحدث الأصغر يحل أعضاء الوضوء خاصة لا جميع البدن ، ويرتفع حدث كل عضو بغسله مع بقاء منع ما يحرم على المحدث إلى تمامها

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويجب قرنها ) . [ فرع ] ينبغي جواز اقتران النية بغسل شعر الوجه قبل غسل بشرته لأن غسله أصلي لا بدل وفاقا لمر ، أي وعليه فلو قطع الشعر قبل غسل الوجه لا يحتاج لتجديد النية أخذا من العلة المذكورة ا هـ . [ فرع ] قال م ر : ولا يكفي قرن النية بما يجب زيادة على غسل الوجه ليتم غسله إذا بدأ به لتمحضه للتبعية قال بخلاف قرنها بالشعر في اللحية ولو الخارج عن حدها قال في هذا إلا أن يوجد ما يخالفه ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ومثل الشعر باطن اللحية الكثيفة فتكفي النية عند غسله وإن لم يجب ( قوله : بأول غسل الوجه ) أي لأجل الاعتداد به كما يأتي [ ص: 165 ] لأنه إذا غسل شيئا قبل النية حرم عليه ذلك لتعاطيه عبادة فاسدة ، ومحل غسل الوجه ما لم تعمه الجراحة ، فإن عمته نوى عند غسل اليدين .

                                                                                                                            وعبارة حج تنبيه : الأوجه فيمن سقط غسل وجهه فقط لعلة ولا جبيرة وجوب قرنها بأول مغسول من اليد ، فإن سقطتا أيضا فالرأس فالرجل ولا يكتفي بنية التيمم لاستقلاله كما لا يكفي نية الوضوء في محلها عن تيمم لنحو اليد كما هو الظاهر .

                                                                                                                            وكتب عليه سم قوله : ولا يكتفي بنية التيمم سيأتي أننا ننقل في باب التيمم بإزاء قوله لو نوى فرض التيمم لم يكف في الأصح .

                                                                                                                            عن شرح العباب ما نصه : قال الإسنوي : لو كانت يده عليلة فإن نوى عند غسل وجهه رفع الحدث احتاج لنية أخرى عند التيمم لأنه لم يندرج في النية الأولى أو نية الاستباحة فلا ، وإن عمت الجراحة وجهه لم يحتج عند غسل غيره إلى نية أخرى غير نية التيمم انتهى .

                                                                                                                            وقوله أو نية الاستباحة فلا كقوله لم يحتج إلى آخره قياسهما الاكتفاء بنية الاستباحة في التيمم عن النية عند أول مغسول من اليد هنا ، بخلاف قوله ولا يكتفي بنية التيمم لاستقلال ونية الوضوء إذا كانت نية الاستباحة عن نية التيمم لليد انتهى .

                                                                                                                            ويؤخذ مما ذكره سم من توجيه الاكتفاء بنية الاستباحة من صلاحيتها لكل من التيمم والوضوء أنه لو نوى فرض التيمم للصلاة عند مسح الوجه لا يكتفي بذلك عن نية رفع الحدث عند غسل اليدين .

                                                                                                                            أقول : والأقرب ما قاله حج في شرح المنهاج لما علل به من أن كلا طهارة مستقلة يشترط لصحة كل منهما ما لا يشترط للأخرى ، ويترتب عليه من الأحكام ما لا يترتب على غيره ( قوله : وقيل يكفي قرنها قبله ) خرج به الاستنجاء فلا يكفي قرنها به قطعا ( قوله : لأنها عند خلوها عن النية غير مثاب عليها ) قضية هذا التعليل سقوط الطلب بفعل السنن المتقدمة بدون النية لكن لا ثواب له ، لكن نقل شيخنا الشوبري عن مختصر الكفاية لابن النقيب أن السنة لا تحصل بدون النية فلا يسقط الطلب بالغسل المجرد عنهما ( قوله : غير أنه يجب عليه إلخ ) أي فيما لو كانت بغير نية الوجه وحده ، وكذا لو كانت بنية الوجه والمضمضة على ما نقل عن شيخنا الشوبري بالدرس ، وفيه أنه إذا جمع في نيته بين فرض وسنة مقصودة بطلا ، فالقياس في هذه وجوب غسله ثانيا وعدم الاعتداد بما فعله أولا ( قوله في الحالة الأولى ) هي قوله سواء كانت بنية الوجه ، والثانية هي قوله أم لا ( قوله : وله تفريقها ) أي النية بسائر [ ص: 166 ] صورها المتقدمة أخذا من إطلاقه ، وهو ظاهر خلافا لما يفهم من كلام حج حيث قال : وله تفريقها : أي نية رفع الحدث والطهارة عنه لا غيرها لعدم تصوره فيه وفي سم على المنهج : [ فرع ] قال بعضهم : إن تفريق النية لا يتصور إلا في رفع الحدث .

                                                                                                                            قال حج : والطهارة عن الحدث وفيه نظر ، ويتجه أنه يتصور في سائر الكيفيات كأن ينوي عند غسل كل عضو غسله عن الوضوء ، أو عن أداء فرض الوضوء ، أو لأجل استباحة الصلاة أو نحو ذلك فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                            وفيه أيضا على ابن حجر : [ فرع ] اختلف فيما لو نوى عند كل عضو رفع الحدث وأطلق ، فهل يصح وتكون كل نية مؤكدة لما قبلها أو لا يصح ، لأن كل نية تقطع النية السابقة عليها كما لو نوى الصلاة في أثنائها فإنه يكون قاطعا لنيتها ، وقد يتجه الأول ويفرق بأن الصلاة أضيق بدليل أنه لا يصح تفريق نيتها بخلاف الوضوء ، ويفرق أيضا بأن الصلاة لكونها هيئة واحدة إذا نوى قطعها بطلت من أصلها ، والوضوء إذا نوى قطعه بطلت نيته دون ما مضى منه فلا يبطل ( قوله على أعضائه في الأصح ) قال حج : والظاهر أن خلاف التفريق يأتي في الغسل .

                                                                                                                            وقد يشكل ما هنا بالطواف فإنه لا يجوز تفريق النية فيه مع جواز تفريقه كالوضوء ، وقول الزركشي يجوز التقرب بطوفة واحدة ضعيف .

                                                                                                                            وقد يجاب بأنهم ألحقوا الطواف في هذا بالصلاة لأنه أكثر شبها بها من غيرها ( قوله : كنيته عند وجهه ) أي كما لو نوى رفع الحدث وأطلق فإن نيته تتعلق بالجميع ( قوله : يحل أعضاء الوضوء خاصة لا جميع البدن ) وفائدة الخلاف تظهر في الأيمان فيما لو حلف أنه لا حدث بظهره مثلا .

                                                                                                                            فإن قلنا الحدث الأصغر يحل جميع البدن حنث أو أعضاء الوضوء فقط لم يحنث



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : فإن بقيت إلى غسله ، فهو أفضل ليثاب إلخ ) قضيته أنها إذا عزبت قبل غسل الوجه لا يثاب [ ص: 166 ] عليها ، وظاهر أنه ليس مرادا




                                                                                                                            الخدمات العلمية