الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 334 ] ( و ) يسن لغير معذور ( التبكير إليها ) لغير الإمام ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة لخبر الصحيحين { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة : أي مثله ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر : أي طووا الصحف فلم يكتبوا أحدا } وفي رواية : في الرابعة بطة ، والخامسة دجاجة ، والسادسة بيضة . وفي أخرى : في الرابعة دجاجة ، وفي الخامسة عصفورا ، والسادسة بيضة .

                                                                                                                            أما الإمام فلا يندب له التبكير بل يستحب له التأخير إلى وقت الخطبة اقتداء به صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، قاله الماوردي وأقره في المجموع ، ويلحق به من به سلس بول ونحوه فلا يندب له التبكير ، وإطلاقه يقتضي استحباب التبكير للعجوز إذا استحببنا حضورها ، وكذلك الخنثى الذي هو في معنى العجوز وهو متجه والساعات من طلوع الفجر ، وإنما ذكر في الخبر لفظ الرواح مع أنه اسم للخروج بعد الزوال [ ص: 335 ] كما عليه الجمهور لأنه خروج لما يؤتى به بعده ، على أن الأزهري قال : إنه يستعمل عند العرب في السير أي وقت كان من ليل أو نهار ، وفي أصل الروضة : ليس المراد من الساعات الفلكية وهي الأربع والعشرون ، بل ترتيب درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة لئلا يستوي فيها رجلان جاءا في طرفي ساعة ، ولئلا يختلف في اليوم الشاتي والصائف إذ لا يبلغ ما بين الفجر والزوال في كثير من أيام الشتاء ست ساعات ، فعليه كل داخل بالنسبة لما بعده كالمقرب بدنة ، وإلى من قبله بدرجة كالمقرب بقرة ، وبدرجتين كالمقرب كبشا ، وبثلاث [ ص: 336 ] كالمقرب دجاجة ، وبأربع كالمقرب بيضة . لكن قال في شرحي المهذب ومسلم : بل المراد الفلكية ، لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير ، وبدنة المتوسط متوسطة كما في درجات صلاة الجماعة القليلة والكثيرة ، فعليه المراد بساعات النهار الفلكية اثنتا عشرة ساعة زمنية صيفا أو شتاء ، وإن لم تساو الفلكية فالعبرة بخمس ساعات منها أو ست ، وهو المعول عليه طال الزمان أو قصر كما أشار إليه القاضي ، وهو أحسن من قول الغزالي : آخر الأولى إلى طلوع الشمس ، والثانية ارتفاعها ، والثالثة انبساطها حتى ترمض الأقدام ، والرابعة والخامسة الزوال ، وصح في الخبر { يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة } وهو مؤيد للثاني لاقتضائه أن يومها غير مختلف ، فلتحمل الساعة على مقدار سدس ما بين الفجر والزوال . ومما يؤيد الثاني أيضا ما يلزم الأول من كون الاقتصار في الحديث على الساعات الخمس أو الست لا حكمة له ، لأن السبق مراتبه غير منضبطة ، ويصح اعتبار الأمرين معا فينظر إلى الساعات من حيث الانقسام إليها ويخصص كل واحدة بشيء وينظر لأفراد الجائين في كل منها من حيث تفاوتهم في البيضة مثلا بسبب الترتيب في المجيء في ساعاتها ، فلا خلاف في الحقيقة بين الروضة والمجموع كذا قاله بعض أهل العصر ، وفيه نظر لا يخفى . فظاهر أن من جاء في الساعة الأولى ناويا التبكير ثم عرض له عذر فخرج على نية العود لا تفوته [ ص: 337 ] فضيلة التبكير .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويسن التبكير ) قال سم على حج : لو بكر أحد مكرها على التبكير لم يحصل له فضل التبكير فيما يظهر ، فلو زال الإكراه حسب له من حينئذ إن قصد الإقامة لأجل الجمعة فيما يظهر ا هـ رحمه الله ( قوله ليأخذوا مجالسهم ) يؤخذ منه أن من هو مجاور بالمسجد أو يأتيه لغير الصلاة كطلب العلم يحسب إتيانه للجمعة من وقت التهيؤ ، ويؤخذ منه أيضا أن الخطيب لو بكر إلى مسجد غير الذي يخطب به لا يحصل له سنة للتبكير لأنه ليس متهيئا للصلاة فيه ( قوله : من اغتسل إلخ ) هذا الحديث الشريف يفيد أن هذا الثواب المخصوص إنما يحصل لمن اغتسل سم على منهج زاد على حج والثواب أمر توقيفي فيتوقف على الوجه الذي ورد عليه ا هـ رحمه الله ( قوله : فإذا خرج الإمام ) أي للخطبة ( قوله : حضرت الملائكة ) انظر هل المراد بهم الحفظة أو غيرهم ، وعليه فهل الكاتب في الجمعة الثانية هو الكاتب في الأولى أو غيره فيه نظر ، والأقرب أنهم غير الحفظة لأن الحفظة لا يفارقون من عينوا له ، وهؤلاء يجلسون بأبواب المساجد لعامة من يدخل ( قوله : فلا يندب له التبكير ) هل أجره دون أجر من بكر انتهى سم على منهج .

                                                                                                                            وقد يقال : تأخيره لكونه مأمورا به يجوز أن يثاب عليه ثوابا يساوي ثواب المبكرين أو يزيد ( قوله : له التأخير ) أي فلو بكر لا يحصل له ثواب التبكير وحكمته أنه أهيب له وأعظم في النفوس ( قوله : ويلحق به ) أي الإمام ( قوله فلا يندب له التبكير ) ظاهره وإن أمن تلويث المسجد ، ويوجه بأن السلس من حيث هو مظنة لخروج شيء منه ولو على القطنة والعصابة ( قوله إذا استحببنا حضورها ) أي بأن لم تكن متزينة ولا متعطرة [ ص: 335 ] قوله : على أن الأزهري ) هو من غير الجمهور فلا حاجة إلى قوله على أن الأزهري إلخ ( قوله جاءا في طرفي ساعة ) وانظر ما المراد بالمجيء هل هو الخروج من المنزل إلى المسجد حتى لو طال المشي من المنزل إلى المسجد بزمان كثير يصدق به أو لا بد من دخول المسجد لأن الرواح اسم للذهاب إلى المسجد ؟ محل نظر والأقرب الثاني كما يتبادر من قوله في الحديث { فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة } إلخ ، فإن الظاهر منه أن الملائكة يكتبون بباب المسجد من وصل إليهم . ونقل في الدرس عن الزيادي ما يوافق ما استقربناه . نعم المشي له ثواب آخر زائد على ما يكتب له في مقابلة دخوله المسجد قبل غيره ( قوله : ست ساعات ) قال سم على منهج بعد ما ذكر : ولي فيه نظر إذ أقل أيام الشتاء مائة وخمسون درجة وهي عشر ساعات فلكية ، وابتداء اليوم عند أهل الفلك من الشمس فمن الشمس إلى الزوال يخصه خمس ساعات ، ولا شك أن من الفجر إلى الشمس لا ينقص عن ساعة وابتداء اليوم على الراجح هنا من الفجر ، [ ص: 336 ] فما بين الفجر والزوال يبلغ ست ساعات في أقل أيام الشتاء فليتأمل .

                                                                                                                            ( قوله : اثنتا عشرة ساعة ) هو المعتمد : أي وذلك بأن يقسم ما بين الفجر وخروج الخطيب على ست ساعات بناء على رواتبها أو خمس بناء على رواتبها ، وتكون الساعات على الوجهين متساوية في المقدار ، ثم ما بعد خروج الخطيب إلى الغروب بقية الساعات فتكون ستا أو سبعا على الوجهين السابقين فيما قبل الخروج ( قوله ترمض الأقدام ) بابه طرب مختار ( قوله : والرابعة والخامسة ) لم يميز أول الخامسة من الرابعة فيفيد اشتراكهما في وقت واحد . ولعل المراد منه أنه يجعل ما بعد الساعة الثالثة إلى الزوال منقسما بين الرابعة والخامسة على السواء ، وأن محل ذلك حيث خرج الإمام عقب الزوال كما هو الغالب وإلا قسم ما بين خروج الإمام وآخر الثالثة بين الساعتين وعلى أنها ست ساعات ، فما بعد الثالثة يقسم بين الساعات الثلاث الباقية على السواء ( قوله : وهو مؤيد للثاني ) هو قوله بل المراد الفلكية المبينة بالزمانية ( قوله : ما بين الفجر والزوال ) هذا بناء على الغالب من أنهم يصلون عقبه ، وإلا فالمدار على خروج الخطيب ، فتقسم الساعات من الفجر إلى خروجه ، ثم رأيت في حج ما يوافقه وعبارته : والمراد أن ما بين الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية ، سواء أطال اليوم أو قصر .

                                                                                                                            ( قوله : وفيه نظر لا يخفى ) وجهه أن الساعة الواحدة أجزاؤها كثيرة ، [ ص: 337 ] وعليه فلو ترتب الجاءون من أول الساعة إلى آخرها لم يعلم مقدار ما لكل واحد منهم ، وهو خلاف المقصود من الحديث ، وقد يدفع النظر بأن قوله وتخصيص كل واحدة بشيء إلخ يفيد أن لكل من جاء في الساعة الأولى بدنة ولكنهم يتفاوتون فيها بحسب مجيئهم ( قوله : فضيلة التبكير ) قد يفهم منه أنه لو رجع إلى المسجد في الساعة أخرى لا يشارك أهلها في الفضيلة ، ويحتمل أن يشاركهم ويكون المعنى أنه إذا خرج في الساعة الأولى لعذر لا يفوته ما استقر له من البدنة مثلا بمجيئه لأنه أعطيها في مقابلة المشقة التي حصلت له أولا ، وإذا جاء في الساعة الثانية فقد حصلت له مشقة أخرى بسبب المجيء فيكتب له ثوابها . وفي سم على حج ما نصه : فرع : دخل المسجد في الساعة الأولى ثم خرج وعاد إليه في الساعة الثانية مثلا فهل له بدنة وبقرة ؟ الوجه لا بل خروجه ينافي استحقاق البدنة بكمالها ، بل ينبغي عدم حصولها لمن خرج بلا عذر لأن المتبادر أنها لمن دخل واستمر ولو حصلا له لزم أن يكون من غاب ثم رجع أكمل ممن لم يغب ولا يقوله أحد خصوصا من طالت غيبته كأن دخل في أول الساعة الأولى وعاد في آخر الثانية فتدبر ا هـ . وبما قدمناه في قولنا ويحتمل أن يشاركهم إلخ يعلم الجواب عن قوله الوجه لا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 334 ] قوله : لخبر الصحيحين من اغتسل إلخ ) ظاهره أن الفضل الآتي شرطه الغسل فليراجع ( قوله : ومن راح في الساعة الثانية إلخ ) معطوف على من اغتسل وإلا لقال فإن راح إلخ ولعله صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أن الغسل ليس بشرط في هذا الفضل أو أنه حذف من الثاني لدلالة الأول فليراجع ما يدل على المراد ( قوله : اسم للخروج ) المشهور أنه اسم للرجوع بعد الزوال ومنه قوله : صلى الله عليه وسلم { تغدو خماصا وتروح بطانا } وعليه فالفقهاء ارتكبوا فيه مجازين حيث [ ص: 335 ] استعملوه في الذهاب وفيما قبل الزوال ( قوله : على أن الأزهري إلخ ) هو مفهوم الجمهور فكان المناسب أن يقول : وقال الأزهري إلخ ( قوله : ليس المراد من الساعات الفلكية ) أي الشاملة للزمانية وهي انقسام كل واحد من الليل والنهار اثني عشر جزءا متساوية طال كل منهما أم قصر ، وللمستوية وهي انقسامهما أربعا وعشرين ساعة كل ساعة خمس عشرة درجة ، فعليه قد يكون النهار أكثر من ثنتي عشرة ساعة وقد يكون أقل ، وكذلك الليل بخلافه على الأول ، هذا هو اصطلاح الفلكيين ، ويدل على إرادته هنا مقابلة الفلكية بترتيب الدرجات فقط ، لكن قول الشارح الآتي ولئلا يختلف في اليوم الشاتي والصائف يدل على أن المنفي هنا الزمانية فقط ، إلا أن يقال : مراده به بيان ما يلزم على أحد المعنيين زيادة على ما يلزم عليهما معا ( قوله : ولئلا يختلف في اليوم الشاتي والصائف ) ليس هذا في الروضة ، وعبارتها : ثم ليس المراد على الأوجه بالساعات الأربع والعشرين بل ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه لئلا يستوي في الفضيلة رجلان جاءا في طرفي ساعة انتهت .

                                                                                                                            ( قوله : إذ لا يبلغ ما بين الفجر إلخ ) فيه نظر ، إذا أقصر ما يمكن من أيام الشتاء في القطر المصري أن يكون ما بين الفجر والزوال تسعا وتسعين درجة وهو أكثر من ست ساعات فلكية : أي مستوية التي هي مراده كما علم مما مر ، إذ الساعة الفلكية بهذا المعنى خمس عشرة درجة ، ثم رأيت الشهاب عميرة البرلسي سبق إلى نحو هذا ( قوله : فعليه كل داخل بالنسبة لما بعده إلخ ) لا يخفى أن معنى ما في الحديث من كونه كالمقرب بدنة أو بقرة أو غيرهما أن له ثوابا مثل ثواب المقرب لذلك ، وأن الثابت للجائي من الثواب بمجيئه في ساعة ما ثواب واحد عند الله تعالى لا يختلف باختلاف الاعتبارات إذ لا يعقل اختلافه بذلك ، فلعل مراد الشارح بما ذكره تبعا للإمداد أن هذا الثواب الثابت للجائي في ساعة ما ناقص بالنسبة لثواب من جاء قبله وزائد بالنسبة لمن جاء بعده ، ومقدار التفاوت بينه وبين ثواب من جاء قبله بدرجة كنسبة التفاوت بين البدنة والبقرة ، ومقداره بينه وبين من جاء بعده بدرجة كنسبة التفاوت بين البقرة والكبش وهكذا وإن لزم عليه ما سيأتي في الشرح وإلا فأخذه على ظاهره لا يكاد يصح فليراجع وليحرر [ ص: 336 ]

                                                                                                                            ( قوله : لكن قال في شرحي المهذب ومسلم بل المراد الفلكية ) يعني الزمانية بدليل ما سيأتي ( قوله : فعليه المراد بساعات النهار الفلكية اثنتا عشرة ساعة زمانية ) يقال عليه الساعات الزمانية إنما تحسب عند علماء الميقات من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر ، إلا أن يقال : مراده أنها تقسم من الفجر كتقسيم الزمانية التي هي من طلوع الشمس عند أهلها ، بمعنى أنه يقسم من الفجر إلى الزوال ستة أقسام متساوية ، كما يقسم من الزوال إلى الغروب كذلك الذي هو موافق لما هو مصطلح علماء الميقات ، ويلزم عليه أن ساعات ما بين الفجر والزوال أكبر من ساعات ما بين الزوال والغروب لزيادة حصة الفجر على نصف القوس فيه ( قوله : وإن لم تساو الفلكية ) يعني المستوية وإلا فالفرض أنه عبر عنهما بالفلكية أيضا ( قوله : فالعبرة بخمس ساعات منها ) أي من الزمانية كما هو صريح السياق وقوله : أو ست أي على الروايتين السابقتين .

                                                                                                                            ومعلوم أن الخمس أو الست بهذا المعنى هي جميع ما مر بين الفجر والزوال ( قوله : كذا قاله بعض أهل العصر ) يعني الشهاب حج في إمداده الذي هو تابع له في جميع ما مر في هذه السوادة حرفا بحرف ( قوله : وفيه نظر لا يخفى ) وجهه أنه لا يلائم قول الروضة لئلا يستوي فيه رجلان جاءا في طرفي ساعة ، وما وجهه به [ ص: 337 ] شيخنا في حاشيته غير مراد له كما لا يخفى ، مع أنه يرد نظيره على ما في شرحي المهذب ومسلم على حدتهما مع قطع النظر عن الجمع بينهما فليراجع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية