الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ويجب السعي على بعيد الدار إلى الجمعة قبل الزوال بمقدار يتوقف فعلها عليه ، ويستحب الإتيان إليها ( ماشيا ) لخبر { من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها } وتخفيف غسل أرجح من تشديده ، ومعناهما غسل : إما حليلته بأن جامعها فألجأها إلى الغسل ، إذ يسن له الجماع في هذا اليوم ليأمن أن يرى في طريقه ما يشغل قلبه أو أعضاء وضوئه بأن توضأ ثم اغتسل للجمعة ، أو ثيابه ورأسه ثم اغتسل وغسل الرأس لأنهم كانوا يجعلون فيه نحو دهن وخطمي وكانوا يغسلونه ثم يغتسلون وتخفيف بكر أشهر ، ومعناه : خرج من بيته باكرا ، ومعنى المشدد : أتى للصلاة أول وقتها وابتكر : أي أدرك أوان الخطبة ، وقيل هما بمعنى جمع بينهما تأكيدا ، وأفاد قوله ولم يركب نفي توهم حمل المشي على المضي وإن كان راكبا ونفي احتمال إرادة المشي ولو في بعض الطريق ، وقيل هو تأكيد . ذكر كل ذلك في شرح المهذب ، واختير الأخير من الأوجه الثلاثة في غسل لخبر أبي داود { من غسل رأسه يوم الجمعة } .

                                                                                                                            وأن يكون مشيه ( بسكينة ) إن لم يضق الوقت لخبر { إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة } وفي رواية { ائتوها وأنتم تمشون } وهذا يبين أن المراد بالسعي في الآية المضي كما قرئ به شاذا ، [ ص: 338 ] ويكره العدو إليها كسائر العبادات ، فإن ضاق الوقت وجب الإسراع إذا لم يدركها إلا به كما قاله المحب الطبري : أي وإن لم يلق به ، ويحتمل خلافه أخذا من أن فقد بعض اللباس اللائق به عذر ، وكما يستحب عدم الركوب هنا إلا لعذر يستحب أيضا في العيد والجنازة وعيادة المريض ، وقيده الرافعي بالذهاب ، ورده ابن الصلاح لخبر مسلم { أنهم قالوا لرجل : هل نشتري لك حمارا تركبه إذا أتيت إلى الصلاة في الرمضاء والظلماء ؟ فقال : إني أحب أن يكتب لي ممشاي في ذهابي وعودي ، فقال صلى الله عليه وسلم : قد فعل الله لك ذلك } أي كتب لك ممشاك : أي أفضليته .

                                                                                                                            وأجيب بأن المعنى : كتب لك ذلك في مجموع الأمرين لا في كل منهما ، جمعا بين هذا الخبر وخبر { أنه صلى الله عليه وسلم ركب في رجوعه من جنازة أبي الدحداح } رواه ابن حبان وغيره وصححوه ، على أنه يمكن أن يكون فعله لبيان الجواز فلا يخرج به الحديث عن ظاهره .

                                                                                                                            ومن ركب لعذر أو غيره سير دابته بسكون كالماشي ما لم يضق الوقت ، ويشبه أن يكون الركوب أفضل لمن يجهده المشي لهرم أو ضعف أو بعد منزله بحيث يمنعه ما يناله من التعب الخشوع والحضور في الصلاة عاجلا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أجر صيامها وقيامها ) أي من فعل نفسه لو فعل . قال حج : قيل ليس في السنة في خبر صحيح أكثر من هذا الثواب فليتنبه له ( قوله : غسل ) ويروى بعين مهملة وبالتشديد ومعناه كالذي قبله ا هـ شرح ابن السبكي ( قوله : ومعناهما غسل ) أي التشديد والتخفيف ( قوله : في هذا اليوم ) وهو آكد من ليلتها كما يفيده ظاهر الحديث ا هـ حج ( قوله : وابتكر ) قال الدميري وقيل بكر في الزمان وابتكر في المكان ( قوله : واختير الأخير ) هو قوله أو ثيابه ورأسه ثم إلخ . [ ص: 338 ] قوله فإن ضاق ) محترز قوله إن لم يضق .

                                                                                                                            [ فرع ] لو توقف إدراك الجمعة على السعي قبل الفجر لم يجب كما هو ظاهر وصريح كلامهم ا هـ سم على منهج ( قوله : كما قاله المحب الطبري ) معتمد ( قوله بعض اللباس اللائق به عذر ) وقد يجاب بأن الناس لا يعدون الإسراع للعبادة مزريا ويعدون غيره مخلا بالمروءة ، وفيه أنه لا يقال حينئذ : إن المشي غير لائق ، إلا أن يقال : المراد غير لائق به بقطع النظر عن كونه لخصوص الصلاة ( قوله : وعيادة المريض ) أي بل في سائر العبادات لمطيق المشي كما قاله حج ( قوله : وقيده الرافعي بالذهاب ) أي فلا يستحب المشي في العود ، وظاهر الجواب عن الرد الآتي اعتماد هذا ، وصرح به حج وعبارته : وأن يكون طريق ذهابه أطول لأنه أفضل ، ويتخير في عوده بين الركوب والمشي كما يأتي في العيد ا هـ . ونقل شيخنا الزيادي كلام الرافعي وأقره ( قوله : بسكون كالماشي ) أي فلو لم يمكن تسييرها بسكون لصعوبتها واعتيادها العدو ركب غيرها إن تيسر له ذلك لتحصيل تلك السنة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : من الأوجه الثلاثة ) أي على ما في نسخ من الاقتصار على الحليلة وأعضاء الوضوء والرأس ، لكن في نسخ زيادة الثياب قبل الرأس . وأجاب عنه الشيخ في الحاشية بجعل الثياب والرأس واحدا ولا يخفى ما فيه ، والأولى أن تجعل من على هذه النسخ للبدل




                                                                                                                            الخدمات العلمية