الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يسن ( أن يتزين ) حاضر الجمعة إذا كان ذكرا ( بأحسن ثيابه ) لخبر { من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده ثم أتى الجمعة ولم يتخط أعناق الناس ثم صلى ما كتب الله له ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها } رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما وأفضلهما في الألوان البياض لخبر { البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم } زاد الصيمري : وأن تكون جديدة ، قيد بعض المتأخرين بحثا بغير أيام الشتاء والوحل ، وهو ظاهر حيث خشي تلويثها ، ثم ما صبغ غزله قبل نسجه كالبرد لا ما صبغ منسوجا ، بل ذهب البندنيجي وغيره إلى كراهة لبسه ، لكن سيأتي في باب ما يجوز له لبسه أنه لا يكره لبس مصبوغ بغير الزعفران ، والعصفر ويسن للإمام الزيادة في حسن الهيئة والعمة والارتداء للاتباع ولأنه منظور إليه . وفي المجموع : الأولى له ترك لبس السواد حيث لم يخش مفسدة بل المواظبة على لبسه بدعة إلا أن منع الخطيب من الخطبة إلا به ، أما المرأة فيكره لها الطيب والزينة وفاخر الثياب عند إرادتها حضورها . نعم يسن لها قطع الرائحة الكريهة ويلحق بها الخنثى ( وطيب ) للخبر المار ما لم يكن صائما فيما يظهر ( وإزالة ظفر ) من يديه ورجليه لا إحداهما فيكره بلا عذر ، والشعور فينتف إبطه ويقص شاربه ويحلق عانته ويقوم مقام حلقها قصها أو نتفها ، أما المرأة فتنتف عانتها بل يتعين عليها إزالتها عند أمر الزوج لها به .

                                                                                                                            والأصل في ذلك أنه { كان عليه الصلاة والسلام يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل الخروج إلى الصلاة } قال في الأنوار : ويستحب قلم الأظفار في كل [ ص: 341 ] عشرة أيام ، وحلق العانة كل أربعين يوما مع أنه جرى على الغالب ، والمعتبر في ذلك أنه مؤقت بطولها عادة ويختلف حينئذ باختلاف الأشخاص والأحوال . قال ابن الرفعة : الأولى في الأظفار مخالفتها ، فقد روي { من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا } وفسره أبو عبد الله بن بطة أن يبدأ بخنصر اليمني ثم الوسطى ثم الإبهام ثم البنصر ثم المسبحة ثم بإبهام اليسرى ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ثم البنصر ، لكن ذهب الغزالي إلى أنه يبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم بالوسطى ثم بالبنصر ثم بالخنصر ثم بخنصر اليسرى ثم بنصرها ثم الوسطى ثم الإبهام ثم المسبحة ثم إبهام اليمنى ثم يبدأ بخنصر الرجل اليمنى ، وحكي ذلك في المجموع عنه وقال : إنه حسن إلا تأخير إبهام اليمنى أن يقلمها بعد خنصرها ، وبه جزم في شرح مسلم ، ومحل ما ذكر في غير عشر ذي الحجة لمريد التضحية . ولا يسن حلق الرأس من غير نسك أو مولود في سابع ولادته أو كافر أسلم كما مر فيه ، وما سوى ذلك مباح ، ويستحب له دفن ما يزيله من ظفر وشعر ودم ( و ) إزالة ( الريح ) الكريهة كالصنان للتأذي به فيزيله بالماء أو غيره . قال إمامنا رضي الله عنه من نظف ثوبه قل همه ، ومن طاب ريحه زاد عقله . وهذه الأمور وإن استحبت لكل حاضر جمع كما نص عليه فهي في الجمعة آكد استحبابا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : حاضر الجمعة ) أي مريد حضورها ( قوله : ثم صلى ما كتب الله له ) أي ما طلب منه صلاته كالتحية ( قوله : كانت كفارة لما بينها ) هذا يقضي أن تكفير ما بين الجمعتين مشروط بما ذكر في هذا الحديث ، وقضية الحديث السابق في قوله من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع إلخ خلافه ، فلعل ما هنا بيان للأكمل ( قوله : البياض ) هل يحصل له ذلك ولو كان الثوب مغصوبا أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الحصول لأنه إنما نهى عن لبسه لحق الغير ، فأشبه ما لو توضأ بالماء المغصوب فإنه يثاب عليه من حيث الوضوء وإن عوقب من حيث إتلاف مال الغير ( قوله : وأن تكون جديدة ) أي إن تيسرت له وإلا فما قرب من الجديدة أولى من غيره . وفي سم على حج : بقي ما لو كان يوم الجمعة يوم عيد فهل يراعي الجمعة فيقدم الأبيض أو العيد فالأغلى أو يراعي الجمعة وقت إقامتها فيقدم الأبيض حينئذ والعيد في بقية اليوم فيقدم الأغلى فيها ( لكن قد يشكل على هذا الأخير أن قضية قوله في كل زمن ) أنه لو روعيت الجمعة روعيت في جميع اليوم ، وقد يرجح مراعاة العيد مطلقا إذ الزينة فيه آكد منها في الجمعة ، ولهذا سن الغسل وغيره فيه لكل أحد وإن لم يحضر ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : كالبرد ) والجمع برود ا هـ مختار ( قوله أنه لا يكره لبس مصبوغ ) معتمد ( قوله : بل المواظبة على لبسه ) أي لكل أحد : أي على الرأس وغيره ، ومحله ما لم يكن له فيه غرض كتحمله الوسخ ( قوله : إلا إن منع الخطيب ) هو مستثنى من أولوية ترك لبس السواد لا من قوله والمواظبة عليه بدعة ، لأن المنع منه لا يخرجه عن كونه بدعة وإن صار به معذورا في اللبس ( قوله : أما المرأة ) أي ولو عجوزا ( قوله : نعم يسن لها قطع الرائحة الكريهة ) أي وإن ظهر لما تزيل به ريح حيث لم يتأت إلا به ( قوله بل يتعين عليها إزالتها ) أي حيث لم يترتب على إزالتها ضرر بمخالفة العادة في فعلها ( قوله يقلم أظفاره ) بابه ضرب مختار : أي فهو بفتح الياء وسكون القاف وكسر اللام مخففة ويجوز فيه [ ص: 341 ] أيضا ضم الياء وفتح القاف وتشديد اللام ، وهذا كله حيث لم تعلم الرواية ، فإن علمت تعين ما فيها ( قوله : ثم يبدأ بخنصر الرجل اليمنى ) أي إلى خنصر الرجل اليسرى على التوالي ا هـ حج ( قوله : وبه جزم في شرح مسلم ) وصرح باعتماده حج وهو الظاهر من كلام الشارح . قال حج : وينبغي البدار بغسل محل القلم لأن الحك به قبله يخشى منه البرص ، ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة الجمعة لورود كل وكره المحب الطبري نتف الأنف قال : بل يقصه لحديث فيه ، قيل بل في حديث أن في بقائه أمانا من الجذام ا هـ . وينبغي أن محله ما لم يحصل منه تشويه وإلا فيندب قصه .

                                                                                                                            ( قوله : وما سوى ذلك مباح ) إلا أن يتأذى ببقاء شعره أو شن عليه تعهده فيندب ا هـ حج : أي أو صار تركه محلا بالمروءة كما في زمننا فيندب ، وينبغي له إذا أراد الجمع بين الحلق والغسل يوم الجمعة أن يؤخر الحلق عن الغسل إذا كان عليه جنابة ليزيل الغسل أثرها عن الشعر ( قوله : وشعر ) قد يشمل شعر العورة ، وليس مرادا بل الواجب ستره عن الأعين ، وهل يحرم إلقاء ذلك في النجاسة كالأخلية أو لا ؟ فيه نظر . وظاهر إطلاق سن الدفن الثاني فليراجع ، ثم لو لم يفعله صاحب الشعر ينبغي لغيره مزينا أو غيره فعله لطلب ستره عن الأعين في حد ذاته واحترامه ومن ثم يحرم استعماله فيما ينتفع به كستر إناء به أو اتخاذ خيط منه أو نحو ذلك .




                                                                                                                            الخدمات العلمية