الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الرابع ) من الأنواع الصلاة بالكيفية المذكورة في محل هذا [ ص: 368 ] النوع ، وهو معنى قول الشارح من الأنواع بمحله حيث أتى به جوابا عن اعتراض على المصنف بأن هذه الكيفيات ليست هي الصلاة وإنما تفعل على هذه الكيفيات عند وجود هذه الأشياء ، وقوله بمحله الباء فيه بمعنى مع ، أو بمعنى في وهو ( أن يلتحم القتال ) بين القوم ولم يتمكنوا من تركه ، وهذا كناية عن شدة اختلاطهم بحيث يلتصق لحم بعضهم ببعض ، أو يقارب التصاقه أو عن اختلاط بعضهم ببعض كاشتباك لحمة الثوب بالسدى ( أو يشتد الخوف ) وإن لم يلتحم القتال بأن لم يأمنوا أن يحمل العدو عليهم لو ولوا وانقسموا ( فيصلي ) كل منهم ( كيف أمكن راكبا وماشيا ) لقوله تعالى { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ولا يجوز لهم إخراج الصلاة عن وقتها ( ويعذر ) كل منهم ( في ترك ) استقبال ( القبلة ) عند العجز عنه بسبب العذر للضرورة ، وقد قال ابن عمر في تفسير الآية : مستقبلي القبلة وغير مستقبليها . قال نافع : لا أراه إلا مرفوعا رواه البخاري ، بل قال الشافعي : إن ابن عمر رواه عن [ ص: 369 ] النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجب على الماشي كالراكب الاستقبال حتى في التحرم والركوع والسجود ولا وضع جبهته على الأرض لما في تكليفه ذلك من تعرضه للهلاك ، بخلاف نظيره في الماشي المتنفل في السفر كما مر ، ولو أمكنه الاستقبال بترك القيام لركوبه ركب لأن الاستقبال آكد بدليل النفل لا تركه لجماح دابة طال زمنه ، بخلاف ما قصر زمنه ، وصح اقتداء بعضهم ببعض وإن اختلفت الجهة ، أو تقدموا على الإمام كما صرح به ابن الرفعة وغيره للضرورة ، ومثله ما إذا تخلفوا عنه أكثر من ثلاثمائة ذراع ، والجماعة أفضل من انفرادهم كما في الأمن لعموم الأخبار في فضيلة الجماعة ( وكذا الأعمال الكثيرة ) المتوالية كالضربات والطعنات يعذر فيها ( لحاجة ) إليها ( في الأصح ) ولا تبطل به ، بخلاف ما إذا لم يحتاجوا إليه .

                                                                                                                            أما القليل أو الكثير غير المتوالي فمحتمل في غير الخوف ففيه أولى ، والثاني لا يعذر ; لأن النص ورد في هذين فيبقى ما عداهما على الأصل ( لا ) في ( صياح ) فلا يعذر بل تبطل به صلاته إذ لا ضرورة إليه بل السكوت أهيب ومثله النطق بلا صياح كما في الأم ( ويلقي السلاح إذا دمي ) بما لا يعفى عنه إن استغنى عنه تصحيحا لصلاته ، وفي معنى إلقائه جعله في قرابه تحت ركابه كما في الروضة وأصلها [ ص: 370 ] ولعلهم اغتفروا له هذا الزمن اليسير وإن لم يغتفروه في نظائره كما لو وقع على ثوب المصلي نجاسة ولم ينحها حالا خشية من ضياعه بالإلقاء ; لأن الخوف مظنة ذلك بخلاف الأمن صرح به الإمام ، ويرد بذلك قول الروياني الظاهر بطلانها به ( فإن عجز ) أي احتاج إلى إمساكه بأن لم يكن له عنه بد ( أمسكه ) للحاجة ( ولا قضاء في الأظهر ) ; لأنه عذر يعم في حق المقاتل فأشبه المستحاضة .

                                                                                                                            والثاني يجب لندور العذر ، وما رجحه تبع فيه المحرر فإنه قال إنه الأقيس ، وهو ما جزم به في الشرحين والروضة في باب شروط الصلاة ، لكنهما نقلا في الشرح والروضة هنا عن الإمام عن الأصحاب وجوب القضاء ، وفي المجموع أن ظاهر كلام الأصحاب القطع بالوجوب .

                                                                                                                            قال في المهمات وقد نص عليه في البويطي فتكون الفتوى عليه ا هـ .

                                                                                                                            وهو المعتمد كما هو المرجح فيما لو صلى في موضع نجس ( وإن عجز عن ركوع ، أو سجود أومأ ) به للضرورة ( والسجود أخفض ) من الركوع وجوبا تمييزا بينهما ، وهذان اللفظان منصوبان بتقدير جعل كما صرح به في المحرر ، أو يكون خبرا بمعنى الأمر : أي يلزمه ذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بأن هذه الكيفيات ) قضية الاعتراض بما ذكر أن المصنف ذكر الكيفية ، وليس مراد ، فإنه إنما ذكر سبب الصلاة بالكيفية الآتية ( قوله : أو بمعنى في ) وهو الأوضح والأوفق بما قدمه من قوله في محل هذا النوع إلخ ( قوله وهو أن يلتحم ) أي محل النوع ( قوله بالسدى ) بالفتح والقصر في المصباح ، وقوله لحمة بفتح اللام وضمها لغة ، وهذا عكس اللحمة بمعنى القرابة ، وأما اللحم من الحيوان فجمعه لحوم ولحمان بالضم ولحام بالكسر ا هـ مصباح .

                                                                                                                            أيضا بالمعنى ( قوله : راكبا وماشيا ) أي ولو موميا بركوع وسجود عجز عنهما كما سيأتي : أي ويكون السجود أخفض من الركوع وظاهره الاكتفاء بأقل إيماء وإن قدر على أزيد منه ، ويوجه بأن في تكليف زيادة على ذلك مشقة ، وربما يفوت الاشتغال بها تدبير أمر الحرب فيكفي فيه ما يصدق عليه إيماء ، وظاهر إطلاقهم هنا سن إعادتها ولو على الهيئة التي فعلها أولا ، وانظر هل هو كذلك أم لا ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            والأقرب الثاني لأنها صلاة ضرورة فلا تجوزها ثانيا لمجرد حصول سنة الإعادة .

                                                                                                                            نعم ينبغي أن محل التردد حيث فعلها مع الأفعال الكثيرة ، أما لو خلت عن ذلك فلا يبعد سن الإعادة خروجا من الخلاف الذي أشار إليه بقوله وكذا الأعمال الكثيرة ( قوله : عند العجز عنه ) والمراد به ما مرت الإشارة إليه من خوف هجوم العدو لو استقبلوا ( قوله : وقد قال بن عمر ) أي في مقام تفسير الآية ، وليس المراد أنه جعله معنى الآية ( قوله : لا أراه ) أي لا أظن قاله ابن عمر إلا مرفوعا .

                                                                                                                            [ ص: 369 ] قوله : ركب ) أي وجوبا وقوله : لأن الاستقبال آكد : أي من القيام .

                                                                                                                            وقوله بدليل النفل : أي حيث جاز من قعود ولم يجز لغير القبلة .

                                                                                                                            وقوله لا تركه عطف على قول المصنف عند العجز ( قوله : طال زمنه ) لم يعترض بما لو انحرفت دابته خطأ أو نسيانا ومفهومه الضرر كحج ، لكن قياس ما تقدم في نفل السفر عدم الضرر في الصور الثلاث ويسجد للسهو ( قوله : بخلاف ما قصر زمنه ) أي ويسجد للسهو على قياس ما مر في نفل السفر ( قوله : كما صرح به ابن الرفعة وغيره للضرورة ) أي ومع ذلك لا بد من العلم بانتقالات الإمام يقينا ( قوله : والجماعة أفضل من انفرادهم ) أي ما لم يكن الانفراد هو الحزم ا هـ حج .

                                                                                                                            ( قوله : وكذا الأعمال الكثيرة ) لو احتاج لخمس ضربات متوالية مثلا فقصد أن يأتي بست متوالية فهل تبطل بمجرد الشروع في الست ; لأنها غير محتاج إليها وغير المحتاج إليه مبطل ، فهل الشروع فيها شروع في المبطل ، أو لا تبطل ; لأن الخمس جائزة فلا يضر قصدها مع غيرها ، فإذا فعل الخمس لم تبطل بها لجوازها ولا بالإتيان بالسادسة ; لأنها وحدها لا تبطل ؟ فيه نظر ، والمتجه لي الآن الأول ، وقد يؤيده أنه لو صح توجيه الثاني بما ذكر لم تبطل الصلاة في الأمن بثلاثة أفعال متوالية ; لأن الفعلين المتواليين غير مبطلين فلا يضر قصدهما مع غيرهما فليتأمل ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقد يقال : بل المتجه الثاني ، ويفرق بينه وبين ما قاس عليه بأن كلا من الخطوات فيه منهي عنه ، فكان المجموع كالشيء الواحد والخمس في المقيس مطلوبة ، فلم يتعلق النهي إلا بالسادس فما قبله لا دخل له في الإبطال أصلا إذ المبطل هو المنهي عنه .

                                                                                                                            ونقل بالدرس عن شيخنا الشوبري ما يوافقه فليتأمل ( قوله : ولا تبطل ) بين به معنى العذر الذي أفاده التشبيه وقوله به : أي العمل المفهوم من الأعمال ( قوله : لأن النص ورد في هذين ) أي في المشي أو الركوب وترك الاستقبال ( قوله : لا في صياح ) قال الناشري : ظاهره ولو بزجر الخيل ، لكن العلة عندهم أن الكمي الساكت أهيب ، وهذا يقتضي أن يكون في غير زجر الخيل انتهى .

                                                                                                                            فانظر هل كزجر الخيل الاستغاثة عند الحاجة إليها ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وعبارة حج في شرحه : وفرض الاحتياج إليه : أي الصياح لنحو تنبيه من خشي وقوع نحو مهلك به أو لزجر الخيل أو ليعرف أنه فلان المشهور لشجاعة نادرة ا هـ .

                                                                                                                            أي فلا يعذر به وبه يرد ما في الناشري ( قوله : ويلقي السلاح إذا دمى ) أي وقدر على إلقائه بأن لم يخش من إلقائه محذورا أخذا من قوله بعد فإن عجز إلخ ( قوله : جعله في قرابه ) إن قل زمن هذا الجعل بأن كان قريبا من [ ص: 370 ] زمن الإلقاء ا هـ حج ( قوله : بأن لم يكن له عنه بد ) أي غنى ، وعبارة حج بدل قول الشارح بأن لم يكن . إلخ وإن لم يضطر إليه ا هـ .

                                                                                                                            وقد يتبادر منه مخالفته لما هنا ، ويمكن حمل قوله بأن لم يكن له عنه بد على مصلحة القتال وإن لم يخف الهلاك بتركه فلا مخالفة ( قوله : في الأظهر ) ضعيف ( قوله : أو يكون خبرا ) أي هذا التركيب فيكونان مبتدأ وخبرا ، ويجوز أيضا رفع الأول ونصب الثاني بتقدير يكون وإن كان قليلا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وهو معنى قول الشارح من الأنواع بمحله ) قد يقال : لو كان هذا غرضه لأتى به في أول الأنواع ، ويجاب أخذا من كلام الشهاب البرلسي بأنه أتى بنظير هذا الجواب فيما مر من الأنواع ، لكن بغير هذا التعبير تفننا في العبارة ، على أن الذي يتجه أن الشارح الجلال إنما أشار بذلك إلى دفع ما قد يقال إن المصنف لم لم يعنون عن النوع الذي قبل هذا بلفظ الثالث فكيف يتأتى له التعبير هنا بالرابع ، ووجه الدفع أنه وإن لم يكن رابعا باللفظ فهو رابع بالمحل ، فالظرف متعلق بالرابع والباء فيه على حد الباء في قولهم : الأول بالذات والثاني بالعرض ، والشهاب حج أشار إلى هذا إلا أنه قدر للظرف متعلقا خارجيا ولا يخفى أن ما ذكرناه أقعد ( قوله : بأن هذه الكيفيات ) كان الأصوب أن يقول بأن هذه الأشياء ، أو أن مراده بالكيفيات هنا الأشياء بقرينة ما بعده ، بخلاف لفظ الكيفيات الآتي ، وعليه فالضمير في قوله ، وإنما تفعل راجع للصلاة ( قوله : بمعنى مع ) لا يناسب ما أسلفه [ ص: 369 ] قوله : لا تركه ) أي الاستقبال فهو معطوف على ترك المذكور في المتن .




                                                                                                                            الخدمات العلمية