الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يمنع أهل الذمة ) ، أو العهد ( الحضور ) أي لا ينبغي ذلك ; لأنهم مسترزقون وفضل الله واسع ، وقد يجيبهم استدراجا . قال تعالى { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } ( ولا يختلطون ) أي أهل الذمة ولا غيرهم من سائر الكفار ( بنا ) ; لأنهم ربما كانوا سبب القحط فيكره ذلك . قال تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } وفي الأم وغيرها : لا أكره من إخراج صبيانهم ما أكره من خروج كبارهم لأن ذنوبهم أقل ولكن يكره لكفرهم ، نقله المصنف عن حكاية البغوي له ، لكن عبر بخروج صبيانهم بدل إخراجهم ، وهو مؤول بإخراجهم ; لأن أفعالهم لا تكره شرعا ; لأنهم غير مكلفين . قال : أعني المصنف وهذا كله يقتضي كفر أطفال الكفار وقد اختلف العلماء فيه إذا ماتوا ، فقال الأكثر إنهم في النار ، وطائفة لا نعلم حكمهم ، والمحققون أنهم في الجنة ، وهو الصحيح المختار ; لأنهم غير مكلفين وولدوا على الفطرة ، وتحرير [ ص: 421 ] هذا أنهم في أحكام الدنيا كفار ، وفي أحكام الآخرة مسلمون ، قال الشافعي : لكن ينبغي أن يحرص الإمام على أن يكون خروجهم في غير يوم خروجنا لئلا تقع المساواة والمضاهاة في ذلك ا هـ .

                                                                                                                            لا يقال : في خروجهم وحدهم مظنة مفسدة وهو مصادفة يوم الإجابة فيظن ضعفاء المسلمين بهم خيرا ; لأنا نقول : في خروجهم معنا مفسدة محققة فقدمت على المفسدة المتوهمة . قال ابن قاضي شهبة ، وفيه نظر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يمنع أهل الذمة ) لكن لا يدخلون المسجد إلا بإذن كما في غير الاستسقاء ( قوله : أو العهد ) أي أو المؤمنين ( قوله : أي لا ينبغي ذلك ) أي لا يطلب والظاهر منه وكذا من قوله ولا يختطلون بنا أنه لا يطلب منعهم من الخروج في يومنا ، وعليه قوله قال الشافعي لكن ينبغي أن إلخ ، الغرض منه حكاية قول مقابل ، لما فهم من كلام المصنف ( قوله وقد يجيبهم استدراجا ) قال الشيخ عميرة : قال الروياني : لا يجوز التأمين على دعاء الكافر ; لأنه غير مقبول : أي لقوله تعالى { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } ا هـ سم على منهج ، ونوزع فيه بأنه قد يستجاب له استدراجا كما استجيب لإبليس فيؤمن على دعائه هذا ، ولو قيل : وجه الحرمة أن في التأمين على دعائه تعظيما له وتغريرا للعامة بحسن طريقته لكان حسنا ، وفي حج ما نصه : وبه أي بكونهم قد تعجل لهم الإجابة استدراجا يرد قول البحر يحرم التأمين على دعاء الكافر ; لأنه غير مقبول ا هـ على أنه قد يختم له بالحسنى فلا علم بعدم قبوله إلا بعد تحقق موته على كفره ، ثم رأيت الأذرعي قال : إطلاقه بعيد ، والوجه جواز التأمين بل ندبه إذا دعا لنفسه بالهداية ولنا بالنصر مثلا ومنعه إذا جهل ما يدعو به ; لأنه قد يدعو بإثم : أي بل هو الظاهر من حاله .

                                                                                                                            [ فرع ] في استحباب الدعاء للكافر خلاف ا هـ . واعتمد م ر الجواز ، وأظن أنه قال : لا يحرم الدعاء له بالمغفرة إلا إذا أراد المغفرة له مع موته على الكفر ، وسيأتي في الجنائز التصريح بتحريم الدعاء للكافر بالمغفرة . نعم إن أراد اللهم اغفر له إن أسلم أو أراد بالدعاء له بالمغفرة أن يحصل له سببه وهو الإسلام ثم هي فلا يتجه إلا بالجواز ا هـ سم على منهج ، وينبغي أن ذلك كله إذا لم يكن على وجه يشعر بالتعظيم وإلا امتنع خصوصا إذا قويت القرينة على تعظيمه وتحقير غيره كأن فعل فعلا دعا له بسببه ولم يقم به غيره من المسلمين فأشعر بتحقير ذلك الغير ( قوله : ; لأن ذنوبهم أقل ) لعل المراد بالذنوب ما يعد ذنبا في الشرع من حيث هو وإن لم يتعلق به خطاب للصبي لعدم تكليفه كالزنا والسرقة ، بل وبالكفر الذي هو أعظم الذنوب ، وعدم تكليفه لا يمنع من اتصافه بفعل القبيح ( قوله : وهذا كله يقتضي ) معتمد ( قوله ; لأنهم غير مكلفين وولدوا على الفطرة ) عبارة حج في الفتاوى : سئل نفع الله [ ص: 421 ] به بما لفظه ما محصل اختلاف الناس في الأطفال هل هم في الجنة خدام لأهلها ذكورا وإناثا ، وهل تتفاضل درجاتهم في الجنة ؟ فأجاب بقوله : أما أطفال المسلمين ففي الجنة قطعا بل إجماعا ، والخلاف فيه شاذ بل غلط .

                                                                                                                            وأما أطفال الكفار ففيهم أربعة أقوال : أحدها أنهم في الجنة وعليه المحققون لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } إلخ . الثاني أنهم في النار تبعا لآبائهم ، ونسبه النووي للأكثرين لكنه نوزع إلخ . الثالث الوقوف ، ويعبر عنهم بأنهم تحت المشيئة إلخ . الرابع أنهم يجمعون يوم القيامة وتؤجج لهم نار يقال ادخلوها ، فيدخلها من كان في علم الله سعيدا ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل إلخ ا هـ . ملخصا . وسئل العلامة الشوبري عن أطفال المسلمين هل يعذبون بشيء من أنواع العذاب ، وهل ورد أنهم يسألون في قبورهم وأن القبر يضمهم ، وإذا قلتم بذلك فهل يتألمون به أم لا ؟ وهل قول القائل : إن أطفال المسلمين يعذبون مصيب فيه أم مخطئ ، وما الحكم في أطفال المشركين من هذه الأمة هل هم خدم لأهل الجنة أم هم في النار تبعا لآبائهم أم غير ذلك ؟ فأجاب لا يعذبون بشيء من أنواع العذاب على شيء من المعاصي ، إذ لا تكليف عليهم ، والعذاب على ذلك خاص بالمكلفين ، ولا يسألون في قبورهم كما عليه جماعة ، وأفتى به شيخ الإسلام الحافظ حج وللحنفية والحنابلة والمالكية قول إن الطفل يسأل ، ورجحه جماعة من هؤلاء ، واستدل له بما لا يصح أنه صلى الله عليه وسلم لقن ابنه إبراهيم ، ولا يؤيد ذلك ما روي عن أبي هريرة { أنه كان يقول في صلاته على الطفل : اللهم أجره من عذاب القبر } ; لأنه ليس المراد بعذاب القبر ما فيه عقوبة ولا السؤال ، بل مجرد ألم الهم والغم والوحشة والضغطة التي تعم الأطفال وغيرهم . وأخرج علي بن معين عن رجل قال : كنت عند عائشة فمرت جنازة صبي صغير فبكت ، فقلت لها : ما يبكيك ؟ قالت : هذا الصبي بكيت شفقة عليه من ضمة القبر . والقائل المذكور إن أراد بيعذبون بالنار أو على المعاصي فغير مصيب بل هو مخطئ أشد الخطأ لما تقرر ، وأطفال المشركين اختلف العلماء فيهم على نحو عشرة أقوال ، الراجح منها أنهم في الجنة خدم لأهل الجنة . وسئل بعضهم هل يجوز أن يكون أحد من الأطفال في النار ، فأجاب بأن الأطفال في الجنة ولو أطفال كفار على الصحيح . نعم يخلق الله تعالى يوم القيامة خلقا ويدخلهم الجنة وخلقا يدخلهم النار لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ا هـ بحروفه ، والعشرة أقوال التي أشار إليها سردها في فتح الباري فليراجع ( قوله : لكن ينبغي ) أي يجب أخذا من التعليل الآتي في قوله لئلا إلخ ( قوله : لئلا تقع المساواة ) خلافا لحج ( قوله : وفيه نظر ) راجع لقوله ; لأنا نقول إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 419 - 420 ] قوله : نقله المصنف عن حكاية البغوي إلخ ) عبارة شرح الروض : نقله النووي عن حكاية البغوي له ، ونقله عن نص الأم أيضا ، لكن عبر بخروج صبيانهم بدل إخراجهم ، وهو الذي رأيته في تهذيب البغوي أيضا وهو مؤول إلخ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية