الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) من سننه ( تثليث الغسل والمسح ) [ ص: 189 ] المفروض والمندوب وباقي سننه من تخليل ودلك ومؤق عين ولحاظ لا مانع فيهما من إيصال الماء إلى محله وإلا وجب غسلهما ، وسواك وذكر ودعاء للاتباع في أكثر ذلك وقياسا في غيره لا الخف كما سيأتي ، وهل يثلث على الجبيرة والعمامة أو لا كالخف ؟ الأشبه نعم خلافا للزركشي ، ويفرق بينهما وبينه بأنه إنما كره فيه مخافة تعييبه ولا كذلك هما .

                                                                                                                            وقد يجب الاقتصار على مرة واحدة عند ضيق وقت الفرض بحيث لو ثلث خرج وقته أو خوف عطش بحيث لو أكمله لاستوعب الماء وأدركه العطش ونحو ذلك ، ويكره كل من الزيادة على الثلاث والنقص عنها بنية الوضوء والإسراف في الماء ولو على الشط إلا في ماء موقوف فتحرم الزيادة عليها لكونها غير مأذون فيها ، ولو توضأ مرة تم كذلك [ ص: 190 ] لم تحصل فضيلة التثليث كما قاله الشيخ أبو محمد وهو المعتمد خلافا للروياني والفوراني .

                                                                                                                            ويفرق بينه وبين نظيره في المضمضة والاستنشاق بأن الوجه واليد متباعدان ، فينبغي أن يفرغ من أحدهما ثم ينتقل إلى الآخر .

                                                                                                                            وأما الفم والأنف فكعضو واحد ( ويأخذ الشاك باليقين ) وجوبا في الواجب وندبا في المندوب كما لو شك في عدد الركعات ولا يقال إن الرابعة بدعة ، وترك سنة أسهل من ارتكاب بدعة لأنها لا تكون كذلك إلا إن تحقق كونها رابعة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : تثليث الغسل والمسح ) عبارة حج : وشرط حصول التثليث حصول الواجب أولا ، ثم قال : ولو اقتصر على مسح بعض رأسه وثلثه حصلت له سنة التثليث كما شمله المتن وغيره ، وقولهم لا يحسب تعدد قبل تمام العضو مفروض في عضو يجب استيعابه بالتطهير ، ويفرق بينه وبين حسبان الغرة والتحجيل قبل الفرض بأن هذا غسل محل آخر قصد تطهيره لذاته فلم يتوقف على سبق غيره له وذاك تكرير غسل الأول فتوقف على وجود الأولى ، إذ لا يحصل التكرار إلا حينئذ ا هـ .

                                                                                                                            وقوله حصول الواجب أولا ، وعليه فلو غسل الخد الأيمن ثلاثا ثم الأيسر كذلك لم يحصل التثليث ، وكذا لو غسل الكف ثلاثا ثم الساعد ، ويصرح بذلك قولهم مفروض في عضو يجب إلخ . [ فرع ] لو كان إذا ثلث لم يكف الماء وجب تركه ، فلو ثلث تيمم ولا يعيد لأنه أتلفه في غرض التثليث ا هـ سم على بهجة .

                                                                                                                            قلت : وكذا لا يعيد لو أتلفه بلا غرض وإن أثم لأنه لم يتيمم بحضرة ماء مطلق كما يصرح به قوله الآتي في التيمم بعد قول المصنف ولو وهب له ماء إلخ ، فإن أتلفه بعده لغرض كتبرد وتنظيف ثوب فلا قضاء أيضا ، وكذا لغير غرض في الأظهر لأنه فاقد للماء حال التيمم لكنه أثم في الشق الأخير . [ فرع ] هل يسن تثليث النية أيضا أو لا ، لأن النية ثانيا تقطع الأولى فلا فائدة في التثليث ، يحرر سم على منهج [ ص: 189 ]

                                                                                                                            قلت : وقضية قول البهجة : وثلث الكل يقينا ما خلا مسحا لخفين يقتضي طلبه ، فيكون ما بعد الأولى مؤكدا لها ، ويفرق بينه وبين تكرير النية في الصلاة حيث قالوا يخرج بالأشفاع ويدخل بالأوتار بأنه عهد فعل النية في الوضوء بعد أوله فيما لو فرق النية أو عرض ما يبطلها كالردة ولم يعهد مثل ذلك في الصلاة ، ونقل عن فتاوى م ر ما يوافقه ( قوله : المفروض ) أي كل منهما ( قوله : ومؤق ) بالهمز من مأق مقدم العين ا هـ مختار ( قوله : ولحاظ ) بفتح اللام مؤخر العين وبالكسر مصدر لاحظه : أي راعاه مختار : أي وغسل مؤق ولحاظ ، وهذا مستفاد من قوله بتثليث الغسل إلخ ، ولا يشمله قوله وباقي سننه ، وفي نسخة إسقاط قوله ومؤق عين ولحاظ ( قوله : وإلا وجب غسلهما ) أي ولا يتأتى ذلك إلا بإزالة ما فيهما من الرمص ونحوه فتجب إزالته كما تقدم في غسل الوجه ، لكن ينبغي أنه لو لم تتأت إزالة ما فيهما كالكحل ونحوه إلا بضرر أنه يعفى عنه حيث استعمل الكحل لعذر كمرض أو للتزين ولم يغلب على ظنه إضرار إزالته ( قوله : الأشبه نعم ) خلافا لحج ( قوله مخافة تعييبه ) قضيته أنه لو كان الخف من نحو زجاج يسن التثليث لأنه لا يخاف تعييبه ( قوله : خرج وقته ) أي بأن لم يدرك الصلاة كاملة فيه ا هـ حج ( قوله : يكره كل من الزيادة على الثلاث ) أي في غير المسبل ( قوله : فتحرم الزيادة عليها ) أي الثلاث ( قوله : لكونها غير مأذون فيها ) يؤخذ من تحريم ما ذكر حرمة ما جرت به العادة من أن كثيرا من الناس يدخلون إلى محل الطهارة لتفريغ أنفسهم ثم يغسلون وجوههم وأيديهم من ماء الفساقي المعدة للوضوء لإزالة الغبار ونحوه بلا وضوء ولا إرادة صلاة ، وينبغي أن محل حرمة ذلك ما لم تجر العادة بفعل مثله في زمن الواقف ويعلم به ، قياسا على ما قالوه في ماء الصهاريج المعدة للشرب من أنه إذا جرت العادة في زمن الواقف باستعمال مائها لغير الشرب وعلم به لم يحرم استعمالها فيما جرت العادة به وإن لم ينص الواقف عليه ( قوله : غير مأذون فيها ) يؤخذ من هذا حرمة الوضوء من مغاطس المساجد والاستنجاء منها للعلة المذكورة ، لأن الواقف إنما وقفه للاغتسال منه دون غيره .

                                                                                                                            نعم يجوز الوضوء والاستنجاء منها لمن يريد الغسل لأن ذلك من سننه فتنبه له فإنه يغفل عنه .

                                                                                                                            نعم إن دلت قرينة على أن الواقف لم يمنع من مثل ذلك لحصول التيسير به على الناس جاز ( قوله : ولو توضأ مرة مرة إلخ ) قضيته أنه [ ص: 190 ] لو غسل الوجه مرة ثم اليدين ثم فعل ذلك ثانيا وثالثا حصلت فضيلة التثليث ، وقضية قوله الآتي بأن الوجه واليدين متباعدان خلافه وهو الأوجه . [ فرع ] لو نذر الوضوء مرتين مرتين هل ينعقد نذره أم لا لأنه مكروه ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            قال شيخنا الشوبري : لا ينعقد ا هـ .

                                                                                                                            قلت : فإن أراد بعدم انعقاده إلغاءه بحيث يجوز الاقتصار على واحدة ففيه نظر ، لأن الثانية مستحبة والمكروه إنما هو الاقتصار على الثنتين ، وإن أراد بعدم انعقاده أنه لا يجب الاقتصار عليهما فظاهر ( قوله لم تحصل إلخ ) هل مثله ما لو غطس ونوى رفع الحدث ثم كرر ذلك ثلاثا فيكون الراجح فيه عدم حصول الفضيلة أولا .

                                                                                                                            ويفرق بين الترتيب الحقيقي وغيره ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن في الترتيب الحقيقي تباعدا لغسل بعض الأعضاء عن بعض يظهر في الحس ولا كذلك التقديري ( قوله : التثليث ) وحكم هذه الإعادة الكراهة كالزيادة على الثلاث ، وكان عدم حرمة ذلك أنه تابع للطهارة وتتمة لها في الجملة ، فلا يقال إنه عبادة فاسدة فتحرم ا هـ سم على حج زاد سم على منهج بعد مثل ما ذكر ، وإنما لم يحرم مع أن الثاني والثالث بعد تمام الوضوء وقبل صلاة لأنه قيل بحصول التثليث به وذلك شبهة دافعة للتحريم م ر .

                                                                                                                            أقول : لا حاجة إلى ذلك لأن الصحيح أن التجديد قبل فعل صلاة مكروه فقط كما تقرر ( قوله : فكعضو واحد ) قضيته أنه لو غسل اليد اليمنى مرة ثم اليسرى كذلك وأعاد ذلك ثانيا وثالثا على هذا الوجه حسب التثليث لأنهما عضو واحد كالفم والأنف ، لكن قال المناوي في شرح الشمائل ما نصه : وهل تحصل سنة التيمن باكتحاله في اليمنى مرة ثم في اليسرى مرة ثم يفعل ذلك ثانيا وثالثا أو لا يحصل إلا بتقديم المرات الثلاث في الأولى ؟ الظاهر الثاني قياسا على العضوين المتماثلين في الوضوء كاليدين .

                                                                                                                            ويحتمل حصولها بالأولى كالمضمضة والاستنشاق على بعض الصور المعروفة في الجمع والتفريق ا هـ .

                                                                                                                            ثم رأيت في سم على حج ما نصه : وفي قوله : يعني شرح الروض كاليدين إشارة إلى أن تثليث اليدين لا يتوقف على تثليث إحداهما قبل الأخرى بل لو ثلثهما معا : أي أو مرتبا أجزأ ذلك فتأمله .

                                                                                                                            وهذا هو المتجه إذ لا يشترط ترتيب ( قوله وندبا في المندوب ) ولو في الماء الموقوف .

                                                                                                                            نعم يكفي ظن استيعاب العضو بالغسل وإن لم يتيقنه كما بينته في شرح الإرشاد ا هـ حج ، وعليه فيستثنى هذا من قولهم المراد بالشك في أبواب الفقه مطلق التردد



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 189 ] قوله ومؤق عين ولحاظ ) لينظر هذا معطوف على ماذا مع دخوله في الغسل ، وقوله لا مانع فيهما إلخ ظاهره أنه لا يجب غسلهما إلا إذا كان بهما مانع ، وهو خلاف صريح ما مر من الوجوب مطلقا ، ويجوز كونهما معطوفين على محذوف والتقدير والدلك لغير مؤق عين ولحاظ ولمؤق ولحاظ ، فهو من مدخول الدلك لكن قد ينافيه ظاهر قوله وإلا وجب غسلهما ( قوله : بنية الوضوء ) يجب تقديمه على مسألة النقص ; لأنه قيد في الزيادة فقط ( قوله : إلا في ماء موقوف ) استثناء من الزيادة كما يدل عليه التفريع لا من الإسراف وإن كان حكمه كذلك .




                                                                                                                            الخدمات العلمية