الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويذر ) بالمعجمة في غير المحرم ( على كل واحدة ) من اللفائف قبل وضع الأخرى ( حنوطا ) بفتح الحاء ، ويقال له الحناط بكسرها وهو نوع من الطيب يجعل للميت خاصة يشتمل على الكافور والصندل وذريرة القصب ، قاله الأزهري ، وقال غيره : كل طيب خلط للميت ( كافور ) هو من عطف الجزء على الكل لأنه [ ص: 464 ] حينئذ الجزء الأعظم من الطيب لتأكد أمره ; ولأن المراد زيادته على ما يجعل في أصول الحنوط .

                                                                                                                            ويسن الإكثار منه كما قاله الإمام وغيره ، بل قال الشافعي : واستحب أن يطيب جميع بدنه بالكافور ; لأنه يقويه ويشده ، ولو كفن في خمسة جعل بين كل ثوبين حنوط كما في المجموع ( ويوضع الميت فوقها ) أي اللفائف برفق ( مستلقيا ) على قفاه ويجعل يداه على صدره يمناه على يسراه أو يرسلان في جنبه ، أيما فعل منهما فحسن ( وعليه حنوط وكافور ) لدفعه الهوام وشده البدن وتقويته ، ويسن تبخير الكفن بنحو عود أولا ( وتشد ألياه ) بخرقة بعد دس قطن حليج عليه حنوط وكافور بين ألييه حتى تصل الخرقة لحلقة الدبر فيشدها ويكره إيصاله داخل الحلقة .

                                                                                                                            وقول الأذرعي : ظاهر كلام الدارمي تحريمه لما فيه من انتهاك حرمته يرد بأنه لعذر فلا انتهاك ، وتكون الخرقة مشقوقة الطرفين وتجعل على الهيئة المتقدمة في المستحاضة ( ويجعل على ) كل منفذ من ( منافذ بدنه ) ، ومواضع السجود منه ( قطن ) حليج مع كافور وحنوط دفعا للهوام عن النافذ كالجبهة والعينين والأنف والفم والدبر والجراحات النافذة ، وإكراما للمساجد كالجبهة والأنف والركبتين وباطن الكفين وأصابع القدمين ( وتلف عليه ) بعد ذلك ( اللفائف ) بأن يثنى الطرف الأيسر ثم الأيمن كما يفعل الحي بالقباء ويجمع الفاضل عند رأسه ورجليه ويكون الذي عند رأسه أكثر ( وتشد ) عليه اللفائف بشداد يشده عليها لئلا تنتشر عند الحمل إلا أن يكون محرما كما صرح به الجرجاني لأنه يشبه بعقد الإزار ، ولا يجوز له أن يكتب عليها شيئا من القرآن أو الأسماء المعظمة صيانة لها عن الصديد ، ولا أن يكون للميت من الثياب ما فيه زينة كما في فتاوى ابن الصلاح ، ولعله محمول على زينة محرمة عليه حال حياته ( فإذا وضع ) الميت ( في قبره نزع الشداد ) عنه تفاؤلا بحل الشدائد عنه ; ولأنه يكره أن يكون معه في القبر شيء معقود وسواء في جميع ذلك الصغير والكبير ( ولا يلبس المحرم الذكر مخيطا ) ولا ما في معناه مما يحرم على المحرم لبسه ( ولا يستر رأسه ولا وجه المحرمة ) ولا كفاها بقفازين : أي يحرم ذلك إبقاء لأثر الإحرام ، وتقدم أن محله فيما قبل التحلل الأول ، ولا يندب أن يعد لنفسه كفنا لئلا يحاسب على اتخاذه ، إلا أن يكون من جهة حل أو أثر ذي صلاح [ ص: 465 ] وحسن إعداده ، لكن لا يجب تكفينه فيه كما اقتضاه كلام القاضي أبي الطيب وغيره بل للوارث إبداله ، لكن قضية بناء القاضي حسين ذلك على ما لو قال اقض ديني من هذا المال الوجوب ، وكلام الرافعي يومئ إليه .

                                                                                                                            قال الزركشي : والمتجه الأول ; لأنه ينتقل للوارث فلا يجب عليه ذلك ، ولهذا لو نزع الثياب الملطخة بالدم عن الشهيد وكفنه في غيرها جاز مع أن فيها أثر العبادة الشاهدة له بالشهادة فهذا أولى انتهى .

                                                                                                                            والأوجه الوجوب في المبني كالمبني عليه وإن انتقل الملك فيه للوارث ، والفرق بينهما وبين ثياب الشهيد واضح ، إذ ليس فيها مخالفة أمر المورث بخلافه فيهما .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : على كل واحدة ) أي بتمامها [ ص: 464 ]

                                                                                                                            ( قوله : أيما فعل منهما فحسن ) أي فهما في مرتبة واحدة ، ويفرق بينه وبين المصلي حيث كان جعلهما على صدره ثم أولى من إرسالهما لأن جعلهما على صدره ثم أبعد عن العبث بهما ، ولما قيل إنه إشارة إلى حفظ الإيمان والقبض عليه وكلاهما لا يتأتى هنا ( قوله ويسن تبخير الكفن إلخ ) أي ثلاثا ا هـ حج ( قوله : قطن حليج ) أي مندوف وهو بالحاء المهملة ( قوله : ومواضع السجود منه ) أي ولو كان صغيرا فيما يظهر إكراما لمواضع السجود من حيث هي ( قوله : وإكراما للمساجد ) أي مواضع السجود من بدنه ( قوله : بأن يثنى الطرف الأيسر ) أي من كل واحدة انتهى محلي ( قوله عند رأسه ) أي فوق رأسه ( قوله : نزع الشداد عنه ) والأولى أن الذي ينزع الشداد عنه هو الذي يلحده إن كان من الجنس ، فإن كان الميت امرأة فالأولى أن الذي يلي ذلك منها النساء كما يأتي في شرح المنهج بعد قول المصنف وأن يدخله القبر الأحق بالصلاة عليه ، وظاهر كلام المصنف حل نزع جميع الشداد ، وفي كلام الشيخ عميرة استثناء ما شد به الأليان فلا ينزع ( قوله وسواء في جميع ذلك الصغير والكبير ) لا يقال : العلة منتفية في حق الصغير لأنا نقول التفاؤل بزيادة الراحة له بعد فنزل ما انتفى عنه من عدم الراحة منزلة رفع الشدة ( قوله أي يحرم ذلك ) أي فلو خالفوا وفعلوا وجب الكشف ما لم يدفن الميت منهما ( قوله : ولا يندب أن يعد لنفسه كفنا ) ظاهره أنه لا يكره وإن أوهم الكراهة عبارة الزركشي في إعداد القبر ا هـ سم على بهجة .

                                                                                                                            وأراد بما نقله عن الزركشي قوله بعد قال في شرح الروض : قال أي الزركشي : ولو أعد له قبرا يدفن فيه فينبغي أن لا يكره لأنه للاعتبار بخلاف الكفن .

                                                                                                                            قال العبادي : ولا يصير أحق به ما دام حيا ووافقه ابن يونس ا هـ : أي فلغيره أن يسبقه إلى الدفن فيه ولا أجرة عليه له لأجل حفره م ر ا هـ ( قوله : لئلا يحاسب على اتخاذه ) أي لا على اكتسابه وإلا فكل ما له مطلقا يحاسب على اكتسابه [ ص: 465 ] ا هـ سم على بهجة ( قوله : والأوجه الوجوب في المبني ) هو قوله قضيته بناء القاضي حسين ذلك ، وقوله كالمبني عليه هو قوله على ما لو قال اقض ديني ( قوله إذ ليس فيها مخالفة ) يؤخذ منه أن محل وجوب التكفين فيما أعده لنفسه أن يقول بعد إعداده كفنوني في هذا أو نحو ذلك .

                                                                                                                            أما ما أعده بلا لفظ يدل على طلب التكفين فيه كأن استحسن لنفسه ثوبا أو ادخره ودلت القرينة على أنه قصد أن يكون كفنا له فلا يجب التكفين فيه .

                                                                                                                            نعم الأولى ذلك كما في ثياب الشهيد .

                                                                                                                            ثم رأيت في سم على بهجة بعد مثل ما ذكر ما نصه : قد يوجه ظاهر العبارة بأن ادخاره بقصد هذا الغرض بمنزلة الوصية بالتكفين فيه فليتأمل .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 464 - 465 ] قوله : والأوجه الوجوب في المبني كالمبني عليه ) أي في الكفن الذي أعده ، وفي مسألة الدين وظاهر السياق ; لأن محل الوجوب في مسألة الكفن إذا كان من حل أو أثر ذي صلاح ، وقضية البناء على مسألة الدين الإطلاق فليراجع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية