الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم النظر في شرطه وكيفيته وحكمه .

                                                                                                                            وقد شرع في بيانها فقال ( يجوز في الوضوء ) ولو مجددا وإن لم يحدث بعد اللبس لما سبق ، وعبر بالجواز إشارة إلى أنه لا يجب عينا ولا يسن ولا يحرم ولا يكره وإلى أن الغسل أفضل وهو كذلك أصالة ، وقد يسن كتركه رغبة عن السنة لإيثاره تقديم الأفضل عليه ، أو شك في جوازه لنحو معارض كدليل لا من حيث عدم علمه جوازه أو كان ممن يقتدى به أو وجد في نفسه كراهته إلى أن تزول ، وقد يجب كأن خاف فوت عرفة أو إنقاذ أسير ، أو انصب ماؤه [ ص: 200 ] عند غسل رجليه ووجد بردا لا يذوب يمسح به ، أو ضاق الوقت ولو اشتغل بالغسل لخرج الوقت ، أو خشي أن يرفع الإمام رأسه من الركوع الثاني في الجمعة ، أو تعين عليه الصلاة على ميت وخيف انفجاره لو غسل ، أو كان لابس الخف بشرطه محدثا ودخل الوقت وعنده ما يكفي المسح فقط ، بخلاف ما لو أرهقه الحدث وهو متطهر ومعه ما يكفيه لو مسح ولا يكفيه لو غسل فإنه لا يجب عليه لبس الخف ليمسح عليه لما فيه من إحداث فعل زائد قد يشق عليه ، ولأن في صورة الإدامة تعلق به وجوب الطهارة وهو قادر على أداء طهارة وجبت عليه بالماء باستصحاب حالة هو عليها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لما سبق ) أي في خبر جرير ، وأما ما رواه الحسن يبطل فليس فيه ما يدل على خصوص الوضوء ( قوله : إشارة إلى أنه إلخ ) لأن المتبادر من الجواز المستوي الطرفين ، فلا ينافي أن الجواز يطلق على ما قابل الحرام فيصدق لذلك كله ( قوله : وإلى أن الغسل إلخ ) يتأمل وجه الإشارة لأفضلية الغسل من الجواز فإن المتبادر منه الإباحة ، وهي لا تدل على أفضلية غيرها .

                                                                                                                            إلا أن يقال لما ذكر فيما مر وجوب الغسل دل على أنه الأصل ، فذكر الجواز في مقابلته يشعر بمخالفته الأصل ، وهو يشعر بأنه مفضول بالنسبة للغسل لأصالته ( قوله : رغبة عن السنة ) أي بأن أعرض عن السنة لمجرد أن في الغسل تنظيفا لا لملاحظة أنه أفضل ، فلا يقال الرغبة عن السنة قد تؤدي إلى الكفر لأن ذاك محله إن كرهها من حيث نسبتها للرسول صلى الله عليه وسلم ( قوله : لنحو معارض ) وهذا جواب عما قيل إذا شك في الجواز فكيف يقال الأفضل المسح ( قوله : لا من حيث عدم علمه جوازه ) أي وإلا فلا يكون المسح باطلا لعدم جزمه بالنية ( قوله : أو وجد في نفسه إلخ ) قال حج ما حاصله : هذه يغني عنها قوله : رغبة عن السنة ، لأن معنى الترك رغبة أن يتركه لإيثار الغسل عليه لا من حيث كونه أفضل ، سواء أوجد في نفسه كراهته لما فيه من عدم النظافة مثلا أم لا ، فعلم أن الرغبة عنه أعم وأن من جمع بينهما أراد الإيضاح ( قوله : وقد يجب إلخ ) لم يذكر ما يقتضي تحريمه ولا ما يقتضي كراهته .

                                                                                                                            قال حج : وقد يحرم كأن لبسه محرم تعديا هـ .

                                                                                                                            وفيه أن الكلام في المسح المجزئ بأن كان مستوفيا للشروط وهو فيما ذكره حج باطل لما علل به من امتناع اللبس لذاته ولم يذكر للمكروه مثالا ولعله لعدم وجوده ( قوله : أو إنقاذ أسير ) معطوف على قوله عرفة سم على بهجة .

                                                                                                                            وقال حج : وجعله بعضهم هنا أفضل لا واجبا ، ويتعين حمله على مجرد خوف من غير ظن ، لكن سيأتي أنه يجب البدار إلى إنقاذ أسر أوفق ولو على بعد ، وأنه إذا عارضه إخراج الفرض عن وقته قدم الإنقاذ ا هـ ( قوله : أو انصب ماؤه ) مجرد تصوير ، وإلا فلو كان ما معه من الماء لا يفضل منه بعد مسح الرأس ما يكفي الغسل ومعه برد [ ص: 200 ] تعين عليه المسح به ( قوله : في الجمعة ) أي وتعينت عليه ، فإن كان مسافرا أو رقيقا أو نحوهما ممن لا تجب عليه الجمعة لم يجب كما هو ظاهر ( قوله : من إحداث فعل ) أي وهو لبس الخفين



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 198 - 199 ] قوله : أنه لا يجب عينا ) أي بل مخيرا كما هو صريح عبارته ، وحينئذ فلا يصح التعبير بالجواز بالمعنى الذي أراده الشارح إلا أن يريد به أنه يجوز له تركه ، والعدول إلى الغسل ، ثم إن شيخنا في الحاشية نازع في كون هذا من الواجب المخير بأن من شرطه أن لا يكون أحد الواجبين بدلا عن الآخر ( قوله : وهو كذلك أصالة ) أي في المسألتين ( قوله : لإيثاره تقديم الأفضل عليه ) عبارة غيره لا لإيثاره الغسل عليه لا من حيث كونه أفضل منه ، وفي بعض نسخ الشارح : لا لإيثاره ، وهي مساوية للعبارة المذكورة ( قوله : وقد يجب ) أي عينا لعل صورته أن يخشى فوت الماء لو اشتغل بالإنقاذ أو فوت الإنقاذ لو اشتغل بالغسل




                                                                                                                            الخدمات العلمية