الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 164 ] فصل في شرط الصوم أي شرط صحته من حيث الفعل ( الإمساك عن الجماع ) وإن لم ينزل بالإجماع ولقوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } والرفث الجماع ( والاستقاءة ) لخبر { من استقاء فليقض } ومحله إذا كان من عامد عالم مختار كما في الجماع ، فلو جهل تحريمه لقرب عهده بالإسلام أو نشئه بعيدا عن العلماء أو كان ناسيا أو مكرها لم يفطر ، ومال في البحر إلى عذر الجاهل مطلقا والأصح خلافه ( والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه ) بالاستقاءة كأن تقيأ منكوسا ( بطل ) صومه بناء على أنها مفطرة لعينها لا لعود شيء ، ووجه مقابله البناء على أن المفطر رجوع شيء مما خرج وإن قل ( ولو غلبه القيء فلا بأس ) أي لم يضر لخبر { من ذرعه القيء } أي غلب عليه

                                                                                                                            [ ص: 165 ] { وهو صائم فليس عليه قضاء } ( وكذا لو اقتلع نخامة ولفظها ) أي رماها فلا بأس بذلك ( في الأصح ) سواء أقلعها من دماغه أم من باطنه لتكرر الحاجة إليه فرخص فيه .

                                                                                                                            والثاني يفطر به كالاستقاءة ، واحترز بقوله اقتلع عما لو لفظها مع نزولها بنفسها أو بغلبة سعال فلا بأس به جزما ، وبلفظها عما لو بقيت في محلها فلا يفطر جزما ، وعما لو ابتلعها بعد خروجها للظاهر فيفطر جزما ( فلو نزلت من دماغه وحصلت في حد الظاهر من الفم ) بأن انصبت من دماغه في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ( فليقطعها من مجراها وليمجها ) إن أمكن حتى لا يصل شيء إلى الباطن ، فلو كان في الصلاة وهي فرض ولم يقدر على مجها إلا بظهور حرفين لم تبطل صلاته بل يتعين مراعاة لمصلحتهما كما يتنحنح لتعذر القراءة الواجبة ، كذا أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ( فإن تركها مع القدرة ) على ذلك ( فوصلت الجوف أفطر في الأصح ) لتقصيره .

                                                                                                                            والثاني لا يفطر فلو لم تصل إلى حد الظاهر من الفم وهو مخرج الخاء المعجمة وكذا المهملة عند المصنف بأن كانت في حد الباطن وهو مخرج الهمزة والهاء أو حصلت في الظاهر ولم يقدر على قلعها ومجها لم يضر ، ومعنى الحلق عند الفقهاء أخص منه عند أئمة العربية ، إذ المعجمة والمهملة من حروف الحلق عندهم وإن كان مخرج المعجمة أدنى من مخرج المهملة ثم داخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة ، والخيشوم له حكم الظاهر في الإفطار باستخراج القيء إليه وابتلاع النخامة منه وعدمه بدخول شيء فيه وإن أمسكه ، وإذا تنجس وجب غسله وله حكم الباطن في عدم الإفطار بابتلاع الريق منه ، وفي سقوط غسله من نحو الجنب وفارق وجوب غسل النجاسة عنه بأن تنجس البدن أندر من الجنابة فضيق فيه دونها

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 164 ] فصل في شروط الصوم ) ( قوله : من حيث الفعل ) أي لا من حيث الفاعل والوقت ( قوله : الإمساك ) تقدم للشارح أن هذا ركن ، ولكن عبر عنه المصنف بالشرط فلا تنافي بين جعله شرطا من حيث الفعل هنا وجعله إياه ركنا فيما مر .

                                                                                                                            وقال حج : والمراد بالشرط ما لا بد منه لا الاصطلاحي وإلا لم يبق للصوم حقيقة إذ هي النية والإمساك ، وفيه أيضا : ويشترط هنا كونه واضحا فلا يفطر به خنثى إلا إن وجب عليه الغسل بأن تيقن كونه واطئا أو موطوءا ( قوله ولقوله تعالى ) عطف على قوله بالإجماع ( قوله : { أحل لكم ليلة الصيام } ) أي فدل بمفهومه على حرمته نهارا والأصل في التحريم في العبادات اقتضاؤه الفساد وقدم الإجماع على الآية لأنه أصرح في المراد ( قوله والاستقاءة ) ينبغي أن من الاستقاءة ما لو أخرج ذبابة دخلت إلى جوفه وأنه لو تضرر ببقائها أخرجها وأفطر كما لو أكل لمرض أو جوع مضر مر ا هـ سم على شرح البهجة .

                                                                                                                            وينبغي أنه لو شك هل وصلت في دخولها إلى الجوف أم لا فأخرجها عامدا عالما لم يضر ، بل قد يقال بوجوب الإخراج في هذه إذا خشي نزولها للباطن كالنخامة الآتية .

                                                                                                                            [ فرع ] لو شرب خمرا بالليل وأصبح صائما فرضا فقد تعارض واجبان الإمساك والتقيؤ ، والذي يظهر من مر أنه يراعي حرمة الصوم للاتفاق على وجوب الإمساك فيه ، والاختلاف في وجوب التقيؤ على غير الصائم ا هـ شرح العباب .

                                                                                                                            وهذا ظاهر في صوم الفرض ، وأما في النفل فلا يبعد عدم وجوب التقيؤ وإن جاز محافظة على حرمة العبادة مر ا هـ سم على حج ( قوله : ومحله ) أي ما ذكر من الجماع والاستقاءة ( قوله : مختار كما في المجموع ) ظاهره أنه لا فطر بالجماع مع الإكراه وإن كان الإكراه على الزنا مع أن الزنا لا يباح بالإكراه فليتأمل هل الأمر كذلك .

                                                                                                                            وفي شرح الروض تعليل : أي حيث قال : ولأن أكله ووطأه ليس منهيا عنهما يقتضي أن الأمر ليس كذلك : أي فيفطر به وسيأتي ما يوافقه فليراجع وليحرر ا هـ سم على منهج ( قوله : لقرب عهده ) وهذا القيد معتبر في كل ما يأتي من الصور المغتفرة للجهل ، وقوله عن العلماء أي بهذه الأحكام الخاصة وإن لم يحسنوا غيرها كما يؤخذ من قول حج بعيدا عن عالمي ذلك ( قوله : أو كان ناسيا ) أي أو غلبه القيء كما يأتي ( قوله : ومال في البحر إلى عذر الجاهل ) ضعيف وقوله مطلقا : أي قرب عهده بالإسلام أولا نشأ بعيدا عن العلماء أو بين أظهرهم

                                                                                                                            [ ص: 165 ] قوله : من باطنه ) في بعض النسخ ، والأولى إسقاطها ليوافق قوله سواء أقلعها من إلخ إلا أن يقال : أراد بالباطن هنا ما قابل الظاهر وبالباطن فيما يأتي نحو الصدر ( قوله : وعما لو ابتلعها بعد خروجها ) أي أو ابتلعها وهي في الباطن وإن قدر على قلعها أخذا مما يأتي ( قوله : للظاهر ) وهل يلزمه تطهير ما وصلت إليه من حد الظاهر حيث حكمنا بنجاستها أو يعفى عنه ؟ فيه نظر ، ولا يبعد العفو مر ا هـ سم على حج ، وعليه لو كان في الصلاة وحصل له ذلك لم تبطل صلاته ولا صومه إذا ابتلع ريقه ، ولو قيل بعدم العفو في هذه الحالة لم يكن بعيدا لأن هذه حصولها نادر وهي شبيهة بالقيء وهو لا يعفى عن شيء منه .

                                                                                                                            اللهم إلا أن يقال : إن كلامه مفروض فيما لو ابتلي بذلك كدم اللثة إذا ابتلي به ( قوله إلا بظهور حرفين ) أي أو أكثر ( قوله بل يتعين ) أي القلع ( قوله : لمصلحتهما ) أي مصلحة الصوم والصلاة ( قوله : عند المصنف ) معتمد ( قوله : أخص منه ) أي هو بعضه عند اللغويين وليس أخص بالمعنى المصطلح عليه عندهم لأنه ليس جزئيا من جزئيات مطلق الحلق وإنما هو جزء منه ( قوله : من حروف الحلق ) قال في شرح البهجة الكبير : والمعجمة تخرج مما قبل الغلصمة ا هـ .

                                                                                                                            قال في المصباح : الغلصمة رأس الحلقوم ، وهو الموضع الناتئ في الحلق والجمع غلاصم ا هـ .

                                                                                                                            وقال في القاموس : الغلصمة اللحم بين الرأس والعنق ، أو العجرة على ملتقى اللهاة والمريء ، أو رأس الحلقوم بشواربه وحرقدته ، أو أصل اللسان والسادة والجماعة ( قوله ثم داخل الفم ) أي إلى ما وراء مخرج الحاء المهملة وداخل الأنف إلى ما وراء الخياشيم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 163 - 164 ] فصل : شرط الصوم ) ( قوله ولقوله تعالى { أحل لكم } ) أي لمفهومه [ ص: 165 ]

                                                                                                                            ( قوله : سواء أقلعها من دماغه ) ليس قلعها من الدماغ من محل الخلاف ، ومن ثم قيد المحل المسألة بقوله من الباطن ( قوله : عما لو بقيت في محلها ) أي من الباطن بأن نقلها من محلها الأصلي منه إلى محل منه آخر ( قوله : والمهملة من حروف الحلق عندهم ) أي أهل العربية




                                                                                                                            الخدمات العلمية