الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويجب ) على الواطئ ( معها ) أي الكفارة ( قضاء يوم الإفساد ) ( على الصحيح ) لأنه إذا وجب على المعذور فعلى غيره أولى ، ولما رواه أبو داود { أنه صلى الله عليه وسلم أمر به الأعرابي } ، والثاني لا يجب لجبر الخلل بالكفارة ( وهي ) يعني كفارة الوقاع في رمضان ككفارة الظهار لقوله عليه الصلاة والسلام { من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر } وكفارة الظهار مرتبة بالإجماع ولأن فيها صوما متتابعا فكانت مرتبة كالقتل ولأنها كفارة ذكر فيها الأغلظ أولا وهو العتق فكانت مرتبة بخلاف كفارة اليمين ، وقد أشار إلى ترتيبها بقوله ( عتق رقبة ) مؤمنة ( فإن لم يجد ) ها ( فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع ) صومهما ( فإطعام ستين مسكينا ) أو فقيرا للخبر المار أول الفصل ، وسيأتي الكلام على صفتها في كتاب الكفارة إن شاء الله تعالى ، ولو شرع في الصوم ثم وجد الرقبة ندب له عتقها ، ولو شرع في الإطعام ثم قدر على الصوم ندب له ( فلو عجز عن الجميع ) أي جميع خصالها المذكورة ( استقرت ) الكفارة ( في ذمته في الأظهر ) لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي بأن يكفر بما دفعه إليه مع إخباره بعجزه فدل على ثبوتها في الذمة كما مر إيضاحه ، والثاني لا بل تسقط كزكاة الفطر ( فإذا قدر على خصلة ) منها ( فعلها ) كما لو

                                                                                                                            [ ص: 205 ] كان قادرا عليها حال الوجوب ، وكلام التنبيه يقتضي أن الثابت في ذمته هو الخصلة الأخيرة ، وكلام القاضي أبي الطيب يقتضي أنه إحدى الخصال الثلاث وأنها مخيرة ، وكلام الجمهور أنها الكفارة وأنها مرتبة في الذمة وبه صرح ابن دقيق العيد وهو المعتمد ، ثم إن قدر على خصلة فعلها أو أكثر رتب ( والأصح أن له العدول عن الصوم إلى الإطعام لشدة الغلمة ) بغين معجمة مضمومة ولام ساكنة شدة الحاجة للنكاح ، لأن حرارة الصوم وشدة الغلمة قد يفضيان به إلى الوقاع ولو في يوم واحد من الشهرين وذلك مقتض لاستئنافهما وفيه حرج شديد ، والثاني لا لقدرته على الصوم فامتنع عليه العدول عنه كصوم رمضان ( و ) الأصح ( أنه ) ( لا يجوز للفقير صرف كفارته إلى عياله ) الذين تلزمه مؤنتهم كالزكوات وسائر الكفارات . وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الخبر { أطعمه أهلك } ففي الأم يحتمل أنه لما أخبره بفقره صرفه له صدقة أو أنه ملكه إياه وأمره بالتصدق ، فلما أخبره بفقره أذن له في صرفها لهم للإعلام بإنها إنما تجب بعد الكفاية أو أنه تطوع بالتكفير عنه ، وسوغ له صرفها لأهله إعلاما بأن لغير المكفر التطوع بالتكفير عنه بإذنه وأن له صرفها لأهل المكفر عنه : أي وله فيأكل هو وهم منها كما نقله القاضي وغيره عن الأصحاب ، وحاصل الاحتمالين الأولين أنه صرف له ذلك تطوعا . قال ابن دقيق العيد : وهو الأقرب ، ويصح أن يكون المصنف احترز عن هذه المسألة بقوله وأنه لا يجوز للفقير صرف كفارته إلى عياله لأن الصارف فيها إنما هو الأجنبي . نعم يبقى الكلام على ما تقرر في العدد المصروف إليه فيجوز كون عدد الأهل ستين مسكينا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ذكر فيها الأغلظ ) لعله في قوله في الحديث المار { هل تجد ما تعتق به رقبة } ( قوله : ندب له عتقها ) أي ويترك صوم بقية المدة ويقع له ما صامه نفلا مطلقا ( قوله : ندب له ) أي وسيأتي فيه ما مر قريبا فيترك ما بقي من الإطعام ويقع له ما أطعمه نفلا مطلقا ( قوله في الأظهر ) زاد في شرح البهجة الكبير ولأن حقوق الله تعالى المالية إذا عجز عنها وقت وجوبها ، فإن

                                                                                                                            [ ص: 205 ] كانت لا لسبب من العبد كزكاة الفطر لم تستقر في ذمته ، وإن كانت بسبب منه استقرت في ذمته سواء كانت على وجه البدل كجزاء الصيد وفدية الحلق أم لا ككفارة الظهار والقتل واليمين والجماع ودم التمتع والقران ا هـ . وتقدم نحوه في قول الشارح بعد قول المصنف والأظهر وجوب المد على من أفطر إلخ وما بحثه في المجموع من أنه ينبغي هنا إلخ ( قوله : وفيه حرج شديد ) وورد أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر المكفر بالصوم { قال : يا رسول الله وهل أتيت إلا من الصوم ؟ فأمره بالإطعام } ا هـ حج ( قوله : فيجوز كون عدد الأهلي ) أي لا بقيد كونهم ممن تلزمه مؤنتهم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 204 ] قوله : ولأن فيها صوما متتابعا إلخ ) انظر ما الداعي إلى الاستدلال على كفارة الظهار هنا مع أن لها محلا يخصها ، ومع أن روايات حديث الباب كافية في المقصود هنا والأمر غير محتاج إلى القياس ( قوله : كما مر إيضاحه ) الذي مر إنما هو مجرد لفظ الحديث ولم يقدم له إيضاحا .




                                                                                                                            الخدمات العلمية