الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ارتد المعتكف أو سكر ) معتديا ( بطل ) اعتكافه زمن ردته وسكره لعدم أهليته ، أما غير المتعدي فيشبه كما قاله الأذرعي أنه كالمغمى عليه ( والمذهب بطلان [ ص: 225 ] ما مضى من اعتكافهما المتتابع ) وإن لم يخرج لأن ذلك أشد من خروجه بلا عذر وهو يقطع التتابع فلا بد من استئنافه ، والثاني لا يبطل في المسألتين فيبنيان ، أما في الردة فترغيبا في الإسلام ، وأما في السكر فإلحاقا له بالنوم ، وما نص عليه الشافعي رضي الله عنه من عدم بطلان اعتكاف المرتد محمول على غير المتتابع حتى إذا أسلم يبني على أنه مرجوح عنه ، وقد علم مما تقرر أن المراد بالبطلان عدم البناء عليه لا حبوطه بالكلية ، وقد أشار الشارح لذلك بقوله من حيث التتابع ، وتثنية المصنف الضمير في اعتكافهما مع عطفه بأو وإتيانه به بعد ذلك مفردا في إن لم يخرج صحيح لأن المعطوف بأو هو الفعل والضمير ليس عائدا عليه وإنما هو عائد على المرتد والسكران المفهومين من لفظ الفعل ، وقد تقدم ما يدل عليهما فصح عود الضمير عليهما ( ولو ) ( طرأ جنون أو إغماء ) على المعتكف ( لم يبطل ما مضى ) من اعتكافه المتتابع ( إن لم يخرج ) بالبناء للمفعول من المسجد لعذره بما عرض له ، فإن أخرج مع تعذر ضبطه في المسجد لم يبطل أيضا كما لو حمل العاقل مكرها ، وكذا إن أمكن بمشقة على الصحيح فهو كالمريض ( ويحسب زمن الإغماء من الاعتكاف ) المتتابع كما في الصائم إذا أغمي عليه بعض النهار ( دون ) زمن ( الجنون ) فلا يحسب منه لأن العبادة البدنية لا تصح منه ( أو ) طرأ ( الحيض ) أو النفاس على معتكفة ( وجب ) عليها ( الخروج ) من المسجد لحرمة المكث عليها ( وكذا الجنابة ) بما لا يبطل الاعتكاف كالاحتلام إذا طرأت على المعتكف ( إن تعذر ) عليه ( الغسل في المسجد ) فيجب عليه الخروج منه لحرمة المكث فيه عليه ، ولو احتاج للتيمم لفقد الماء أو غيره وجب عليه الخروج لأجله كما بحثه بعض المتأخرين وإن أمكنه فعله فيه بغير ترابه لتضمنه اللبث فيه إلى فراغه ، فلو أمكنه فيه مارا من غير مكث ولا تردد لم يجب خروجه له لعدم حرمة المرور فيه ( فلو أمكنه ) الغسل فيه ( جاز ) له ( الخروج له ولا يلزم ) ذلك من أجله بل له فعله في المسجد إن لم يترتب عليه نحو مكث محرم وكلام

                                                                                                                            [ ص: 226 ] الشارح محمول على هذا مراعاة للتتابع . نعم لو كان الجنب مستجمرا بالحجر ونحوه وجب خروجه وتحرم إزالة النجاسة في المسجد ، ويجب أيضا إذا حصل بالغسالة ضرر للمسجد أو المصلين كما أفاده بعض المتأخرين ويلزمه المبادرة بغسله لئلا يبطل تتابع اعتكافه ( ولا يحسب زمن الحيض ) والنفاس ( ولا ) زمن ( الجنابة ) من الاعتكاف إن اتفق المكث معهما في المسجد لعذر أو غيره لمنافاة ذلك للاعتكاف ، وسيأتي الكلام على الحائض هل تبني على ما مضى أو لا ؟ . أما المستحاضة فإن أمنت تلويثه لم تخرج من اعتكافها فإن خرجت بطل تتابعه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : على أنه مرجوع ) علاوة ( قوله : لا حبوطه بالكلية ) أما عدم حبوط في المرتد فهو بمعنى أنه لا يعاقب على ما فاته من الاعتكاف ، وأما ثوابه فيبطل بمجرد ردته كسائر أعماله ، وأما في غيره فهل يثاب عليه ثواب الواجب أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني . وينبغي أن محل وقوعه نفلا مطلقا ما لم يكن عليه اعتكاف آخر واجب وإلا وقع عنه ( قوله : لم يجب خروجه ) قضيته جواز الخروج لذلك فليتأمل ، وعبارة حج : لم يجز له الخروج لعدم إلخ ، وقياس ما ذكر المصنف في الغسل من جواز الخروج وإن أمكن في المسجد بلا مكث جوازه هنا إلا أن يفرق بعدم طول زمن التيمم عادة فامتنع الخروج لأجله

                                                                                                                            [ ص: 226 ] ( قوله : وجب خروجه ) أي ليغتسل خارجه احترازا من وصول الماء المستعمل في النجاسة للمسجد ( قوله : وتحرم إزالة النجاسة في المسجد ) أي وإن لم يحكم بنجاسة الغسالة حج ( قوله : ويجب أيضا ) أي الخروج من المسجد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله لا حبوطة بالكلية ) أي فيستمر ثوابه ولو في المرتد حيث عاد إلى الإسلام إذ الردة إنما تحبط العمل إذا اتصلت بالموت خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله لأن المعطوف هو الفعل ) أي في الأول أي بخلاف الثاني فإن المعطوف فيه الفاعل وكان الأولى عدم الذكر الثاني في الإشكال إذ لا إشكال فيه لأنه أتى على الأصل على أن إيراد الإشكال والجواب على هذا الوجه ليس على ما ينبغي والوجه أن يقال فيهما وتثنية الضمير في اعتكافهما مع أن مرجعه لفظ المعتكف وهو مفرد بالنظر لا تصفه بوصفي الردة والسكر فتأمل .

                                                                                                                            ( قوله مع تعذر ضبطه ) أي فإن لم يتعذر : أي ولم يشق بطل ( قوله فلو أمكنه مارا ) أي والصورة أنه لم يقصد المرور لأجل ذلك لأنه حينئذ تردد كما لا يخفى فينبغي أن يصور بما إذا عقد نيته على الخروج حقيقة ثم عن له ذلك في أثناء خروجه وهو مار




                                                                                                                            الخدمات العلمية