الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) تحصل ( بخروج مني ) ولو بلون الدم لكثرة جماع ونحوه ، فيكون طاهرا موجبا للغسل إذا وجدت فيه الخواص الآتية ، والمراد منيه ليخرج به مني غيره والخارج أول مرة ليخرج ما لو استدخلته ثم خرج ، سواء في ذلك الرجل والمرأة خرج بنظر أم فكر [ ص: 215 ] أم احتلام أم غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم { لما جاءته أم سليم وقالت له لا يستحى من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ قال : نعم ، إذا رأت الماء } ( من طريقه المعتاد ) ولو من قبلي مشكل ( وغيره ) كدبر أو ثقبة قياسا على المعتاد ، وتسويته في الخارج من المعتاد وغيره هي المرجحة في الروضة والمصححة في الشرح الصغير لكن جزم في التحقيق بأن للخارج من غير المعتاد حكم المنفتح في باب الحدث ، فيعتبر فيه الانفتاح والانسداد والأعلى والأسفل ، وصوبه في المجموع .

                                                                                                                            قال في المهمات : وهو الماشي على القواعد فليعمل به .

                                                                                                                            قال الرافعي : والصلب هنا كالمعدة هناك .

                                                                                                                            قال في الخادم : وصوابه كتحت المعدة هناك ، لأن كلام المجموع صريح في أن الخارج من نفس الصلب يوجب الغسل ا هـ .

                                                                                                                            وهو كما قال : وعليه فيفرق بين هذه وما مر حيث ألحق ثم ما انفتح في المعدة بما فوقها ، بأن العادة جرت بأن ما تحيله الطبيعة تلقيه إلى أسفل وما سواه بالقيء أشبه بخلاف ما هنا ، والصلب إنما يعتبر للرجل أما المرأة فالمعتبر فيها ما بين ترائبها وهي عظام الصدر ، والمراد بخروج المني في حق الرجل والبكر بروزه عن الفرج إلى الظاهر ، ويكفي في الثيب وصوله إلى محل يجب غسله في الجنابة ، ومن أحس بنزول منيه فأمسك ذكره فلم يخرج فلا غسل عليه .

                                                                                                                            ثم الكلام في مني مستحكم فإن لم يستحكم بأن خرج لمرض لم يجب [ ص: 216 ] الغسل بلا خلاف كما في المجموع عن الأصحاب ( ويعرف ) المني ( بتدفقه ) وهو خروجه بدفعات ، قال تعالى { من ماء دافق } ( أو لذة ) بالمعجمة ( بخروجه ) أي وجدانها وإن لم يتدفق لقلته ويلزمه فتور الذكر وانكسار الشهوة غالبا ( أو ريح عجين ) وطلع نخل ( رطبا وبياض بيض جافا ) وإن لم يتدفق ويلتذ به كأن خرج ما بقي منه بعد الغسل فأي صفة من الثلاث وجدت كفت إذ لا يوجد شيء منها في غيره ، وقوله رطبا وجافا حالان من المني لا من العجين وبياض البيض ، ولا أثر لثخانة أو بياض في مني الرجل ولا ضد ذلك في مني المرأة ( فإن فقدت الصفات ) أي الخواص المذكورة ( فلا غسل ) لأنه ليس بمني ، فلو احتمل كون الخارج منيا أو وديا كمن استيقظ ووجد الخارج منه أبيض ثخينا تخير بين حكميهما فيغتسل أو يتوضأ ويغسل ما أصابه منه ، فلو اختار كونه منيا لم يحرم عليه قبل اغتساله ما يحرم على الجنب للشك في الجنابة ، ولهذا من قال بوجوب الاحتياط بفعل مقتضى الحدثين لا يوجب عليه غسل ما أصاب ثوبه ، لأن الأصل طهارته ، كذا أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            وقضية كلام الزركشي أن له الرجوع عما اختاره وهو ظاهر ، إذ التفويض إلى خيرته يقتضي ذلك .

                                                                                                                            وإن رأى منيا في ثوبه أو في فراش نام فيه وحده أو مع من لا يمكن كونه منه كالممسوح فيما يظهر كما في الخادم لزمه الغسل وإن لم يتذكر احتلاما ، ولزمه إعادة كل مكتوبة لا يحتمل حدوثه بعدها ، ويندب له إعادة ما احتمل أنه فيها كما لو نام مع من يمكن كونه منه ولو نادرا ، كالصبي بعد تسع فإنه يندب لهما الغسل ، وعلم مما قررناه صحة ما قيد الماوردي المسألة به بما إذا رأى [ ص: 217 ] المني في باطن الثوب ، فإن رآه في ظاهره فلا غسل لاحتمال أنه أصابه من غيره ( والمرأة كرجل ) فيما مر من حصول الجنابة وما يعرف به المني من الخواص الثلاث على الأصح من اضطراب طويل لعموم الأدلة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : استدخلته ثم خرج ) قال الخطيب على الغاية : أما إذا خرج من قبل المرأة مني جماعها بعد غسلها فلا تعيد الغسل إلا إذا قضت شهوتها ، فإن لم يكن لها شهوة كصغيرة أو كان ولم تقض كنائمة لا إعادة عليها ، فإن قيل إذا قضت شهوتها لم تتيقن خروج منيها ، ويقين الطهارة لا يرفع بظن الحدث ، إذ حدثها وهو خروج منيها غير متيقن ، وقضاء شهوتها لا يستدعي خروج شيء من منيها كما قاله في التوشيح .

                                                                                                                            أجيب بأن قضاء شهوتها منزل منزلة نومها في خروج [ ص: 215 ] الحدث ، فنزلوا المظنة منزلة المئنة ، وخرج بقبل المرأة ما لو وطئت في دبرها فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل لم يجب عليها إعادة الغسل كما علم مما مر .

                                                                                                                            [ فائدة ] وقع السؤال عما لو دخل إنسان فرج امرأة هل يجب عليه الغسل لأنه صدق عليه أنه أدخل ذكره فرجا أم لا لأنه أدخله تابعا لا مستقلا ؟ فيه نظر ، والظاهر هو الأول للعلة المذكورة .

                                                                                                                            [ فائدة أخرى ] سئل الشهاب الرملي عمن أدخل ذكره في ذكر آخر هل يجب عليهما الغسل أم لا .

                                                                                                                            فأجاب بالوجوب ا هـ .

                                                                                                                            وهو ظاهر لأنه صدق على هذا الفعل أنه دخول ذكر في فرج وذلك موجب للغسل على كل منهما ( قوله : أم سليم ) قال في التقريب : أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية والدة أنس بن مالك يقال اسمها سهلة أو رميلة أو رميثة أو مليكة أو أنيفة وهي الغميصاء أو الرميصاء اشتهرت بكنيتها ، وكانت من الصحابيات الفاضلات ، ماتت في خلافة عثمان ( قوله : حكم المنفتح في باب الحدث إلخ ) تقدم للشارح أن المنافذ الأصلية لا تعتبر ، وقياسه هنا أن الخارج منها لا يوجب الغسل ، فقوله فيما مر كالدبر إنما يأتي على ما اعتمده حج ، أو على ما قاله هو بناء على أنه أراد بالمنافذ الأصلية الفم ونحوه ، وأما الدبر فهو من الفرج ، وغايته أن خروج المني منه خروج له من غير طريقه المعتاد ( قوله : والصلب ) أي كله ( قوله : وهو كما قال ) أي في الخادم من أن صوابه كتحت المعدة فينقض الخارج من نفس الصلب ، وخالف فيه حج فجعل الغسل مختصا بما يخرج من تحت الصلب وتحت ترائب المرأة ، وتبعه ابن عبد الحق ( قوله : وهي عظام الصدر ) أي كلها ( قوله : فأمسك ذكره إلخ ) عبارة سم على منهج : وأفهم التعبير بالخارج أنه لا أثر لنزوله لقصبة الذكر وإن حكمنا ببلوغه ولا لقطعه ، وهو فيه إذا لم يخرج من المنفصل شيء كما قاله البارزي والإسنوي ا هـ .

                                                                                                                            وفيه نظر إذا تحققنا وجوده في المنفصل ، إذ المدار على خروج المني وقد وجد ا هـ .

                                                                                                                            وما نظر به تقدم مثله اعتراضا على ما في شرح العباب عن الإسنوي والبارزي لكن عبارته ثم ولم يخرج من المنفصل ، وهي مخالفة لقوله هنا من المتصل ( قوله : فلا غسل عليه ) أي ويحكم ببلوغه إن كان صغيرا ( قوله : مستحكم ) أي بأن وجد فيه إحدى خواص المني طب وم ر .

                                                                                                                            وهذا كله في الخارج من غير [ ص: 216 ] المعتاد ، أما الخارج منه فيوجب الغسل مطلقا كما هو حاصل شرح الروض وما قاله م ر .

                                                                                                                            وقوله : لمرض : أي مع كونه فيه بعض الخواص سم على منهج .

                                                                                                                            ويستفاد ما ذكر من قول الشارح ثم الكلام إلخ ، فإن مراده به التفصيل في المني الخارج من المنفتح ، ويدل على أن ما خرج من طريقه الأصلي يوجب الغسل مطلقا حيث علم أنه مني بوجود بعض الخواص فيه .

                                                                                                                            وقوله : مستحكم بكسر الكاف كما في تحرير النووي ويوافقه قوله : المختار وأحكم فاستحكم : أي صار محكما ا هـ .

                                                                                                                            فصرح بأن استحكم لازم فالوصف منه اسم فاعل على مستفعل بالكسر ( قوله : أو ريح عجين ) أي عجين حنطة ونحوها : أي وبيض دجاج ونحوه خطيب ، والمراد بنحو الحنطة : أي ما يشبه رائحة عجينها ، وبنحو بيض الدجاج ما يشبه رائحته رائحته ( قوله : في مني المرأة ) أي من الرقة والصفرة ا هـ حج ( قوله : أي الخواص ) دفع ما أورد عليه من أن صفات مني الرجل البياض والثخن مع وجوب الغسل بانتفائهما عنه ، ويفهم ذلك من حمل أل في المتن على العهد الذكري ( قوله : للشك في الجنابة ) خلافا لحج ( قوله : وهو ظاهر ) وعليه فإذا رجع قال حج : فيحتمل أنه يعمل بقضية ما رجع إليه في الماضي أيضا وهو الأحوط ، ويحتمل أنه لا يعمل بها إلا في المستقبل لأنه التزم قضية الأول بفعله بموجبه فلم يؤثر الرجوع فيه ، وكتب عليه سم ( قوله : لا يعمل إلخ ) هذا هو الوجه ا هـ .

                                                                                                                            [ تنبيه آخر ] هل غير الخارج منه ذلك مثله في التخيير المذكور ، وعليه فهل يلزم كلا الجري على قضية ما اختاره حتى لو اختار صاحبه أنه مذي والآخر أنه مني لم يقتد به لأنه جنب بحسب ما اختاره لم أر في ذلك [ ص: 217 ] شيئا ، والذي ينقدح أن الثاني لا يلزمه غسل ما أصابه منه للشك وأنه لا يقتدى به في الصورة الأخيرة ا هـ حج .

                                                                                                                            وبقي ما لو تذكر بعد اختياره أنه مني كونه منيا حقيقة هل يجب عليه إعادة الغسل قياسا على ما لو توضأ احتياطا ثم تبين خلافه أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأنه لما كان مخاطبا بالأحد الدائر وأتى به تحقق في ضمنه الواجب وليس متبرعا بالفعل ، فأشبه ما لو نسي صلاة من الخمس فصلى الخمس وسيلة لبراءة ذمته من الواجب ثم تذكر المنسية بعينها ، فإن ما أتى به يجزئه مع تردده في النية ، بخلاف وضوء الاحتياط فيما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث فإنه لا يجب عليه شيء ، ثم رأيت في سم على حج فرع : عمل بمقتضى ما اختاره ، ثم بان الحال على وفق ما اختاره فيتجه أن يجزئه أخذا مما فرقوا به بين عدم الإجزاء إذا بان الحال في وضوء الاحتياط والإجزاء إذا بان الحال في مسألة المنسية بأنه متبرع في وضوء الاحتياط ( قوله : في ظاهره ) قد يتوقف فيه مع فرض الكلام في كونه لا يمكن من غيره ومن ثم عمم غيره الحكم .

                                                                                                                            وعبارة سم على منهج : فرع : قال في الروض وشرحه : وإن رأى في فراشه أو ثوبه ولو بظاهره منيا إلخ ا هـ .

                                                                                                                            قال حج : ومحله حيث احتمل ذلك عادة فيما يظهر ا هـ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : سواء في ذلك ) أي فيما لو استدخله ثم خرج حتى لا يتكرر مع ما يأتي [ ص: 215 ] قوله : ثم الكلام ) أي في الخارج من الثقبة كما هو فرض كلام المجموع ( قوله : بأن خرج لمرض ) هو صورة [ ص: 216 ] غير المستحكم فليس المراد بعدم استحكامه خلوه عن الصفات الآتية وإن قيل به إذ ذاك غير مني أصلا ( قوله : عجين ) أي من حنطة ونحوها ( قوله : بما إذا رأى ) بدل من به




                                                                                                                            الخدمات العلمية