الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وأما غيره ) وهو من لم يكن بمكة عند إرادته الحج فميقاته مختلف بحسب النواحي ( فميقات المتوجه من المدينة ذو الحليفة ) وهو المعروف الآن بأبيار علي وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة ، وتصحيح المجموع وغيره أنها على ستة أميال لعله باعتبار أقصى عمران المدينة وحدائقها من جهة تبوك أو خيبر ، والرافعي أنها على ميل لعله باعتبار عمرانها الذي كان من جهة الحليفة وهي أبعد المواقيت من مكة ( و ) المتوجه ( من الشام ) بالهمز والقصر ، ويجوز ترك الهمز والمد مع فتح الشين ضعيف وأوله نابلس وآخره العريش . قاله ابن حبان وقال غيره : حده طولا من العريش إلى الفرات وعرضا من جبل طي من نحو القبلة إلى بحر الروم وما سامت ذلك من البلاد ، وهو مذكر على المشهور ( و ) من ( مصر ) وهي المدينة المعروفة تذكر وتؤنث وحدها طولا من برقة التي في جنوب البحر الرومي إلى أيلة ومسافة ذلك قريب من أربعين يوما وعرضه من مدينة أسوان وما سامتها من الصعيد الأعلى إلى رشيد وما حاذاها من مساقط النيل في بحر الروم ومسافة ذلك قريب من ثلاثين يوما ، سميت باسم من سكنها أولا وهو مصر بن بيصر بن نوح ( و ) من ( المغرب الجحفة ) قرية كبيرة بين مكة والمدينة وقد خربت ، سميت بذلك ; لأن السيل أجحفها وهي على ست مراحل من مكة ، وقول المجموع على ثلاث لعله بسير البغال النفيسة ( ومن تهامة اليمن ) بكسر التاء اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز واليمن إقليم معروف ( يلملم ) ويقال له ألملم وهو أصله قلبت الهمزة ياء ويرمرم براءين وهي على مرحلتين من مكة ( و ) من ( نجد اليمن ) ( و ) نجد ( الحجاز قرن ) بسكون الراء ويقال له قرن المنازل وقرن الثعالب وهو جبل على مرحلتين من مكة ، وغلط الجوهري في أن راءه محركة وأن إليه ينسب أويس القرني إذ هو منسوب إلى قرن قبيلة من مراد كما في مسلم ، ونجد في الأصل المكان المرتفع ، ويسمى المنخفض غورا ، وحيث أطلق نجد فالمراد نجد الحجاز ( ومن المشرق ) العراق وغيره ( ذات عرق ) وهي قرية على مرحلتين من مكة وقد خربت ، وفوقها واد يقال له العقيق ، والأولى لهؤلاء الإحرام منه للاحتياط ، ولما حسنه الترمذي { أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق } لكن رده في المجموع ففيه ضعف .

                                                                                                                            والأصل في المواقيت خبر الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل } [ ص: 260 ] ولأهل اليمن يلملم وقال : هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة " زاد الشافعي " ولأهل المغرب الجحفة " وهو وإن كان مرسلا لكن قام الإجماع على ما اقتضاه ، وصححه ابن السكن ، وتوقيت عمر رضي الله عنه ذات عرق لأهل العراق اجتهاد منه وافق النص ، وقول البارزي إحرام الحاج المصري من رابغ المحاذية للجحفة مشكل ، وكان ينبغي إحرامهم من بدر ; لأنهم يعبرون عليه وهو ميقات لأهله ، كما أن الشامي يحرم من الحليفة ولا يصبر للجحفة مردود لمخالفته النص ; ولأن أهل الشام يمرون على ميقات منصوص عليه بخلاف أهل مصر ، ولا أثر للمحاذاة مع تعيين ميقات لهم على أن بدرا ليس ميقاتا لأهله بل ميقاتهم الجحفة كما يأتي ، والعبرة في هذه المواقيت بالبقعة لا بما بنى ولو قريبا منها بنقضها وإن سمي باسمها : ويستثنى من إطلاق المصنف الأجير فإن عليه أن يحرم من ميقات المنوب عنه ، فإن مر بغير ذلك الميقات أحرم من موضع بإزائه إذا كان أبعد من ذلك الميقات من مكة ، حكاه في الكفاية عن الفوراني وأقره وقت أقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت عام حجه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ذو الحليفة ) قال حج : تصغير حلفة بفتح أوليه واحدة الحلفاء نبات معروف ا هـ .

                                                                                                                            وقال في المختار : كقصبة وطرفة .

                                                                                                                            وقال الأصمعي : حلفة بكسر اللام ا هـ ( قوله : من مدينة أسوان ) قال في لب الألباب بفتح أوله والواو وسكون السين بلد بصعيد مصر قلت : الصحيح ضم أوله ( قوله : والأولى لهؤلاء )

                                                                                                                            [ ص: 260 ] أي أهل المشرق ( قوله وقال هن لهن ) أي لأهلهن ولمن إلخ ( قوله لأنهم يعبرون ) أي يمرون ( قوله : أن يحرم من ميقات المنوب عنه ) أي أو ما قيد به من أبعد كما يعلم من كتاب الوصية ا هـ شرح منهج .

                                                                                                                            أقول : فإن جاوزه بغير إحرام فهل يلزمه دم أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أنه إن أحرم من مثله فلا دم عليه وإلا فعليه دم ، وفي حج ما يوافقه .

                                                                                                                            أما لو عين له مكان ليس ميقاتا لأحد كأن قيل له أحرم من مصر فهل يلزمه دم بمجاوزته أم لا ؟ فيه نظر ، والظاهر عدم اللزوم لكن يحط قسط من المسمى باعتبار أجرة المثل ، فإن كانت أجرة مثل المدة بتمامها من مصر مثلا عشرة ومن الموضع الذي أحرم منه تسعة حط من المسمى عشرة ( قوله : عام حجه ) وكان في السنة العاشرة كما تقدم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : والمد مع فتح الشين ) أي ومع الهمز كما هو ظاهر ( قوله : وحدها طولا ) أي حد إقليمها وما ينسب إليها ( قوله : ابن بيصر بن نوح ) عبارة الدميري ، ابن بيصر بن سام بن نوح فلعل قوله ابن سام سقط من الشرح من النساخ ( قوله : لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز ) كذا في النسخ ، [ ص: 260 ] وصوابه كما في الدميري : لكل ما نزل عن نجد إلى بلاد الحجاز ( قوله : اجتهاد منه وافق النص ) مراده به الجمع بين ما وقع للأصحاب من الخلاف في أن ذلك بالنص أو باجتهاد عمر رضي الله عنه كما حكاه الأذرعي فكأنه يقول : لا خلاف بين الأصحاب في المعنى ، لكن استدلاله فيما يأتي لقول المصنف : فإن حاذى ميقاتا أحرم من محاذاته بقوله لما صح أن عمر رضي الله عنه حد لأهل العراق ذات عرق إلخ ، صريح في أنه ليس إلا باجتهاد عمر ، [ ص: 261 ] وإلا لم يتم به الدليل لما ذكر كما لا يخفى .




                                                                                                                            الخدمات العلمية