الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وعلى المتمتع دم ) لقوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } والمعنى في إيجاب الدم كونه ربح ميقاتا ، إذ لو كان أحرم بالحج أولا من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج إلى خروجه إلى أدنى الحل ليحرم بالعمرة ، وإذا تمتع استغنى عن الخروج لكونه يحرم بالحج من جوف مكة ، والواجب شاة مجزئة في الأضحية أو ما يقوم مقامها من سبع بدنة أو سبع بقرة ، وكذا جميع الدماء الواجبة في الحج إلا جزاء الصيد كما سيأتي مبسوطا ( بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ) لقوله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } إذ اسم إشارة للهدي والصوم عند فقده ، ولمن معناه على من ( وحاضروه من ) مساكنهم ( دون مرحلتين من مكة ) ; لأن المسجد الحرام المذكور في الآية ليس المراد حقيقته اتفاقا بل الحرم عند قوم ومكة عند آخرين ، وحمله على مكة أقل تجوزا من حمله على جميع الحرم ( قلت : الأصح من الحرم ، والله أعلم ) إذ كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام } فهو نفس الكعبة ، فإلحاق هذا بالأعم الأغلب أولى ، والقريب من الشيء يقال إنه حاضره ، قال تعالى { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } أي قريبة منه .

                                                                                                                            والمعنى في ذلك أنهم لم يربحوا ميقاتا : أي عاما لأهله ولمن مر به فلا يشكل بمن بينه وبين مكة أو الحرم دون مسافة القصر إذا عن له النسك ثم فاته وإن ربح ميقاتا بتمتعه لكنه ليس ميقاتا عاما لأهله ولمن مر به ، ولا يشكل أيضا بأنهم جعلوا ما دون مسافة القصر كالموضع الواحد في هذا ولم يجعلوه في مسألة الإساءة وهو إذا كان مسكنه دون مسافة القصر من الحرم وجاوزه وأحرم كالموضع الواحد حتى لا يلزمه الدم كالمكي إذا أحرم من سائر بقاع مكة بل ألزموه الدم وجعلوه مسيئا كالآفاقي ; لأن ما خرج عن مكة مما ذكر تابع لها والتابع لا يعطى حكم المتبوع من كل وجه ; ولأنهم عملوا بمقتضى الدليل في الموضعين ، فهنا لا يلزمه دم لعدم إساءته لعدم عوده ; لأنه من الحاضرين بمقتضى الآية ، وهناك يلزمه دم لإساءته بمجاوزته ما عين له بقوله في الخبر : ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة ، على أن المسكن المذكور كالقرية بمنزلة مكة في جواز الإحرام من سائر بقاعه وعدم جواز مجاوزته بلا إحرام لمريد النسك ، فلو كان للمتمتع مسكنان بعيد وقريب اعتبر في كونه من الحاضرين أو غيرهم كثرة إقامته بأحدهما ، ثم إن استوت إقامته بهما اعتبر بالأهل والمال ، فإن كان [ ص: 327 ] أهله بأحدهما وماله بالآخر اعتبر بمكان الأهل ، ذكره المحب الطبري .

                                                                                                                            قال والمراد بالأهل الزوجة والأولاد الذين تحت حجره دون الآباء والإخوة ، فإن استويا في ذلك اعتبر بعزم الرجوع إلى أحدهما للإقامة فيه ، فإن لم يكن له عزم فيما خرج منه ، قال في الذخائر : فإن لم يكن له عزم واستويا في كل شيء اعتبر بموضع إحرامه ، ولغريب مستوطن في الحرم أو فيما بينه وبينه دون مسافة القصر حكم البلد الذي هو فيه ، ويلزم الدم آفاقيا تمتع ناويا الاستيطان بمكة ولو بعد العمرة ; لأن الاستيطان لا يحصل بمجرد النية ، وعلله في الذخائر بأنه التزم بمجاوزة الميقات .

                                                                                                                            أما العود أو الدم في إحرام سنته فلا يسقط بنية الإقامة ( وأن تقع عمرته في أشهر الحج من سنته ) أي الحج فلو وقعت قبل أشهره وأتمها ولو في أشهره ثم حج لم يلزمه دم لعدم جمعه بينهما في وقت الحج فأشبه المفرد وأن يحج من عامه ، فمن لم يحج من عامه الذي اعتمر فيه لا دم عليه ، ولو كرر المتمتع العمرة في أشهر الحج فهل يتكرر الدم أم لا ؟ أفتى الريمي صاحب التفقيه الذي هو شرح التنبيه بالتكرر ، وأفتى بعض مشايخ الناشري بعدمه قال : وهو الظاهر ( وأن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات ) الذي أحرم منه للعمرة أو ميقات آخر ولو أقرب إلى مكة من ميقات عمرته أو إلى مثل مسافة ميقاتها ، فإذا عاد إليه وأحرم منه بالحج لم يلزمه دم إذ المقتضي للزومه ربح ميقات وقد زال بعوده له ، وأفهم كلامه أنه لا يشترط لوجوب الدم نية التمتع ولا وقوع النسكين عن شخص واحد ولا بقاؤه حيا وهو كذلك ، ولو خرج المتمتع للإحرام بالحج من مكة وأحرم خارجها ولم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته ولا إلى مكة لزمه دم أيضا للإساءة الحاصلة بخروجه من مكة بلا إحرام مع عدم عوده ، ومعلوم أن هذه الشروط المذكورة معتبرة لوجوب الدم والأشهر أنها غير معتبرة في تسميته تمتعا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : إلا جزاء الصيد ) أي فإن الواجب فيه مثل ما قتله من الصيد : أي وإلا دم الجماع المفسد فإنه بدنة ( قوله : ولمن ) أي من قوله تعالى { ذلك لمن } وقوله ولمن مبتدأ ; لأنه أريد لفظه ومعناه مبتدأ ثان وعلى من خبر الثاني والثاني وخبره خبر [ ص: 327 ] الأول ( قوله ذكره المحب الطبري ) بقي ما لو كان في كل منهما مال بلا أهل أو في كل منهما أهل ولا مال له أو ليس له أهل ولا مال في أحدهما ، والحكم في الجميع أنه كما استويا في المال والأهل ، وسيأتي ذلك في قوله فإن استويا في ذلك إلخ ( قوله : دون الآباء والإخوة ) أي والأولاد الرشداء على ما أفهمه التقييد بقوله قبل : تحت حجره ( قوله : أفتى الريمي ) بفتح الراء إلى ريمة ناحية باليمن ا هـ أنساب .

                                                                                                                            وعبارة القاموس : وريمة بالفتح : مخلاف باليمن وحصن باليمن ا هـ ( قوله قال ) أي الناشري وهو الظاهر هو المعتمد ( قوله : ولا وقوع النسكين عن شخص واحد ) أي بل يجب وإن كان النسكان عن اثنين غير المحرم أو أحدهما للمحرم والآخر لغيره ، وسيأتي في آخر الفصل بيان من عليه الدم ( قوله : للإحرام بالحج ) أي فلا يستقر قبله فلو مات قبل الإحرام بالحج فلا دم عليه ( قوله : ولا إلى مسافته ) نسخة مسامته



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 326 ] قوله لأن ما خرج عن مكة مما ذكر تابع لها إلخ ) هذا لا يلاقي الإشكال ، لأنه ليس الإشكال بين مكة وما هنا حتى يجاب عنه بما ذكر ، بل الإشكال بين مسألتين كل منهما متعلق بخارج مكة .

                                                                                                                            وحاصله لم جعلوا إحداهما كمكة في أن سائر بقاعها كالشيء الواحد ولم يجعلوا الأخرى كذلك ، وحينئذ فقوله لأن ما خرج عن مكة مما ذكر تابع إلخ موجود في كلا المسألتين فلم يندفع الإشكال ( قوله ولأنهم عملوا بمقتضى الدليل في الموضعين إلخ ) حاصل [ ص: 327 ] هذا الجواب أن الحكم تعبدي عملا بالدليل فلا يسأل عن معناه ( قوله : قال في الذخائر : فإن لم يكن إلخ ) هو مقابل لما قبله لا عينه ، لكن عبارة الشهاب حج : ثم ما خرج منه ثم ما أحرم منه انتهت




                                                                                                                            الخدمات العلمية