الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ويجوز رعي حشيش الحرم بل وشجره كما نص عليه في الأم بالبهائم ; لأن الهدايا كانت تساق في عصره صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وما كانت تسد أفواهها في الحرم ( والأصح حل أخذ نباته ) من حشيش أو نحوه ( لعلف البهائم ) بسكون اللام كما يجوز تسريحها فيه كما علم مما مر ( وللدواء ) بالمد ( والله أعلم ) كحنظل وسنى وتغذ كرجلة وبقلة للحاجة إليه ; ولأن ذلك في معنى الزرع ولا يقطع لذلك إلا بقدر الحاجة ، ومن ثم لم يجز قطعه للبيع ممن يعلف به كما في المجموع ; لأنه كطعام أبيح أكله فلا يجوز بيعه ، ويؤخذ منه كما قال الزركشي [ ص: 356 ] وغيره أنا حيث جوزنا أخذ السواك لا يجوز بيعه كما علم مما مر ، وظاهر كلام المصنف أن جواز أخذه للدواء والعلف لا يتوقف على وجود السبب حتى يجوز أخذه ليستعمله عند وجوده .

                                                                                                                            قال الإسنوي : وتبعه جماعة وهو المتجه ، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى فهو المعتمد وإن خالف فيه بعضهم ، ومقابل الأصح يمنع ذلك وقوفا مع ظاهر الخبر ، واقتصار المصنف على النبات يفهم عدم التعدي لغيره وهو كذلك ، فيحرم نقل تراب الحرم وحجره إلى الحل فيجب رده إليه ، فإن لم يفعل فلا ضمان ; لأنه ليس بنام فأشبه الكلأ اليابس ، ونقل تراب الحل وأحجاره إلى الحرم خلاف الأولى كما في المجموع ، وهو الأوجه لئلا يحدث له حرمة لم تكن ، ولا يقال مكروه لعدم ثبوت النهي فيه ، وظاهر أن محل ذلك إذا لم يكن لحاجة بناء ونحوه وإن ذهب في الروضة إلى الكراهة ، ويحرم أخذ طيب الكعبة أو سترتها ، ويجب رد ما أخذ منهما فإن أراد التبرك بها أتى بطيب مسحها به ثم أخذه ، وفي الروضة عن ابن الصلاح : الأمر في سترتها إلى الإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء ; لأن عمر رضي الله عنه كان يقسهما على الحاج وهو حسن متعين لئلا تتلف بالبلى .

                                                                                                                            ثم نقل عن جمع من الصحابة أنهم جوزوا ذلك وله لبسها ولو لنحو حائض وكذا استحسنه في المجموع ، لكن نبه في المهمات على أن هذا مخالف لما وافق عليه الرافعي آخر الوقف أنها تباع إذا لم يبق فيها جمال ويصرف ثمنها في مصالح المسجد وحمله على ما إذا وقفت للكسوة ، وكلام ابن الصلاح وعلى ما إذا كساها الإمام من بيت المال فإن وقفت تعين صرفها في مصالح الكعبة جزما ، وأما إذا ملكها مالكها للكعبة فلقيمها ما يراه من تعليقها عليها أو بيعها وصرف ثمنها لمصالحها ، فإن وقف شيء على أن يؤخذ من ريعه وشرط الواقف شيئا من بيع أو إعطاء أو نحو ذلك اتبع ، وإلا فإن لم يقفها الناظر فله بيعها وصرف ثمنها في كسوة أخرى ، فإن وقفها فيأتي فيه ما مر من الخلاف في البيع .

                                                                                                                            قال : وبقي قسم آخر وهو الواقع اليوم ، وهو أن الواقف لم يشترط شيئا وشرط تجديدها كل سنة مع علمه بأن بني شيبة كانوا يأخذونها كل سنة لما كانت تكسى من بيت المال ، ورجح في هذا أن لهم أخذها الآن . [ ص: 357 ] وقال العلائي : لا تردد في جواز بيعها والحالة هذه ، وحدود الحرم معروفة نظم بعضهم مسافتها بالأميال في قوله :

                                                                                                                            وللحرم التحديد من أرض طيبة ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه     وسبعة أميال عراق وطائف
                                                                                                                            وجدة عشر ثم تسع جعرانه

                                                                                                                            بتقديم السين في الأولى بخلاف الثانية وزاد بعضهم :

                                                                                                                            ومن يمن سبع بتقديم سينه     وقد كملت فاشكر لربك إحسانه

                                                                                                                            .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بل وشجره ) قضيته أنه لا يجوز قطعه للدواب ، وقضية قوله الآتي من حشيش أو نحوه خلافه ( قوله : كرجلة ) [ ص: 356 ] أي وخبيزة ( قوله : حيث جوزنا أخذ السواك لا يجوز بيعه ) معتمد وهل يجوز له أخذ عوض في مقابلة رفع اليد عن الاختصاص أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ( قوله : فيحرم نقل تراب الحرم وحجره إلى الحل ) أي دون مائه ( قوله : فأشبه الكلأ اليابس ) أي في مجرد عدم الضمان فلا ينافي الكلأ اليابس لا يحرم قطعه لكن هل يحرم نقله إلى غير الحرم كترابه أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ( قوله إذا لم يكن لحاجة بناء إلخ ) أي فإن كان لذلك كان مباحا ( قوله : ويحرم أخذ طيب الكعبة أو سترتها ) أي يحرم على الآحاد الاستقلال بأخذها ، وأمرها للإمام على ما يأتي ( قوله لما وافق عليه ) أيالنووي ( قوله : فإن وقفت تعين صرفها ) معتمد وليس من وقفها ما اعتيد في زماننا من أخذ غلة ما وقف عليها ثم يشتري به والأمر فيها للإمام ( قوله : فيأتي فيه ما مر من الخلاف ) لم يتقدم هنا حكاية خلاف [ ص: 357 ] قوله : وقال العلائي لا تردد في جواز بيعها ) معتمد ممن يأخذ وهم بنو شيبة ( قوله : وللحرم التحديد ) وبهذا يعلم أن حدود الحرم دون المواقيت إذ أقل مواقيته على مرحلتين ولا شيء من الحدود يقرب من ذلك ( قوله : وجدة ) بضم الجيم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ويحرم أخذ طيب الكعبة أو سترتها ) أي استبدادا وإلا فالأمر في ذاك للإمام على ما يأتي ( قوله : وهو حسن متعين ) من جملة كلام الروضة ( قوله : فإن وقفت تعين صرفها في مصالح الكعبة جزما ) سقط قبله كلام من نسخ الشرح ، وعبارة الإمداد كشرح الروض ، وحمله على ما إذا وقفت للكسوة ، وكلام ابن الصلاح على ما إذا كساها الإمام من بيت المال حيث ذكر أنها إما أن توقف على الكعبة وحكمها ما مر وخطأه غيره بأن ما مر إنما هو فيما إذا كسيت من بيت المال فإن وقفت تعين [ ص: 357 ] إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية