الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والدم الواجب ) على محرم ( بفعل حرام ) وإن لم يحرم ذلك الوقت كالحلق لعذر ( أو ترك واجب ) عليه غير ركن أو غيرهما كدم الجبرانات ( لا يختص ) إجزاؤه ( بزمان ) بل يفعل في أيام التضحية وغيرها ; لأن الأصل عدم التخصيص ، ولم يرد ما يخالفه لكن تندب إراقته أيام التضحية .

                                                                                                                            قال السبكي وغيره : وينبغي وجوب المبادرة إليها إذا حرم السبب كما في الكفارة فيحمل ما أطلقوه على الإجزاء ، أما الجواز فأحالوه على ما قرروه في الكفارة ( ويختص ذبحه ) بأي مكان ( بالحرم في الأظهر ) لقوله تعالى { هديا بالغ الكعبة } ولخبر { نحرت ههنا } وأشار إلى موضع النحر من منى { وكل فجاج مكة منحر } ; ولأن الذبح حق يتعلق بالهدي فيختص بالحرم كالتصدق .

                                                                                                                            والثاني يجوز أن يذبح خارج الحرم بشرط أن ينقل ويفرق لحمه فيه قبل تغيره ; لأن المقصود هو اللحم فإذا وقعت تفرقته على مساكين الحرم حصل الغرض " ويجب صرف لحمه " وجلده وبقية أجزائه من شعره وغيره ، فاقتصاره على اللحم ; لأنه الأصل فيما يقصد منه فهو مثال لا قيد ( إلى مساكينه ) أي الحرم وفقرائه القاطنين منهم والغرباء والصرف إلى الأول أولى إلا أن تشتد حاجة الثاني فيكون أولى ، وعلم من كلامه عدم جواز أكله شيئا منه ، وبه صرح الرافعي في كتاب الأضحية ، وأنه لا فرق بين أن يفرق المذبوح عليهم أو يعطيه بجملته لهم وبه صرح الرافعي أيضا في الكلام على تحريم الصيد ، ويكفي الاقتصار على ثلاثة من فقرائه أو مساكينه وإن انحصروا ; لأن الثلاثة أقل الجمع ، فلو دفع إلى اثنين مع قدرته على ثالث ضمن له أقل متمول كنظيره من الزكاة ، وإنما لم يجب استيعابهم عند الانحصار كما في الزكاة ; لأن المقصود هنا حرمة البلد وثم سد الخلة ، وتجب النية عند التفرقة كما قاله الروياني وغيره ، ويؤخذ من التشبيه بالزكاة الاكتفاء بالمتقدمة عليها واقتصاره فيما مر على الدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب مثال إذ دم التمتع والقران كذلك .

                                                                                                                            وأما دم الإحصار فسيأتي ودفع الطعام لمساكين الحرم لا يتعين لكل منهم مد في دم التمتع ونحوه مما ليس دمه دم تخيير وتقدير ، أما دم الاستمتاعات ونحوها مما دمه دم [ ص: 360 ] تخيير وتقدير فلكل واحد من ستة مساكين نصف صاع من ثلاثة آصع كما مر ولو ذبح الدم الواجب بالحرم ثم سرق أو غصب منه قبل التفرقة لم يجزئه .

                                                                                                                            نعم هو مخير بين ذبح آخر وهو أولى أو شراء بدله لحما والتصدق به ; لأن الذبح قد وجد ، وإنما لم يتقيد ذلك بما لو قصر في التفرقة وإلا فلا يضمن كما لو سرق المال المتعلق به الزكاة ; لأن الدم متعلق بالذمة والزكاة بعين المال ولو عدم المساكين في الحرم أخر الواجب المالي حتى يجدهم وامتنع النقل ، بخلاف الزكاة حيث جاز النقل فيها ; لأنه ليس فيها نص صريح بتخصيص البلد بها بخلاف هذا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 359 ] قوله : وإن لم يحرم ذلك ) أي الفعل ( قوله على ما قرره في الكفارة ) أي من أنه إن عصى بالسبب وجب الفور وإلا فلا ( قوله : ويختص ذبحه بالحرم ) أي فلو ذبح خارجه لم يعتد به ولو فرقه فيه ، ومحل اختصاصه بالحرم ما لم يحصر وإلا ذبح موضع الحصر كما سيأتي ( قوله : إلى مساكينه ) عبارة العباب : ويجب تفريق لحوم وجلود هذه الدماء وبدلها من الطعام على المساكين في الحرم ، قال الشارح في شرحه : وقضيته أنه لا يجوز إعطاؤهم خارجه ، والأوجه خلافه كما مر لكن يؤيده تعليل الكفاية وغيرها ، ذلك بأن القصد من الذبح هو إعظام الحرم بتفرقة اللحم فيه لا تلويثه بالدم والفرث إذ هو مكروه ا هـ ويجاب بأن المراد بتفرقته فيه صرفه لأهله ا هـ .

                                                                                                                            وخالفه مر فصمم على أنه لا يجوز صرفه خارجه ولا لمن هو فيه بأن خرج هو وهم عنه ثم فرقه عليهم خارجه ثم دخلوه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقضية قول المصنف صرف لحمه إلى مساكينه أن المدار على صرفه لهم ولو في غير الحرم ، لكن قول الشارح الآتي قبيل الباب ، وكل هذه الدماء وبدلها تختص تفرقته بالحرم على مساكينه ، يوافق ما نقله سم عنه وصمم عليه ( قوله وثم سد الخلة ) بالفتح الخصلة وهي أيضا الحاجة والفقر انتهى مختار ( قوله : وتجب النية عند التفرقة إلخ ) قال حج : وظاهر كلامهم هنا أن الذبح لا تجب النية عنده ، وهو مشكل بالأضحية ونحوها ، إلا أن يفرق بأن القصد هنا إعظام الحرم بتفرقة اللحم فيه كما مر فوجب اقترانها بالمقصود دون وسيلته . وثم إراقة الدم لكونها فداء عن النفس ، ولا تكون كذلك إلا إن قارنت نية القربة فتأمله انتهى ( قوله : الاكتفاء بالمتقدمة ) أي النية [ ص: 360 ] قوله : ولو ذبح الدم الواجب بالحرم ثم سرق أو غصب ) أي ولو كان السارق والغاصب من فقراء الحرم أخذا من إطلاقه ، وبه صرح في شرح الروض وعبارته كما نقله سم على منهج عنه : ولو سرقه مساكين الحرم ، ففي شرح الروض بحثا أنه لا يجزي سواء وجدت نية الدفع أم لا ، قال : لأن له ولاية الدفع إليهم وهم إنما يملكونه به ( قوله : جاز النقل فيها ) أي للمالك حيث لم يوجدوا ثم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 359 ] ذبح الدم الواجب بالحرم ثم سرق أو غصب منه قبل التفرقة ( قوله لا يتعين لكل منهم مد في دم التمتع ونحوه ) لعل الصواب في غير دم التمتع ونحوه ، فلفظ غير [ ص: 360 ] ساقط من النسخ من الكتبة .

                                                                                                                            والحاصل حينئذ أن دم التعديل يجوز النقص فيه عن المد والزيادة عليه سواء أكان مرتبا أو مخيرا ، وأن دم التقدير إن كان مخيرا فالزيادة على المد ثابتة بالنص لأنه يعطي لكل مسكين نصف صاع ، وإن كان مرتبا فلا إطعام فيه على الأصح المار فليراجع .

                                                                                                                            ثم إن مراده بدم التمتع دم الاستمتاع بقرينة قوله بعده : وأما دم الاستمتاعات ، وهذا المفهوم صريح فيما قدمته من أن لفظ غير ساقط من النسخ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية