الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والأظهر أنه لا يصح ) في غير نحو الفقاع كما مر ( بيع الغائب ) وهو ما لم يره [ ص: 416 ] المتعاقدان أو أحدهما ثمنا أو مثمنا ، ولو كان حاضرا في مجلس البيع وبالغا في وصفه أو سمعه بطريق التواتر كما يأتي أو رآه في ضوء إن ستر الضوء لونه كورق أبيض فيما يظهر ، ولا ينافي ذلك ما صرح به ابن الصلاح من أنه يكتفي بالرؤية العرفية مع أن هذا منها ; لأنه ليس العرف المطرد ذلك على أن كلامه مقيد بما إذا لم يكن العيب ظاهرا بحيث يراه كل من نظر إلى المبيع ، وحينئذ فالمراد بالرؤية العرفية هي ما تظهر للناظر من غير مزيد تأمل ، ورؤية نحو الورق ليلا في ضوء يستر معرفة بياضه ليست كذلك أو من وراء نحو زجاج وكذا ماء صاف إلا الأرض والسمك ; لأن به صلاحهما ، وصحت إجارة أرض مستورة بماء ولو كدرا لأنها أوسع بقبولها التأقيت وورودها على مجرد المنفعة وذلك للنهي عن بيع الغرر ; لأن الرؤية تفيد ما لم تفده العبارة كما يأتي ( والثاني ) وبه قال الأئمة الثلاثة ( يصح ) البيع إن ذكر جنسه وإن لم يرياه ( ويثبت الخيار ) للمشتري ( عند الرؤية ) لحديث فيه ضعيف بل قال [ ص: 417 ] الدارقطني باطل ، وينفذ قبل الرؤية الفسخ دون الإجازة ، ويمتد الخيار امتداد مجلس الرؤية ، وكالبيع : الصلح والرهن والهبة والإجارة ونحوها بخلاف نحو الوقف .

                                                                                                                            ولا ينافيه ما نقل عن فتاوى القفال من الجزم بالمنع ; لأن الأول في وقف ما لم يره مما استقر عليه ملكه كأن ورثه أو اشتراه له وكيله ، وكلام القفال فيما لم يستقر عليه ملكه ( و ) على الأظهر ( تكفي ) في صحة البيع ( الرؤية قبل العقد ) ولو لمن عمي وقته ( فيما لا ) يظن أنه ( يتغير غالبا إلى وقت العقد ) كأرض وحديد ونحاس وآنية اكتفاء بتلك الرؤية ، والغالب بقاؤه على ما شاهده عليه .

                                                                                                                            نعم يشترط أن يكون ذاكرا حال العقد لأوصافه التي رآها كأعمى اشترى ما رآه قبل العمى وإلا لم يصح كما قاله الماوردي وأقره المتأخرون وقول المجموع إنه غريب : أي نقلا على أن غيره صرح به أيضا لا مدركا ، إذ النسيان يجعل السابق كالعدم فيفوت شرط العلم بالمبيع فلا ينافي تصحيح غيره وجعله تقييدا لإطلاقهم وانتصار بعضهم لتضعيفه بجعلهم النسيان غير دافع للحكم السابق في مسائل كإنكار الموكل الوكالة لنسيان فلا يكون عزلا ، وكما لو نسي فأكل في صومه أو جامع في إحرامه فلا يفسد ، وكما لو رأى المبيع ثم التفت عنه واشتراه غافلا عن أوصافه فيصح مردود بأن مدار العزل على ما يشعر بعدم الرضا بالتصرف ، وبطلان الصوم والحج على ما ينافيهما مما فيه تعد ولم يوجد ذلك ، ومدار البيع على عدم الغرر وبالنسيان يقع فيه ، وما ذكره في الفرع الأخير هو محل النزاع فلا يستدل به ، وبفرض كون المنقول فيه ما ذكر فالقول فيه ضعيف جدا فلا يلتفت إليه ، وبحث بعضهم أنه لو رأى الثمرة قبل بدو صلاحها ثم اشتراها بعده من غير تجديد رؤية لم يصح وإن قربت المدة ، إلا أنها تتغير بنحو اللون فكانت أولى مما يغلب تغيره فإنه يبطل وإن لم يتغير لعارض كما يأتي .

                                                                                                                            وإذا صح فوجده متغيرا عما رآه عليه [ ص: 418 ] تخير فلو اختلفا في تغيره فالقول قول المشتري بيمينه ويتخير ; لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به ، والأصل عدم ذلك ، وإنما صدق البائع فيما لو اختلفا في عيب يمكن حدوثه ; لأنهما قد اتفقا على وجوده في يد المشتري والأصل عدم وجوده في يد البائع ( دون ما ) يظن أنه ( يتغير غالبا ) لطول مدة أو عروض أمر آخر كالأطعمة التي يسرع لها الفساد ، إذ لا ثقة حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية ، ولا منافاة في كلامه فيما يحتمل التغير وعدمه على السواء كما ادعاه بعضهم معللا بأن قضية مفهوم أوله البطلان وآخره الصحة والأصح فيه الصحة كالأول بشرطه ; لأن الأصل بقاء المرئي بحاله ; لأنا نمنع مدعاه ، بل هو داخل في منطوق أول كلامه ومفهوم آخره ; لأن القيد هنا للمنفي كما هو الأصل لا للنفي : أي ما لا يغلب تغيره سواء أغلب عدم تغيره أم استويا دون ما يغلب تغيره فهو داخل في منطوق الأول ومفهوم الثاني فلا تنافي كذا قيل ، وقد أورد الشارح هذه المسألة عليه ولم يدخلها في كلامه إذ إدخالها فيه يقتضي إثبات الخلاف فيها وليس كذلك ، والأوجه ما جرى عليه المصحح والإدخال حينئذ من حيث الحكم لا من حيث الخلاف ، وجعل الحيوان مثالا هو ما درجوا عليه وهو ظاهر .

                                                                                                                            فما ذكره في الأنوار من أنه قسيم له وحكمهما واحد محل نظر ، وإن كان يمكن توجيهه بأنه لما شك فيه هل هو مما يستوي فيه الأمران أو لا ألحق بالمستوي لأن الأصل عدم المانع وجعل قسيما له لعدم تحقق الاستواء فيه ، ومقتضى إناطتهم التغير وعدمه بالغالب لا بوقوعه بالفعل عدم النظر لهذا حتى لو غلب التغير فلم يتغير أو عدمه فتغير أو استوى فيه الأمران فتغير أو لم يتغير لم يؤثر فيما قالوه في كل من الأقسام من البطلان في الأول والصحة في الأخيرين ، ووجهه اعتبار الغلبة وعدمها حالة العقد دون الطارئ بعده .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : نحو الفقاع ) كحمام البرجين وماء السقاء ( قوله : وهو ما لم يره ) أي [ ص: 416 ] الرؤية المعتبرة شرعا ( قوله : أو رآه في ضوء إلخ ) أي نور ناشئ من نحو النار أو الشمس بحيث لا يتمكن الرائي معه من معرفة حقيقة ما رآه ، وعبارة حج : أو رآه ليلا ولو في ضوء إن ستر إلخ ، فلعل إسقاط الشارح ليلا إشارة إلى أن المدار على كون الضوء يستر لونه ليلا كان أو نهارا ( قوله : ما صرح به ابن الصلاح إلخ ) وعبارته : لو طلب الرد بعيب في عضو ظاهر قال لم أره إلى الآن فله الرد ; لأن رؤية المبيع لا يشترط فيها التحقق بل تكفي الرؤية العرفية ا هـ حج .

                                                                                                                            ومحله كما يأتي في عيب يمكن عدم الاطلاع عليه مع الرؤية العرفية .

                                                                                                                            أما إذا بعد ذلك كأن باع مجذوع الأنف وادعى عدم معرفة ذلك حين رآه لم يقبل منه ذلك ، ولا ينافي هذا ما يأتي من أنهما لو اختلفا في الرؤية وعدمها صدق مدعيها ; لأن القول قول مدعي الصحة ; لأن ما هنا مفروض فيما لو اتفقا على رؤية المبيع واختلفا في رؤية العيب فقط فيصدق المنكر ; لأن رؤيته العرفية لا تستلزم رؤية كل جزء على التحقيق بحيث يبعد إنكارها ( قوله : مع أن هذا ) اسم الإشارة راجع إلى قوله أو رآه في ضوء إلخ ( قوله : ليس العرف المطرد ذلك ) أي الرؤية في الضوء ( قوله : على أن كلامه ) أي كلام ابن الصلاح ( قوله : كذلك ) أي رؤية عرفية ( قوله : أو من وراء نحو زجاج ) أي أو الرؤية من وراء زجاج إلخ ( قوله : لأن به ) أي الماء ( قوله : ولو كدرا ) أي فتكفي الرؤية من وراءه في الإجارة دون البيع ، وهذه الزيادة نبه عليها ولم يكتف بصحة بيعها تحت الماء ( قوله : لأنها أوسع ) أي مع كون الماء من مصالحها كما تقدمت الإشارة إليه ( قوله : وذلك ) راجع لقول المصنف لا يصح إلخ ( قوله : والثاني إلخ ) لعل وجه حكاية الثاني من المصنف قوة الخلاف فيه ، ومن ثم قال به الأئمة الثلاثة ( قوله : إن ذكر جنسه ) قال في الكنز أو نوعه ، وعليه فالواو في كلام المحلي بمعنى أو ( قوله : وإن لم يرياه ) قضيته أن من ذلك ما لو باعه ثوبا مطويا رأيا ظاهره فقط وذكر له البائع أنه كله بالصفة الفلانية ( قوله : ويثبت الخيار للمشتري ) وكذا البائع على خلاف فيه ا هـ حج .

                                                                                                                            قال ع : اعتمد الثاني الإسنوي ( قوله : لحديث فيه ضعيف ) لفظه كما في المحلي { من اشترى ما لم يره فهو [ ص: 417 ] بالخيار إذا رآه } ( قوله : ونحوها ) لعل من النحو عوض الخلع والصداق ( قوله : بخلاف نحو الوقف ) أي فإنه يصح ولعل من نحو الوقف العتق ، ثم رأيت سم على حج جزم بالتمثيل به .

                                                                                                                            هذا وفي كلام ع التسوية بين الوقف وغيره في عدم الصحة ( قوله : من الجزم بالمنع ) أي في الوقف ( قوله : لأن الأول ) أي وهو القول بالصحة ( قوله : وكلام القفال فيما لم يستقر ملكه ) كوقف ما اشتراه له وكيله ولم يره ولم يقبضه ، لكن يشكل على هذا ما يأتي في باب المبيع قبل قبضه في كلامهم من صحة إعتاق وقف ما لم يقبضه ، إلا أن يقال : ذاك مصور بما إذا لم يقبضه وقد رآه قبل الشراء وما هنا بخلافه ومع ذلك فيه شيء ( قوله : ولو لمن عمي وقته ) أي فالإبصار وقت العقد إنما يشترط للعلم بالمعقود عليه ، فحيث علمه قبل واستمر علمه لا يشترط إبصاره ، وعليه فلو أوجب ثم عمي وقبل المشتري بعد أو عكسه صح العقد ، ولا ينافي هذا ما تقدم في كلام الشارح من اشتراط بقاء الأهلية إلى تمام العقد ; لأن هذا أهليته باقية ; لأن المراد بها ما يتمكن معه من التصرف وهذا موجود فيه ( قوله : أي نقلا ) خبر لقوله وقول المجموع ( قوله : لا مدركا ) بضم الميم من أدرك كما يؤخذ من المصباح ( قوله : لتضعيفه ) أي كلام الماوردي ( قوله : وما ذكر في الفرع الأخير ) هو ما لو رأى المبيع ثم التفت عنه ( قوله : لم يصح ) معتمد ( قوله : وإذا صح ) أي بأن كان مما لا يتغير [ ص: 418 ] غالبا ( قوله : تخير ) أي فورا فيما يظهر ; لأنه خيار عيب حقيقة أو حكما .

                                                                                                                            ( قوله : لأنهما قد اتفقا على وجوده ) هذه العلة موجودة فيما لو اختلفا في تغيره ، اللهم إلا أن يقال : إن الأولى مصورة بما قبل القبض فلا تنافي هذه لكن عموم كلامهم يخالفه ، والأقرب أن يصور ما هنا بأنهما اتفقا على أن هذه الصفة كانت موجودة عند العقد واختلفا في مجرد علم المشتري بها فصدق المشتري عملا بالأصل كما اقتضاه قوله : لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة إلخ ( قوله : مفهوم أوله ) هو قوله : فيما لا يتغير غالبا ( قوله : وآخره ) هو قوله : دون ما يتغير ( قوله : والأصح فيه ) أي فيما يحتمل التغير وعدمه على السواء ( قوله : بشرطه ) أي وهو أن يكون حال العقد ذاكرا لأوصافه ( قوله : يقتضي إثبات إلخ ) هكذا في نسخ متعددة ، وصوابه عدم إثبات إلخ ( قوله : والأوجه ما جرى عليه المصحح ) هو ابن قاضي عجلون من إدخال مسألة الاستواء في الأول ( قوله : وجعل الحيوان مثالا ) أي لما استوى فيه الأمران ( قوله : يمكن توجيهه ) أي ما في الأنوار ( قوله : من البطلان في الأول ) هو قوله : لو غلب التغير وقوله : والصحة في الآخرين هما [ ص: 419 ] قوله : أو عدمه فتغير وقوله : أو استوى فيه الأمران



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أو رآه في ضوء ) عبارة التحفة أو رآه ليلا ولو في ضوء إن ستر الضوء لونه انتهت . وهي التي يتنزل عليها قول الشارح الآتي ورؤية نحو الورق ليلا إلخ ( قوله : ولا ينافي ذلك ما صرح به ابن الصلاح إلخ ) عبارة التحفة : فإن قلت : صرح ابن الصلاح بأن الرؤية العرفية كافية ، وهذا منها ، وعبارته : ولو طلب الرد بعيب في عضو ظاهر قال لم أره إلا الآن فله الرد ، لأن رؤية المبيع لا يشترط فيها التحقيق بل تكفي الرؤية العرفية .

                                                                                                                            قلت : ليس العرف ذلك إلخ ، فأسند كون الطرد هذا من الرؤية العرفية إلى قول المستشكل ثم منع عليه دعواه في الجواب ، بخلاف الشارح فإنه جزم بكون هذا من الرؤية [ ص: 417 ] العرفية ولم يجعله على لسان مستشكل فيناقضه حاصل الجواب كما لا يخفى ، ثم إنه كان عليه أن يذكر مسألة ابن الصلاح المذكورة ليتنزل عليها قوله فيما بعد على أن كلامه مقيد بما إذا لم يكن العيب ظاهرا إلخ ( قوله : الصلح ) أي في بعض أقسامه كما يعلم مما يأتي في بابه ( قوله : وقته ) أي العقد ، والمراد أن الشرط تقدم الرؤية على الوجه الآتي فلا يضر كون العاقد أعمى عند العقد .

                                                                                                                            ( قوله : كأعمى ) أي فإنه لا بد أن يكون ذاكرا للأوصاف فليس مكررا مع ما مر ( قوله فلا ينافي تصحيح غيره ) أي غير صاحب المجموع ، ولعل لفظ له بعد لفظ غيره ساقط من النسخ ( قوله : وبطلان الصوم ) بالجر [ ص: 418 ] قوله : لأنهما قد اتفقا إلخ ) أي بخلاف مسألتنا فإنهما لم يتفقا على تغير بل المشتري يدعيه والبائع ينكر وجوده من أصله فافترقا كما أشار إليه الشارح فاندفع ما في حاشية الشيخ ( قوله : يقتضي إثبات الخلاف فيها ) صوابه يقتضي عدم ثبوت الخلاف فيها : أي لأن مسألة الاستواء فيها خلاف أورده الجلال المحلي ، بخلاف المسألة الأولى لا خلاف فيها ، ولعل لفظ عدم أسقطه النساخ ( قوله : وجعل الحيوان مثالا ) يعني للمستوي : أي في كلام الشارح ( قوله : لهذا ) أي التغير بالفعل




                                                                                                                            الخدمات العلمية