الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والطعام ) الذي هو باعتبار قيام الطعم به أحد العلتين في الربا لخبر مسلم { الطعام بالطعام مثلا بمثل } وتعلق الحكم بمشتق يدل على تعلقه بما منه الاشتقاق ( ما قصد للطعم ) بضم أوله مصدر طعم بكسر العين : أي لطعم الآدمي بأن يكون أظهر مقاصده تناول الآدمي له وحده أو مع غيره [ ص: 429 ] وإن لم يأكله إلا نادرا [ ص: 430 ] كالبلوط أو شاركه فيه البهائم ( اقتياتا ) كبر وحمص وماء عذب إذ هو مطعوم ، قال تعالى { ومن لم يطعمه فإنه مني } بخلاف الماء الملح فلا يكون ربويا ، والأوجه إناطة ملوحته وعذوبته بالعرف ( أو تفكها ) كتين وزبيب وتمر وغيرها مما يقصد به تأدم أو تحل أو تحرف أو تحمض مما يأتي كثير منه في الأيمان فلا يرد عليه الحلوا ( أو تداويا ) كملح وكل ما يصلح من البهارات والأبازير والأدوية كطين أرمني ودهن نحو خروع وورد ولبان وصمغ وحب حنظل وزعفران وسقمونيا للخبر المار فإنه نص فيه على البر والشعير والمقصود منهما التقوت فألحق بهما ما في معناهما كالأرز والذرة وعلى التمر ، والمقصود منه التفكه والتأدم فألحق به ما في معناه كالتين والزبيب وعلى الملح والمقصود منه الإصلاح فألحق به ما في معناه [ ص: 431 ] كالمصطكى والسقمونيا ولا فرق بين ما يصلح الغذاء أو يصلح البدن فإن الأغذية لحفظ الصحة والأدوية لردها ، وإنما لم يذكروا الدواء فيما يتناوله الطعام في الأيمان ; لأنها لا تتناوله في العرف المبنية هي عليه ولا ربا في الحيوان مطلقا ، وإن جاز بلعه كصغار السمك ; لأنه لا يعد للأكل على هيئته ، وأشار بقصد إلى أنه لا ربا فيما يجوز أكله ولكنه غير مقصود كعظم رخو وأطراف قضبان عنب وجلود لا تؤكل غالبا بأن خشنت وغلظت ومطعوم بهائم إن قصد لطعمها وغلب تناولها له كعلف رطب قد يتناوله الآدمي ، فإن قصد للنوعين فربوي إلا إن غلب تناول البهائم له فيما يظهر ، فعلم من هذا كقولنا السابق بأن يكون أظهر مقاصده إلى آخره أن الفول ربوي . بل قال بعض الشراح : إن النص على الشعير يفهمه لأنه في معناه ، وما ذكره بعضهم من المشاحة في كون الفول مما غلب تناول البهائم له ، محمول على بلاد غلب فيها لئلا يخالف كلام الأصحاب

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وتعلق الحكم بمشتق إلخ ) إذ الطعام بمعنى المطعوم ا هـ حج . وبه يندفع ما يقال الطعام اسم عين فلا يكون مشتقا ( قوله بكسر العين ) قال ع أي فالطعم بالضم الأكل ، وأما بالفتح فهو ما يدرك بالذوق ا هـ سم على منهج ( قوله : بأن يكون إلخ ) تفسير لقصد وبه يندفع ما يقال من أين [ ص: 429 ] علم أنه مقصود للآدمي ( قوله : وإن لم يأكله ) أي الآدمي إلا نادرا : أي بل أو لم يأكله أصلا لكن يبقى الكلام [ ص: 430 ] في العلم بكون أظهر مقاصده الطعم حيث لم يتناوله الآدمي إلا نادرا أو لم يتناوله أصلا من أين يؤخذ إلا أن يقال : إنه يؤخذ من حيث المنافع التي اشتمل عليها ككونه قوتا ، فيعلم أن الاقتيات منه هو المقصود فلا يضر في كونه مقصودا للآدمي اختصاص البهائم به أو غلبة تناولهم له ( قوله كالبلوط ) وهو المعروف الآن بتمر الفؤاد ، وهو يشبه البلح في الصورة ( قوله : إذ هو مطعوم ) أي لغة ففي المصباح ويقع : أي الطعم بمعنى المطعوم على كل ما يساغ حتى على الماء وذوق الشيء . ثم قال : وفي العرف الطعام : اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب ( قوله بالعرف ) المراد بالعرف عرف بلد العقد حج ، والمراد ببلد العقد محلته بلدا كان أو غيرها . وقال سم عليه : قوله بلد العقد : أي وإن لزم أن الشيء قد يكون ربويا في بلد وغير ربوي في آخر ، ولا يخلو من غرابة ونظر ا هـ .

                                                                                                                            أي فالأولى ما قاله مر من أن المراد بالعرف العرف العام كأن يقال : العذب : ما يساغ عادة من غير نظر إلى محلة دون أخرى ( قوله : الحلوا ) بالقصر والمد ، وعبارة المصباح : الحلوا التي تؤكل تمد وتقصر ، وجمع الممدود حلاوي مثل صحاري وصحاري بالتشديد ، وجمع المقصور حلاوى بفتح الواو . قال الأزهري : الحلوا اسم لما يؤكل من الطعام إذا كان معالجا بحلاوة ا هـ ( قوله : كملح ) أي سواء كان مائيا أو جبليا ; لأن كلا منهما يقصد للإصلاح فهما كالبر البحيري والصعيدي ( قوله : وكل ما يصلح ) أي البدن ( قوله : من البهارات ) في المصباح : والبهار وازن سلام الطيب ، ومنه قيل لأزهار البادية بهار . قال ابن سيده : والبهار بالضم : شيء يوزن به ا هـ . وفي المختار : والبهار بالفتح : العرار الذي يقال له عين البقر ، وهو بهار البر ، وهو نبت جعد وتفاحة صفراء ينبت أيام الربيع يقال له العرارة ا هـ . ومنهما يعلم أن الزنجبيل لا يسمى بهارا ، وهو خلاف ما عليه عرف الناس ( قوله : والأباريز ) ومنها الحلبة اليابسة بخلاف الحلبة الخضراء كذا بهامش ، وعليه فمثلها الكبر فيما ذكر من التفصيل فيما يظهر ، لكن عبارة الشارح في أواخر بيع الأصول والثمار قبيل ويرخص في بيع العرايا نصها : ولهذا لو باع زرعا غير ربوي قبل ظهور الحب بحب أو برا صافيا بشعير وتقابضا في المجلس جاز إذ لا ربا ، ويؤخذ من ذلك أنه إذا كان ربويا كأن اعتيد أكله كالحلبة امتنع بيعه بحبه وبه جزم الزركشي ، ومثل البهارات والأبازير غيرهما بدليل ما مثل به من الطين وما معه فإنه ليس من البهارات ولا الأبازير مع كونه ربويا لكنه من الأدوية ( قوله : خروع ) وازن مقود ا هـ مصباح ( قوله : وورد ) أي ودهن ورد . أما الخروع والورد وماؤه فليست ربوية ; لأنها لم تقصد للطعم ا هـ حج ولم ينبه على حكم بقية المياه . والظاهر أنها ربوية ; لأنها تقصد للتداوي ( قوله فألحق به ما في معناه ) . [ ص: 431 ]

                                                                                                                            [ فرع ] انظر الترمس هل هو ربوي وينبغي أن يكون ربويا ; لأنه يؤكل بعد نقعه في الماء وأظنه يتداوى به قبل فليحرر ا هـ سم على منهج . ومثله القرطم ا هـ دميري . وينبغي أن مثل القرطم دهنه ودهن الخس والثلجم ( قوله : كالمصطكى ) بضم الميم والقصر ا هـ ( قوله : والسقمونيا ) بخلاف دهن السمك والكتان ; لأنهما يعدان للاستصباح دون الأكل ا هـ سم على منهج ، ونقل بالدرس عن الشرف المناوي أنه سئل عن النطرون هل هو ربوي أم لا ؟ فأجاب بأنه ربوي ; لأنه يقصد به الإصلاح ا هـ سم على منهج فليراجع .

                                                                                                                            أقول : وقد يتوقف فيه فإنا لا نعلم أي إصلاح يراد منه مما هو من جزئيات المطعوم من الاقتيات والتفكه والتأدم والتداوي ، والذي يستعمل فيه إنما هو على سبيل الغش في البضاعة التي يضاف إليها ( قوله : ولا ربا في الحيوان مطلقا ) أي مأكولا أو غيره من جنسه أو من غير جنسه ، ومعلوم أن الكلام في الحي ( قوله كصغار السمك ) أي والجراد ( قوله : وأطراف قضبان عنب ) ومثلها ورقه ومثلها أيضا أطراف قضبان العصفر ( قوله : كعلف رطب ) كالبرسيم .

                                                                                                                            [ فرع ] قال مر : المطعومات خمسة أقسام : ما يختص بالآدميين : أي من حيث القصد ، ما يغلب ، ما يستوي فيه الآدميون وغيرهم ، ما يختص بغيرهم ، ما يغلب في غيرهم ، فالثلاثة الأول فيها الربا ، والباقيان لا ربا فيهما ا هـ سم على منهج ( قوله : محمول على بلاد غلب فيها إلخ ) هذا يؤدي إلى أن الشيء يكون ربويا في بعض البلاد دون بعض وهو مشكل . قال سم على حج بعد مثل ما ذكر : ولا يخلو عن غرابة ونظر ا هـ . وقد يحمل كلامه على أن هذا في مقابلة ما ذكره بعضهم من المشاحة على معنى أن غلبة تناول البهائم الفول ممنوعة ، ولئن سلم ذلك فما استندت إليه من الغلبة إنما هو في بعض البلاد ولا اعتبار لذلك ، وحينئذ فالفول ربوي دائما .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 428 ] قوله : بأن يكون أظهر مقاصده تناول الآدمي ) فهو منه بالأولى ما إذا لم يقصد إلا لتناول الآدمي ، وسيأتي في كلامه أنه مثل ذلك ما إذا قصد للنوعين بشرطه الآتي ، وخرج بذلك ما إذا قصد لطعم البهائم : أي بأن كان أظهر مقاصده طعمها نظير ما فسر به هنا طعم الآدمي وحينئذ فيشمل صورتين ما إذا لم يقصد إلا لطعمها وما إذا كان أظهر مقاصده ذلك وكل من الصورتين غير ربوي لشرطه الآتي في كلامه فهذه خمس صور بالنظر إلى القصد ، ويأتي مثلها بالنظر إلى التناول كما لا يخفى بأن لا يتناوله إلا الآدميون أو يغلب تناولهم له أو يستوي الأمران أو لا يتناوله إلا البهائم أو يغلب تناولها له ، فيتلخص خمس وعشرون صورة حاصلة من ضرب خمسة القصد في خمسة التناول وكلها تعلم من كلامه إما بالمنطوق أو بمفهوم الموافقة أو المخالفة كما أشرنا إليه وكلها يثبت فيها الربا إلا في ست صور . وإيضاح ذلك أنه أطلق فيما يكون أظهر مقاصده تناول الآدمي له أنه ربوي وقد قدمنا أنه يفهم منه بالأولى ما إذا لم يقصد إلا لتناول الآدمي فهما صورتان بالنظر إلى القصد تحتهما عشر صور بالنظر إلى التناول وكلها فيه الربا ، وذكر فيما يستوي فيه النوعان من حيث القصد أنه ربوي بشرط عدم غلبة تناول البهائم له فدخل فيه من خمسة التناول ما إذا لم يتناوله غير الآدمي وما إذا غلب تناوله وما إذا استوى الأمران فتبلغ صور الربا ثلاثة عشر ، وخرج بالشرط المذكور فيه ما إذا غلب تناول البهائم له وما إذا لم يتناوله إلا البهائم بطريق الأولى ، فهاتان صورتان لا ربا فيهما ، وذكر في مطعوم البهائم أنه غير ربوي بشرط غلبة تناولها له ، وقد علمت أن قوله فيه إن قصد لطعمها منطو على صورتين ما إذا لم يقصد إلا لها ، وما إذا كان أظهر مقاصده تناولها نظير ما مر له في مطعوم الآدمي ، فدخل في كل من الصورتين ما إذا غلب تناول البهائم له وما إذا لم يتناوله إلا البهام بالأولى ، فهي أربع صور حاصلة من ضرب اثنين في اثنين تضاف إلى الصورتين المتقدمتين فتصير صور عدم الربا ستا ، وخرج في صورتي مطعوم البهائم ما إذا لم يتناوله إلا الآدمي وما إذا غلب تناوله له وما إذا استوى الأمران . فيحصل ست صور حاصلة من ضرب ثلاثة في اثنين [ ص: 429 ] فيهما الربا تضاف إلى الثلاثة عشر المتقدمة تصير صور الربا تسعة عشر وهي تمام الخمس والعشرين ، ويجمعها هذا الجدول : ما اختص به الآدمي قصدا وتناولا ربوي ، ما اختص به الآدمي قصدا وغلب فيه وتناولا ربوي ، ما اختص به الآدمي قصدا واستوى فيه مع غيره تناولا ربوي ، ما اختص به الآدمي قصدا وغلب فيه غيره تناولا ربوي ، ما اختص به الآدمي قصدا واختص به غيره تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده الآدمي واختص به تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده الآدمي وغلب فيه تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده الآدمي واستوى فيه مع غيره تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده الآدمي وغلب فيه غيره تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده الآدمي واختص به غيره تناولا ربوي ، ما استوى فيه النوعان قصدا واختص به الآدمي تناولا ربوي ، ما استوى فيه النوعان قصدا وغلب فيه الآدمي تناولا ربوي ، ما استوى فيه النوعان قصدا وتناولا ربوي ، ما استوى فيه النوعان قصدا وغلب فيه غير الآدمي تناولا غير ربوي ، ما استوى فيه النوعان قصدا واختص به غير الآدمي تناولا غير ربوي ، ما اختص به غير الآدمي قصدا وتناولا غير ربوي ، ما اختص به غير الآدمي قصدا وغلب فيه تناولا غير ربوي ، ما اختص به غير الآدمي قصدا واستوى فيه النوعان تناولا ربوي ، ما اختص به غير الآدمي قصدا وغلب فيه الآدمي تناولا ربوي ، ما اختص به غير الآدمي قصدا واختص به الآدمي تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده غير الآدمي واختص به غير الآدمي تناولا غير ربوي ، ما كان أظهر مقاصده غير الآدمي وغلب فيه غير الآدمي تناولا غير ربوي ما كان أظهر مقاصده غير الآدمي واستوى فيه النوعان تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده غير الآدمي وغلب فيه الآدمي تناولا ربوي ، ما كان أظهر مقاصده غير الآدمي واختص به الآدمي تناولا ربوي ، هكذا ظهر لي من كلام الشارح فليحرر .

                                                                                                                            واعلم أن الظاهر أن المراد بقولهم قصد الآدمي مثلا أن يكون الآدمي يقصده للتناول منه . وهذا غير التناول بالفعل وإلا فما معنى كون الطين الأرمني مقصودا للآدمي ، ويجوز أن يكون المراد بكونه قصد للآدمي مثلا أنه يظهر من الحكمة الأزلية أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا إلا لطعم الآدمي فليتأمل ( قوله : وحده أو مع غيره ) حالان [ ص: 430 ] من الضمير المجرور في له كما يعلم من عبارة الروض وغيرها .




                                                                                                                            الخدمات العلمية